ارتفاع الإيجارات.. تحد كبير أمام السوريين العائدين إلى حلب
منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، في ديسمبر الماضي، شهدت مدينة حلب ارتفاعاً كبيراً في قيمة الإيجارات السكنية، بالتزامن مع عودة المهجرين والنازحين واللاجئين إلى مناطقهم التي طالها التدمير، وسط قلة في العرض وزيادة في الطلب، ما يشكل تحدياً يضاف إلى الظروف الاقتصادية الصعبة في المدينة التي كانت تُعتبر العاصمة الاقتصادية لسوريا.
وتعرضت أحياء كثيرة في حلب، طوال سنوات الحرب، لدمار كبير، بسبب الاشتباكات والقذف المتبادل بين قوات النظام السابق وفصائل المعارضة المسلحة، قبل أن تُجبر الفصائل على الانسحاب إلى شمال البلاد عام 2016.
كما أدى الزلزال العنيف الذي ضرب سوريا في فبراير 2023 إلى زيادة حجم التدمير بالمدينة، فضلاً عن المباني المتضررة أساساً من الحرب، وبحسب تقرير أصدره معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب UNITAR عام 2019، بلغ عدد المباني المدمرة في حلب جراء الحرب نحو 36 ألفاً.
وبحسب دراسة نشرتها جامعة اليرموك الأردنية عام 2023، فإن نحو ثلث مساحة مدينة حلب البالغة 182 كيلومتراً مربعاً تعرض للدمار (قلب المدينة)، حيث ترتكز فصائل المعارضة المسلحة حتى عام 2016، ويضم نحو 80 حياً من أصل 127 تشكل المساحة الكلية لحلب، وتبلغ مساحة محافظة حلب كاملة 18.5 ألف كيلومتر مربع.
وبحسب المكتب المركزي للإحصاء خلال فترة نظام الأسد، فإن عدد سكان المحافظة بلغ 4 ملايين و117 ألف نسمة عام 2021، لتحتل المركز الأول على مستوى محافظات سوريا من حيث عدد السكان.
3 آلاف دولار إيجار لشقة بسيطة
بعد سقوط نظام الأسد، عاد المواطن حسن الحلبي إلى سوريا، ليفاجأ بتضرر 3 طوابق في مبنى كان يسكنه بحي الصالحين في المدينة جراء عمليات القصف السابقة، إلا أنه يأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية ليستطيع ترميم ما تدمر.
وقال حسن لـ”الشرق”: “الدمار كان كبيراً، لكننا قررنا العودة لأنه لم يكن لدينا خيار آخر.. للأسف، معظم منازلنا كانت مدمرة، وبعضها لا يمكن العيش فيه. لكننا نحاول التأقلم”.
في مقهى صغير بحي الشهباء في المدينة، كان أحمد كوسا، الذي عاد من لبنان بعد سنوات من اللجوء، يتحدث مع أصدقائه عن البحث المضني عن منزل في المدينة. وقال لـ”الشرق”: “في بعض المناطق التي لم تتأثر بالدمار، مثل حلب الجديدة، الأسعار أصبحت خيالية.. استئجار شقة بسيطة يمكن أن يكلف أكثر من 3 آلاف دولار سنوياً (الدولار متوسط 11750 ليرة)”.
وأضاف أحمد: “الأسعار أصبحت فوق طاقتنا.. قبل الحرب، كنت أستطيع استئجار شقة في هذا الحي بسعر معقول، لكن الآن، الوضع اختلف تماماً”.
شهد جبري، عادت إلى حلب بعد سنوات من اللجوء في تركيا، لتجد المدينة تغيرت بشكل واضح، وقالت لـ”الشرق” إنها عادت إلى حلب فوجدتها كما تركتها، لكن مع وجود ركام في كل زاوية.
وأضافت: “حاولت البحث عن منزل بسيط، لكن الأسعار تبدأ من عشرات الملايين من الليرات، وكأنني بحاجة إلى ثروة لكي أعيش هنا”.
مع ذلك، تتمسك شهد، كغيرها من السوريين، بأمل أن الأفضل قادم للبلاد: “لا بأس، الحلبيون لديهم القدرة على النهوض من بين الركام.. نحن مثل النبتة التي تنمو بعد العاصفة.. حلب ستعود كما كانت، وفي النهاية، كل شيء سيعود إلى مكانه، حتى لو اضطررنا للبداية من الصفر”.
العرض والطلب وسعر الليرة
في مكتب بسيط قرب حي الشهباء، شرح محمد سمعان، صاحب مكتب عقارات، الأسباب التي يرى أنها وراء الزيادة الكبيرة في الأسعار، بقوله: “المسألة ببساطة تتعلق بالعرض والطلب.. إذا ارتفع العرض، تنخفض الأسعار، ولكن إذا كان العرض قليلاً، كما هو الحال الآن، ترتفع الأسعار بشكل غير معقول”.
وأضاف لـ”الشرق”: “الموضوع لا يقتصر على المنازل فحسب، فحتى المحال والصالات التجارية في أحياء حلب الغربية التي نجا جزء كبير منها من الدمار، شهدت ارتفاعاً في الأسعار، الناس الذين فقدوا بيوتهم في المنطقة الشرقية، صاروا يعتمدون على سوق الإيجارات، وهذا أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ”.
وأوضح سمعان، أن الأسعار قبل سقوط نظام الأسد كانت مرتفعة جداً بسبب انهيار سعر صرف الليرة، لكن على الرغم من أن قيمة العملة تحسنت قليلاً منذ نحو شهر، إلا أن الأسعار لم تتراجع، بل ارتفعت بشكل أكبر في ظل عودة المهجرين، وزيادة الإقبال على المدينة.
واعتبر لؤي عيسى الذي يملك مكتباً عقارياً في حلب، أن ارتفاع قيمة الإيجارات ليس سوى بداية لمرحلة صعبة، وقال: “ما نراه الآن في السوق ليس سوى البداية. بعد عودة المهجرين، أصبح الطلب على إيجار المنازل في ارتفاع مستمر، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 30% في بعض المناطق. ومع الوقت، من المتوقع أن يتفاقم الوضع أكثر”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى الكثير من الوقت لإعادة بناء المدينة بالكامل، لكن في الوقت الحالي، الطلب يفوق العرض بشكل كبير، وهذا يجعل الوضع أكثر تعقيداً”.
ولفت عيسى إلى وجود تفاوت في الأسعار في مختلف مناطق المدينة قبل سقوط النظام وبعده، موضحاً أن الأسعار في الأحياء الشعبية مثل الفردوس والسكري، كانت تتراوح قبل شهرين، بين 150 و 350 دولاراً سنوياً، لكن بعد ارتفاع الطلب، أصبحت تتراوح بين 200 و 500 دولار سنوياً، بزيادة نحو 30%، أما في الأحياء الحديثة مثل حلب الجديدة، فكانت الأسعار تتراوح بين 2000 و 3000 دولار سنوياً، بينما تصل الآن إلى 4000 دولار سنوياً.
مشروعات جديدة ودعم الشركات العقارية
مدير التعاون السكني في محافظة حلب، مروان طباخ، قال إن عودة المهجرين إلى حلب أسهمت في رفع الطلب على العقارات، سواء للشراء أو الإيجار، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وتوقع استمرار الطلب في الارتفاع مع عودة المزيد من اللاجئين.
وأضاف لـ”الشرق”، أنه بالنسبة لتفاوت أسعار الإيجارات بين أحياء المدينة، فإن الأحياء الغربية مثل حلب الجديدة والفرقان تشهد أسعاراً أعلى بكثير مقارنة بالمناطق الشرقية التي تأثرت أكثر من غيرها بالدمار، إضافة إلى اختلاف مستوى الخدمات والطلب فيها.
وشدد طباخ على ضرورة “توفير الخدمات الضرورية في هذه المناطق، كما يجب تسهيل القروض لترميم المنازل المتضررة، وفتح مناطق جديدة للتوسع العمراني، ودعم شركات التطوير العقاري لمواصلة إقامة مشروعات سكنية”.
ويعتقد مدير التعاون السكني، أن استقطاب المستثمرين والمطورين العقاريين لإنشاء ضواحي قرب المدينة باستخدام المباني الجاهزة أو إنشاء مساكن صغيرة من طابق أو طابقين، يتيح تنفيذ المشروعات بسرعة مع توفير الخدمات الأساسية.
وأوضح: “نحن بحاجة إلى أن تعمل الشركات الإنشائية والمطورين العقاريين بسرعة، لكن هذا يتطلب ظروفاً أمنية ملائمة، ونأمل أن تساهم هذه المشروعات في تخفيف الأزمة السكنية، وتوفير خيارات أكثر للمواطنين”.
إعادة الإعمار
على الرغم من الزيادة الملحوظة في قيمة الإيجارات عموماً، يتوقع البعض أن تبدأ الأمور بالتحسن تدريجياً مع انطلاق عملية إعادة الإعمار.
وبحسب طباخ، فإن حلب في حاجة إلى نحو 350 ألف شقة على المدى البعيد، لافتاً إلى أن مجلس المدينة يخطط لزيادة الأراضي المخصصة للبناء، وتنفيذ المخططات التفصيلية للمناطق التنظيمية، مع التركيز على بناء الأبراج كحل للأزمة.
وأضاف أن التعاون السكني يُخطط لإنشاء حوالي 20 ألف شقة خلال 5 سنوات.