أعلن البيت الأبيض منتصف ليل الخميس الجمعة، عن استراتيجيته للأمن القومي، ومنح فيها الأولوية بشكل صريح في السياسة الخارجية للولايات المتحدة للجزء الغربي من الكرة الأرضية (الأميركتين)، مع تراجع الشرق الأوسط، موضحة أن هذا “ليس بسبب فقدان المنطقة لأهميتها، ولكن لأنها لم تعد مصدراً لأزمات متلاحقة، وباتت تتحول تدريجياً إلى ساحة شراكة وصداقة واستثمار”.
وقالت الإدارة في الاستراتيجية التي نشرت على موقع البيت الأبيض، إن أولوية سياستها الخارجية لن تكون في الشرق الأوسط، وإنما في النصف الغربي للكرة الأرضية، كما ستعمل على “الفوز اقتصادياً”، في المستقبل ومنع المواجهة العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ودفع أوروبا للاعتماد أكثر على نفسها، والانتقال إلى الشراكة مع إفريقيا.
واعتبرت الاستراتيجية أن السنوات الماضية، شهدت تراجعاً في اهتمامها بالجزء الغربي، ما “أتاح لمنافسين دوليين التوسع اقتصادياً وأمنياً”، في هذه المنطقة الهامة للولايات المتحدة.
وذكرت أنها ستعمل على تحديث مبدأ مونرو بـ”بالملحق الترامبي”، وينص مبدأ مونرو وهو حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة تجاه نصف الكرة الغربي، وصاغه الرئيس جيمس مونرو في 2 ديسمبر 1823، على رفض التدخل الأوروبي في شؤون الدول الأميركية أو استعمار أراضٍ فيها، مقابل عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الأوروبية.
الشرق الأوسط.. تقاسم الأعباء وبناء السلام
وفي الجزء المتعلق بالشرق الأوسط، قالت الاستراتيجية إنه على مدى نصف قرن على الأقل، شكّلت منطقة الشرق الأوسط أولوية مطلقة في السياسة الخارجية الأميركية.
وأضافت أن الأسباب كانت واضحة، إذ أن الشرق الأوسط “شكّل لعقود المورد الأهم للطاقة في العالم، وساحة رئيسية للتنافس بين القوى العظمى، وبؤرة صراعات كانت تهدّد بالامتداد إلى بقية دول العالم وحتى إلى الأراضي الأميركية”.
واعتبرت أن اليوم، “لم تعد اثنتان من هذه الحقائق ساريتين. فقد تنوّعت مصادر الطاقة بشكل كبير، وأصبحت الولايات المتحدة مجدداً مصدّراً صافياً للطاقة. كما تراجع التنافس بين القوى العظمى إلى مستوى تنافس بين قوى كبرى، مع احتفاظ واشنطن بموقعها الأكثر تفوّقاً، مدعوماً بجهود الرئيس ترمب في إعادة إحياء التحالفات الأميركية في الخليج ومع الشركاء العرب وإسرائيل”، وفق ما ذكر نص الاستراتيجية.
وأشارت الاستراتيجية إلى أن النزاع بالمنطقة، “لا يزال العامل الأكثر إزعاجاً في المشهد الشرق أوسطي، لكن حجمه اليوم أقل مما قد يوحي به المشهد الإعلامي”.
وفصلت الاستراتيجية ما تشير إليه بالنزاع، وقالت إن “إيران، التي تُعد القوة الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة، ضعفت بشدة بفعل العمليات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023، وبفعل عملية مطرقة منتصف الليل، الأميركية في يونيو 2025، التي أدت إلى تراجع كبير في برنامجها النووي”.
وأضافت أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي “يظل معقداً”، إلا أن وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن الذي تفاوض عليه ترمب ساهم في فتح باب نحو تهدئة أطول أمداً.
واعتبرت أن أبرز داعمي حركة حماس “تراجعوا أو أعادوا حساباتهم”. وأضافت أن سوريا “تبقى مصدر قلق محتمل، لكنها قد تستعيد استقرارها ودورها الطبيعي بدعم أميركي–عربي–إسرائيلي–تركي”.
وأورد نص الاستراتيجية أنه “مع تراجع السياسات الأميركية المقيّدة لقطاع الطاقة، وارتفاع الإنتاج المحلي، تتراجع أيضاً الأسباب التقليدية التي جعلت واشنطن تضع الشرق الأوسط في صدارة أولوياتها. فالمنطقة تتحوّل تدريجياً إلى مركز للاستثمار الدولي، في قطاعات تتجاوز النفط والغاز، وصولاً إلى الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي والتقنيات الدفاعية. كما يمكن للولايات المتحدة العمل مع شركائها في الشرق الأوسط لتعزيز مصالح اقتصادية أخرى، مثل حماية سلاسل التوريد وتوسيع الفرص التجارية في مناطق مثل إفريقيا”.
المنطقة لم تعد مصدراً للأزمات.. وتتحول إلى ساحة للشراكة
وقالت الاستراتيجية إن دول المنطقة “تظهر التزاماً أكبر بمكافحة التطرّف، وهو منحى يجب على السياسة الأميركية دعمه. غير أن ذلك يتطلّب التخلي عن النهج الذي حاول دفع هذه الدول، إلى تغيير تقاليدها وهياكلها السياسية. فالإصلاح يجب أن يُشجَّع عندما ينشأ من الداخل، لا أن يُفرض من الخارج”.
واعتبرت الاستراتيجية أن “جوهر العلاقة الناجحة مع الشرق الأوسط، يكمن في التعامل مع دوله وقادته كما هم، والعمل معهم في مجالات المصالح المشتركة”.
وأضافت: “ستظل للولايات المتحدة مصالح أساسية في موارد الطاقة، وفي بقاء مضيق هرمز مفتوحاً، والبحر الأحمر آمناً للملاحة، ومنع المنطقة من أن تصبح حاضنة للإرهاب الذي قد يهدد مصالح واشنطن أو أمنها الداخلي، إضافة إلى ضمان أمن إسرائيل. ويمكن تحقيق ذلك، فكرياً وعسكرياً، من دون الوقوع مجدداً في مستنقع حروب بناء الدول، التي أثبتت إخفاقها لعقود”.
وذكرت أنه ستبقى هناك مصلحة أميركية واضحة في توسيع اتفاقيات أبراهام، لتشمل دولاً جديدة في المنطقة والعالم الإسلامي.
لكنها أشارت إلى أن الحقبة التي كان فيها الشرق الأوسط يهيمن على السياسة الخارجية الأميركية، في التخطيط الاستراتيجي، وفي التفاصيل اليومية، “تبدو في طريقها إلى الانتهاء، ليس لأن المنطقة فقدت أهميتها، بل لأنها لم تعد مصدر الأزمات المتلاحقة كما كانت، بل إنها تتحول تدريجياً إلى ساحة شراكة وصداقة واستثمار، وهو مسار يجب الترحيب به وتعزيزه”.
وقالت “في الواقع، فإن قدرة الرئيس ترمب، على توحيد العالم العربي في شرم الشيخ سعياً للسلام والتطبيع، ستسمح للولايات المتحدة أخيراً بإعادة تركيز سياستها الخارجية بما يخدم مصالحها أولاً”.
استعادة الدور الأميركي
وذكرت الاستراتيجية أنها ستعمل على استعادة الدور الأميركي عبر محورين وهما “الاستقطاب” و”التوسع” والتعاون مع القطاع الخاص.
الاستقطاب: بناء تحالفات قوية وإعادة الانتشار العسكري
تقول الإدارة في الاستراتيجية إنها ستركز على استقطاب “دول قادرة على لعب دور الضامن الإقليمي”، للمساعدة في وقف الهجرة غير الشرعية، ومحاربة الكارتيلات، وتعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي.
بناء تحالفات قوية في أميركا اللاتينية
إعادة توزيع القوات الأميركية عالمياً لصالح نصف الكرة الغربي.
تعزيز وجود خفر السواحل والبحرية في أهم الممرات البحرية.
القيام بانتشارات عسكرية محددة لتأمين الحدود ومواجهة الكارتيلات، مع السماح باستخدام القوة عند الضرورة.
إنشاء أو توسيع نقاط الوصول العسكرية في مواقع استراتيجية بالمنطقة.
كما ستضع الدبلوماسية التجارية في صدارة أدواتها، عبر اتفاقات تجارية متبادلة وتشجيع “تنمية اقتصادية محلية” تجعل المنطقة سوقًا أكثر جاذبية للشركات الأميركية.
التوسع: شبكة أوسع من الشركاء ومنع تمدد القوى الدولية
إلى جانب تعزيز التحالفات القائمة، تخطط الولايات المتحدة لتوسيع شبكة شركائها في المنطقة، وتعمل على جعلها “الشريك المفضل” للدول الأميركية اللاتينية.
توسيع الشراكات مع أميركا اللاتينية عبر إجراءات:
تحديد الموارد والنقاط الاستراتيجية في المنطقة وتطويرها مع الحلفاء.
مواجهة النفوذ الأجنبي، خصوصاً الصيني، عبر كشف التكاليف الخفية لبرامج المساعدات منخفضة الكلفة.
استخدام أدوات النفوذ الأميركية—المالية والتكنولوجية—لدفع الدول إلى تجنّب الاعتماد على شركاء خارجيين.
إصلاح آليات التراخيص والموافقات لتسهيل وصول الشركات الأميركية إلى أسواق المنطقة.
وتؤكد واشنطن أن على دول المنطقة الاختيار بين “نظام دولي تقوده الولايات المتحدة قائم على السيادة والاقتصادات الحرة” أو “نفوذ خارجي قادم من دول بعيدة”.
تعاون أوثق مع القطاع الخاص
وتشدد الاستراتيجية على توحيد الجهود بين الحكومة الأميركية والقطاع الخاص، إذ ستعمل السفارات على تتبع الفرص التجارية الكبرى ومساعدة الشركات الأميركية في المنافسة على العقود الحكومية. كما ستسهم مؤسسات التمويل الأميركية في دعم استحواذات واستثمارات استراتيجية في البنية التحتية والطاقة والمعادن الحيوية والاتصالات.
وفي المقابل، ستسعى واشنطن لمنع الضرائب والقيود التي تُعرقل الشركات الأميركية، وفرض عقود حصرية معها في الدول الأكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة، إلى جانب إزاحة الشركات الأجنبية المنافسة في مشاريع البنية التحتية.
الإندو-باسيفيك ساحة للصراعات الجيوسياسية
وقالت الاستراتيجية إن مطقة الإندو-باسيفيك تمثل حالياً مصدر ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي بناءً على تعادل القدرة الشرائية، وثلثه بناءً على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.
وأشارت إلى أنه من المؤكد أن هذه الحصة ستزداد خلال القرن الحادي والعشرين، ما يعني أن منطقة الإندو-باسيفيك “تعتبر بالفعل وستستمر كونها من ساحات الصراع الاقتصادية والجيوسياسية الرئيسية في القرن القادم”.
واعتبرت أنه “لكي ننجح على الصعيد الداخلي، يجب أن ننافس بنجاح هناك—ونحن نفعل ذلك بالفعل”.
وأشارت إلى أن ترمب “وقع اتفاقيات كبرى خلال جولاته في أكتوبر 2025 تعمّق روابطنا القوية في التجارة والثقافة والتكنولوجيا والدفاع، وتؤكد التزامنا بمنطقة إندو-باسيفيك حرة ومفتوحة”.
وقالت إنه في المستقبل، “سنعيد توازن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، مع إعطاء الأولوية للمعاملة المتبادلة والعدالة لاستعادة الاستقلال الاقتصادي الأميركي”.
وشددت على أن التجارة مع الصين “يجب أن تكون متوازنة، وتركز على العوامل غير الحساسة”.
وأشارت إلى أنه “إذا حافظت الولايات المتحدة على مسار النمو، مع الحفاظ على علاقة اقتصادية متبادلة المنفعة مع بكين، فإن اقتصادنا، البالغ حالياً 30 تريليون دولار في 2025، قد يصل إلى 40 تريليون دولار في العقد الثالث من القرن الحالي، ما يضع بلادنا في موقع متميز للحفاظ على مكانتها كاقتصاد رائد عالميًا. هدفنا النهائي هو وضع أساس لاقتصاد قوي طويل الأمد”.
أوروبا.. إعادة الاستقرار وإنهاء توسع الناتو
وأشارت الاستراتيجية إلى أن سياسة الولايات المتحدة العامة تجاه أوروبا يجب أن تعطي الأولوية، لإعادة الاستقرار داخل أوروبا وتحقيق الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا.
وتمكين أوروبا من الوقوف على قدميها والعمل كمجموعة من الدول ذات السيادة المتحالفة، بما في ذلك تحمل المسؤولية الأساسية عن دفاعها الخاص، دون أن تخضع لأي قوة معادية.
وكذلك، تعزيز المقاومة داخل الدول الأوروبية ضد المسار الحالي الذي تسلكه القارة؛ وفتح الأسواق الأوروبية للسلع والخدمات الأميركية وضمان معاملة عادلة للعمال والشركات الأميركية.
وأشارت إلى ضرورة “تعزيز الدول القوية في أوروبا الوسطى والشرقية والجنوبية من خلال الروابط التجارية وبيع الأسلحة والتعاون السياسي والتبادلات الثقافية والتعليمية؛ وإنهاء الانطباع، ومنع الواقع، بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحالف دائم التوسع.
وتشجيع أوروبا على اتخاذ خطوات لمكافحة فائض الإنتاج التجاري، وسرقة التكنولوجيا، والتجسس السيبراني، وغيرها من الممارسات الاقتصادية العدائية.
وقالت إنه يجب على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك “الشراكة مع بعض الدول لتخفيف النزاعات، وتعزيز علاقات تجارية متبادلة المنفعة، والانتقال من نموذج المساعدات الأجنبية إلى نموذج الاستثمار والنمو القادر على استغلال الموارد الطبيعية الوفيرة في إفريقيا وإمكاناتها الاقتصادية الكامنة”.
