تواجه العائلات في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا ضغوطًا معيشية متزايدة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما أثر بشكل مباشر في قدرة السكان على تحضير المؤونة الشتوية.

وتضاعفت أسعار معظم المواد الغذائية، من خضراوات وألبان وزيوت، خلال الأشهر الماضية، في وقت لا تتجاوز فيه الأجرة اليومية للعامل 100 ألف ليرة سورية (نحو 8.5 دولار) بالحد الأعلى، ما جعل من الصعب على العائلات تحضير المؤونة الشتوية بالكميات المعتادة.

ويبلغ سعر صرف الدولار الواحد نحو 11500 ليرة سورية في السوق السوداء.

عائلات تستغني عن المؤونة

اضطرت بعض الأسر إلى الاقتصاد في تحضير المؤونة الشتوية، والاكتفاء بالكميات الأساسية لتغطية الاحتياجات الضرورية، بينما لم تتمكن عائلات أخرى من تجهيز المؤونة على الإطلاق، تاركة الأمر للظروف والاعتماد على المساعدات أو شراء ما تحتاج إليه عند الحاجة فقط.

لم تستطع سلمى المحمد، من مدينة تل أبيض، هذا العام تحضير أكثر من ثلاثة كيلوغرامات من “المكدوس” وأربعة كيلوغرامات من الجبن فقط.

وأوضحت أن ارتفاع أسعار المواد الأولية من زيت وباذنجان ومكسرات أدى إلى تقليل الكميات المحضرة هذا العام بالنسبة لها.

وأشارت إلى أن تحضير كيلو واحد من “المكدوس” يكلف ما يقارب 75,000 ليرة سورية، وهو رقم كبير مقارنة بدخلها المحدود.

وذكرت أنها في السنوات السابقة كانت تحضر لعائلتها ما يقارب عشرة كيلوغرامات من “المكدوس” و25 كيلوغرامًا من الجبن، لكن ارتفاع الأسعار أجبرها هذا العام على تقليص الكميات بشكل كبير.

من جانبها، حنان كرم الدين من مدينة رأس العين، قالت ل، إنها تركت عادة تحضير المؤونة الشتوية منذ ثلاث سنوات بسبب التكلفة العالية ودخلها المحدود، ما جعل من الصعب عليها الاستمرار في عادة كانت جزءًا من تقاليد العائلة.

وأوضحت أن عملها كخياطة بدخل لا يتعدى مليون ليرة سورية شهريًا (نحو 87 دولارًا) لا يكفي لتغطية المستلزمات الأساسية، مثل السكر والأرز والزيت، فضلًا عن المعلبات والخضراوات التي تحتاج إليها العائلة خلال الشتاء.

وبيّنت أن لديها ثلاثة أطفال يعتمدون عليها في كل شيء، ما يزيد من ضغوط الحياة اليومية ويجعل من المستحيل تحضير المؤونة الشتوية التقليدية كما اعتادت في السنوات السابقة، لتظل عادات الشتاء وذكرياته رهن الظروف الاقتصادية الصعبة.

ويعتمد سكان رأس العين وتل أبيض البالغ عددهم 253,000 نسمة بشكل رئيس على قطاع واحد هو الزراعة، وتعد الليرة السورية العملة المتداولة في المنطقة لكن واقعها المضطرب أرهق الأهالي، أما العملة الثانية فهي الليرة التركية (غير متداولة بكثرة) بسبب متاخمة المدينة الحدود التركية، والثالثة هي الدولار الأمريكي.

أسعار مرتفعة

تعتبر أسعار المواد الأولية من خضار وزيوت ومكسرات وأجبان من أبرز التحديات هذا الشتاء في رأس العين وتل أبيض، إذ ارتفعت بشكل كبير، ما دفع العائلات إلى تقليص الكميات أو الاستغناء عنها تمامًا.

عمار حمدان، صاحب “بسطة” للخضار في تل أبيض، قال ل، إن هذه الفترة تعتبر فرصة لبيع الخضار المستخدمة في تحضير المؤونة الشتوية، مثل الباذنجان والفليفلة والخيار والثوم، لكن ارتفاع أسعارها أثّر بشكل كبير على المبيعات.

وأوضح أنه كان يبيع سابقًا ما يقارب 300 كيلوغرام من الخضار المستخدمة في المؤونة الشتوية يوميًا، أما الآن فلا يبيع أكثر من 40 كيلوغرامًا يوميًا، وهو رقم منخفض جدًا مقارنة بالسابق.

وأضاف أن سعر الباذنجان وصل إلى 8000 ليرة سورية، والثوم إلى 40,000 ليرة، والفليفلة إلى 17,000 ليرة، والبندورة المستخدمة للضغط إلى 15,000 ليرة سورية.

وأشار إلى أن الحل يكمن في دعم المواد الأولية من الجهات الحكومية وتوفير بدائل للمزارعين والباعة، لتسهيل عملية شراء المواد الأساسية للأسر.

من جانبه، محمد الراشد صاحب محل لبيع المواد الغذائية من رأس العين، قال ل، إن ارتفاع أسعار المواد الأولية لتحضير المؤونة الشتوية أدى إلى عزوف السكان عن شرائها.

وأوضح أن سعر أرخص نوع من المكسرات يصل إلى 40,000 ليرة سورية، أما الجوز فيصل سعره إلى 90,000 ليرة، وزيت الزيتون الأصلي فسعره 95,000 ليرة للكيلو.

وأشار إلى أن قسمًا كبيرًا من السكان لجأ إلى شراء الزيت النباتي لتحضير “المكدوس” و”المحمرة” وغيرها من أصناف المؤونة الشتوية، لأنه أرخص من الزيت الأصلي، رغم أنه غير مناسب للتخزين لفترات طويلة وقد يسبب مشكلات صحية، لكنه الخيار الوحيد المتاح أمام الأسر ذات الدخل المحدود لتغطية احتياجاتها الشتوية.

ولفت إلى أن ارتفاع الأسعار هذا العام جعل الكثير من العائلات تقيد مشترياتها بالحد الأدنى أو تترك بعض المواد الأساسية تمامًا.

وتقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.

رأس العين.. عائلات تحضر نصف مؤونة الشتاء وأخرى تتخلى عنها

المصدر: عنب بلدي

شاركها.