اخر الاخبار

احتمالية الانسحاب الأمريكي تحاصر “قسد”

– خالد الجرعتلي

على مر السنوات الماضية، طرحت الولايات المتحدة الأمريكية احتمالات انسحابها من سوريا كخطة مستقبلية، وهو ما يثير قلق حليفها المحلي “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تتعرض لتهديدات مستمرة من الشمال، إذ تعتبرها تركيا “منظمة إرهابية”، وتهاجم مناطق سيطرتها باستمرار على هذا الأساس.

“قسد” ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية”، كانت تنظر إلى روسيا كبديل عن أمريكا لصد مخاطر تركيا عن مشروعها، لكن مع سقوط النظام السوري، في 8 من كانون الأول 2024، وانسحاب روسيا، وزوال النفوذ الإيراني، تُركت “قسد” رهينة لنتائج مفاوضات أمريكية- تركية، قد تقرر مستقبلها.

وفي لقاء له مع صحيفة “الجارديان” البريطانية، دعا قائد “قسد”، مظلوم عبدي، الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، لإبقاء قوات بلاده العسكرية في سوريا، تزامنًا مع اقتراب توليه السلطة في 20 من كانون الثاني الحالي.

وقال عبدي، إن تنظيم “الدولة الإسلامية” زاد من قوته في الصحراء السورية بعد الاستيلاء على أسلحة من نظام الأسد المخلوع، في وقت تتعرض “قسد” لضغوط متزايدة من تركيا والفصائل المتحالفة معها شرقي حلب.

واعتبر قائد “قسد” أن العامل الرئيس للاستقرار في المنطقة هو “الوجود الأمريكي على الأرض”، مضيفًا أنه إذا انسحبت القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي، فإن ذلك سيؤدي إلى “عودة ظهور العديد من الفصائل، بما في ذلك تنظيم (الدولة)”.

خطة الانسحاب

في 6 من تشرين الثاني 2024، قال روبرت كينيدي جونيور، وهو أحد الحلفاء المقربين من الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إنه يريد سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا.

وذكر روبرت في حديثه مع شبكة “تاكر كارلسون” الأمريكية، خلال بث مباشر لتغطية نتائج الانتخابات الرئاسية، أن الرئيس ترامب أبدى نيته سحب قواته من شمال شرقي سوريا، في أثناء رحلة بالطائرة.

وفي أيلول 2024، حددت الولايات المتحدة الأمريكية جدولًا زمنيًا لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة” في العراق وسوريا.

وذكر بيان أمريكي- عراقي نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن مهمة التحالف في العراق تقرر إنهاؤها خلال مدة لا تتجاوز الـ12 شهرًا.

ولمنع عودة تهديد التنظيم من شمال شرقي سوريا، ستستمر المهمة العسكرية للتحالف العاملة في سوريا، انطلاقًا من المشاورات مع اللجنة العسكرية العليا، حتى أيلول 2026.

زوال الأسباب

يرتبط الوجود الأمريكي في سوريا منذ نشأته بأسباب مباشرة وغير مباشرة، وفق ما يراه الباحث المتخصص بشؤون شمال شرقي سوريا سامر الأحمد.

ويهدف السبب الرئيس والمعلن لوجود القوات الأمريكية تحت مظلة قوات التحالف الدولي، لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على المنطقة حتى مطلع عام 2019، وهو ما ذكرته وزارة الدفاع الأمريكية مرارًا.

وربط الباحث وجود القوات نفسها بقطع المد الإيراني أيضًا، وحرمان النظام السوري المخلوع وحلفائه (إيران وروسيا) من الموارد النفطية في الشرق السوري، معتبرًا أن الأسباب جميعها انتهت اليوم.

واعتبر الباحث أن إيران غادرت سوريا مع سقوط النظام، ولم تعد هناك حاجة لحجب المنطقة عن إيران عبر قواعد عسكرية، كما أن النظام سقط، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لحجز ثروات شرقي سوريا عن حكومة دمشق، إلى جانب أن تنظيم “الدولة” لم يعد يشكل تهديدًا.

ولفت الأحمد إلى حقيقة وجود مقاتلين للتنظيم في السجون شمال شرقي سوريا، إضافة إلى خلايا تنتشر في مناطق البادية السورية، لكنه قلل من أهمية وجود التنظيم بهذا الشكل، معتبرًا أن الإدارة السورية الجديدة في دمشق قادرة على التعامل مع هذا النوع من المشكلات، وهو ما أثبتته خلال مراحل سابقة، سواء بالتعاون مع التحالف الدولي أو أطراف أخرى.

من جانبه، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات”، أسامة شيخ علي، أن التنبؤ بقرارات ترامب صعب، خصوصًا أنه “رجل صفقات”، ولفت إلى أن هناك تجربة سابقة عندما قرر عام 2019 الانسحاب من سوريا ثم غير رأيه لاحقًا.

وأضاف ل أن من الصعب أن يحدث انسحاب أمريكي على المدى القريب، خصوصًا مع تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الحالي، لويد أوستن، الذي قال فيها إن خطر تنظيم “الدولة” لا يزال مستمرًا في سوريا.

وسبق أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن أن الأصول العسكرية التابعة لها المنتشرة في سوريا ستبقى في مواقعها، لمنع تنظيم “الدولة” من إعادة تشكيل نفسه.

وقال أوستن لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إن بلاده بحاجة لإبقاء قواتها في سوريا لمنع التنظيم من إعادة تشكيل نفسه بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

وتشير التقديرات إلى وجود ما بين 8000 و10000 مقاتل من التنظيم في المخيمات، “ويعتبر ما لا يقل عن 2000 منهم خطيرين للغاية”، وفق الوكالة الأمريكية.

مصير “قسد”

لطالما اعتبرت “قسد” أو “الإدارة الذاتية” المتضرر الأكبر من أي متغيرات قد تطرأ على الأرض وتؤدي إلى انسحاب أمريكي من سوريا، إذ ستتركها أمام هجمات تركية تنهي مشروعها قسرًا.

ولا تزال “الإدارة” تخوض مفاوضات مع الإدارة السياسية الجديدة في دمشق لدمج “قسد” مع الجيش السوري الجديد، والجلوس على طاولة حوار وطني مع بقية المكونات السورية.

ورغم تعقيد المشهد بين مطالب “الإدارة الذاتية” باللامركزية وشروط حكومة دمشق بحل المكونات العسكرية شرق الفرات، تبدو المفاوضات بين الجانبين جارية على قدم وساق، وفق ما يلحظ من التصريحات السياسية بين الجانبين.

الباحث سامر الأحمد، قال ل، إن “قسد” تقف اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التوصل إلى توافق مع حكومة دمشق، وتحويل مؤسساتها لمجالس المحلية تتبع لمجالس المحافظات، أو مواجهة هجوم بري تركي ينهي مشروعها في سوريا، ويفكك مؤسساتها.

من جانبه، يرى الباحث أسامة شيخ علي، أن خيار “الإدارة الذاتية” الأفضل هو الوصول لاتفاق مع الإدارة السورية الجديدة والانضمام إلى الجيش السوري الجديد، والوصول إلى صيغة تفاهم حول شكل إدارة المنطقة في المرحلة المقبلة.

ولفت إلى وجود جهات أو دول ربما تسعى لإحراج الإدارة الجديدة في دمشق، وربما للتأسيس لـ”ثورات مضادة” يمكن أن تستغل المشهد، والاستثمار بخبرة “قسد” العسكرية مجددًا.

واعتبر شيخ علي أن “الإدارة الذاتية” لا تزال منخرطة بمفاوضات مع الإدارة السياسية الجديدة، وقد تصل إلى اتفاق ما ينهي حالة التعقيد التي تعيشها المنطقة.

تصريحات حول توافق مع دمشق

قائد “قسد”، مظلوم عبدي، قال إن “قسد” ستكون جزءًا من الجيش السوري الجديد، موضحًا أنه لم يتلقَّ دعوة بشكل رسمي حتى اللحظة لحضور مؤتمر الحوار الوطني الذي جاء ذكره مؤخرًا على لسان مسؤولين سوريين، داعيًا إلى إشراك جميع المكونات السورية به.

وقال في لقاء مع قناة “سكاي نيوز عربية”، في 10 من كانون الثاني الحالي، “أجرينا اجتماعًا إيجابيًا مع الإدارة السورية الجديدة حول مختلف القضايا التي تهم البلاد”، لافتًا إلى وجود إجماع وتوافق على القضايا الأساسية المتعلقة بمستقبل سوريا، وفق تعبيره.

وسبق أن أعلن عبدي عن الوصول لاتفاق مع الإدارة الجديدة في دمشق لنبذ فكرة التقسيم في سوريا، خلال المفاوضات القائمة بين الطرفين.

وقال لوكالة “فرانس برس”، إن “قسد” اتفقت مع السلطة الجديدة في دمشق على رفض “أي مشاريع تقسيم تهدد وحدة البلاد”.

في تصريح مكتوب للوكالة، نقلته قناة “فرانس 24” الفرنسية، أضاف عبدي أن “لقاء إيجابيًا” جمع قيادتي الطرفين نهاية الشهر الماضي في دمشق، وقال، “نتفق أننا مع وحدة وسلامة الأراضي السورية، وعلى رفض أي مشاريع تقسيم تهدد وحدة البلاد”.

وسبق أن التقى وفد من “قسد”، التي يشكل المقاتلون الكرد عمودها الفقري، وتدعمها واشنطن، قائد الإدارة الجديدة في دمشق، أحمد الشرع، في 30 من كانون الأول 2024، في أول محادثات جمعت الطرفين منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.

وفي وقت يتحدث فيه عبدي عن توافق مع الإدارة الجديدة، تستمر المواجهات العسكرية بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، و”قسد” شرقي محافظة حلب، منذ أكثر من شهر، وأسفرت عن سيطرة الأول على مناطق منبج وتل رفعت بريف حلب.

وتعتبر الجارة تركيا أن “وحدات حماية الشعب” التي بُنيت عليها “قسد” هي “منظمة إرهابية” تشكل امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” الذي أُسس في تركيا على أساس قومي راديكالي قبل نحو نصف قرن.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *