استقبال الشرع الحاشد.. تقديس للقائد أم احتفاء بمخلّص

– علي درويش
أكف مرفوعة تلوح لاستقبال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وأخرى تحمل هواتف تحاول التقاط صور له، وأصوات تعلو من حناجر متفرقة مرحبة بزيارته لمحافظتي اللاذقية وطرطوس، وسط محاولات مرافقيه تأمين مرور الموكب بسلاسة بين الأهالي المحتشدين.
المشهد لم يختلف كثيرًا خلال زيارة الشرع لإدلب مع فارق انعكس في رؤية سكان إدلب ومخيماتها له، باستمرارهم إطلاق الألقاب التي اعتادوها خلال سنوات نفوذه السابقة، مثل “شيخ” و”أبو محمد”، كما يعكس اعتياد ظهوره في عدة مناسبات بين السكان.
حشود استقبال الشرع طالتها انتقادات، بعد خلاص سوريا من مرحلة تقديس القائد الأوحد خلال فترتي حكم حافظ وابنه بشار الأسد منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن هل تأتي الحشود من باب تقديس القائد، أم أنها لشخصية مشهورة، أم لرمز وطني؟
استقبال “طبيعي”
الباحث الاجتماعي الدكتور طلال المصطفى، يرى أن استقبال الشرع في طرطوس واللاذقية وباقي المناطق كان “طبيعيًا وغير مصطنع وصادقًا”، لأنه بالنسبة لمعظم السوريين كان القائد المخلّص لهم من عقود استبداد الأسد من تدمير وتهجير وتجويع، وأنهى هذا الحكم الذي كان معظم السوريين غير متفائلين بسقوطه، ووصلوا إلى مرحلة من اليأس، وفجأة أطيح به.
وأوضح الدكتور طلال المصطفى ل، أن الإطاحة بنظام الأسد حتى لو كانت بموافقة ودعم إقليمي، فهي سبب رئيس للاحتشاد واستقبال الشرع.
السبب الثاني هو أن بعضهم خرجوا في اللاذقية وطرطوس كشكل من أشكال الفضول وليس الحب والتأييد، ليتعرفوا إلى الرئيس الجديد، بعد عقود من صور الأسد الأب والابن.
منذ 2015، بدأت كفة نظام الأسد بدعم روسي وإيراني بالرجحان مقابل تراجع مناطق سيطرة المعارضة، وما تخللها من مجازر بحق المدنيين وتهجير قسري، حتى انحصرت سيطرة المعارضة منذ آذار 2020 في أجزاء من شمال غربي سوريا.
لكن أطاحت “إدارة العمليات العسكرية” خلال 11 يومًا من المعارك المتواصلة بنظام الأسد، بعد ما يقارب 14 عامًا من انطلاق الثورة السورية.
قبل وبعد إطلاق “إدارة العمليات العسكرية” معركة “ردع العدوان” في 27 من تشرين الثاني 2024، كان هناك تخوف من مصير يشابه ما حصل في قطاع غزة عقب “طوفان الأقصى”، في حال فشل “إدارة العمليات العسكرية” في صد هجمات نظام الأسد، لكن ما حصل أنها خالفت التوقعات وأطاحت به.
ورغم أن حجر الأساس في “ردع العدوان” كان “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ سابقًا في إدلب، فإن مختلف الفصائل العسكرية للمعارضة السورية شاركت فيها.
وأشار الدكتور طلال المصطفى إلى أن الشرع إذا استطاع المضي قدمًا ببناء دولة عصرية ديمقراطية، فمن حق السوريين أن يسجلوه كأحد الزعماء الوطنيين على غرار شارل ديغول في فرنسا (وهو ما يعزز من نظرة جزء من المحتشدين للشرع)، وإن كان العكس سيكون زعيمًا مرحليًا والأمر سيظهر في الفترة المقبلة.
الأمر يتوقف على مساره السياسي المستقبلي، إما أن يتعزز كشخصية وطنية مثل بقية الشخصيات الاستقلالية الوطنية في بقية دول العالم، وإما أن يكون عكس ذلك.
دوافع الغوغاء
يوافق الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام رأي الدكتور طلال المصطفى حول أن حشود استقبال الشرع في اللاذقية وطرطوس أمر طبيعي، مشيرًا إلى أن الشرع شخصية مشهورة وهو زعيم وطني لفئة من الناس لكنه ليس كذلك لفئات أخرى، إلى جانب أنه أرفع مسؤول في سوريا.
واستقباله في اللاذقية وطرطوس، اللتين كانتا أبرز حواضن نظام الأسد، كان من مختلف الطوائف، لأن المدينتين تحويان سكانًا من مختلف التوجهات والطوائف الدينية.
وتحدث قسام عن مصطلح الغوغاء في تعامل المجتمع مع القوى المسيطرة، وهو أحد أسباب حشود استقبال الشرع.
الغوغاء مصطلح سياسي اجتماعي، له شروط وقوانين، فعند وجود قوة مركزية تجذب الأطراف لها (الجمهور)، وكلما تراخت قوتها ابتعدت عنها الأطراف، وهو أمر طبيعي ولا غرابة فيه، وتحول موقف الغوغاء من طبيعة الشعوب.
ويرى قسام أن معظم الشعب من الناس البسطاء أو الطبقات المتوسطة، ونخبة المجتمع لا تتجاوز 10%، ونخبة النخبة لا تتجاوز 5%،
ودوافع الغوغاء نابعة من خصائص المجتمع بشكل عام، وهي ليست فريدة بل شائعة بكل المجتمعات العالمية.
وما حصل في المجتمع السوري أن الشرع صدّر نفسه بأنه شخص قوي عسكريًا، وبذلك حتى من كان يقف ضده أصبح معه، وهي حالة مشابهة لما حصل مع نابليون بونابرت.
عندما هزم نابليون أول مرة ونفي إلى جزيرة، كان الشعب الفرنسي ضده، وعندما عاد، تراجع الشعب عن موقفه وأصبح في صف نابليون، وعندما خسر حربه التي شنها ضد عدة دول منها بريطانيا والنمسا ونفي مرة أخرى انقلب الشعب ضده.
القدرة على التأثير
تقديس رئيس البلاد لا يعتبر إرثًا لما سبق، بحسب الدكتور صفوان قسام، لكن ذلك يعود إلى وجود طريقة معينة للتأثير وكسب المجتمع، والنجاح في ذلك يعتمد على معرفة مفاتيح المجتمع بشكل عام وكيف يمكن التأثير فيه.
معظم المجتمع السوري حاليًا متقبل للرئيس الحالي، بغض النظر عن طريقة وصوله إلى سدة الحكم، سواء كانت شرعية أم غير شرعية، وفق قسام، فمعظم من حكموا سوريا منذ الاستقلال لم يصلوا إلى الرئاسة بطريقة شرعية ديمقراطية، خاصة بعد سيطرة حزب “البعث” على الحكم.
وأضاف قسام أن تقديس الرئيس يرتبط بثقافة البلد السياسية، ولو أن المجتمع واعٍ بشرعية وصول الشرع للسلطة، فقد يكون موقفه مخالفًا لموقفه الحالي، و”لأن المجتمع لديه خلفية طائفية تلعب دورًا كبيرًا بالنسبة لانتقاء الشخصيات المسؤولة، لذلك فهو يتقبل وصول شخص بطريقة غير شرعية للحكم أفضل من أن يصل شخص من طائفة أخرى بطريقة شرعية”، بحسب قوله.
عمليًا ومن وجهة نظر قسام، يعتقد الكثير من الناس أن الشرع هو الشخص المتفق عليه نوعًا ما بالمجتمع السوري، وهو الضامن لعدم الانجرار إلى حرب أهلية، بسبب خطابه المتوازن.
خلاص من التقديس
ركزت انتقادات استقبال الشرع على مسألة تقديس القائد، التي عانى منها السوريون على مدار عقود.
وعزز ذلك نظام الأسد وفق سياسة اعتمدت على التقديس الشخصي لحافظ وبشار الأسد، من خلال المناهج التعليمية والإعلام وغيرها من القطاعات.
وبلغت مرحلة التقديس إطلاق أوصاف معينة على الأسد، بل واقتران اسم سوريا باسمه كشعار “سوريا الأسد”، و”الأسد أو نحرق البلد” التي أطلقها مؤيدوه بعد المظاهرات المطالبة بسقوطه مع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011.
استمرت حالة تقديس القائد بعد وصول الشرع لرئاسة البلاد عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذه الثقافة خلال سنوات سيتم التخلص منها، ولا يمكن أن ينجح النظام الجديد بتعزيز هذه الثقافة أو الاستمرار بها، وفق طلال المصطفى.
وأضاف أن الخلاص من التقديس يتم عبر الانتقال إلى دولة القانون والمواطنة والمساءلة ودولة الكفاءات وليس الولاءات الشخصية، و”هذا ليس بالأمر السهل، وقد نحتاج إلى سنوات من العمل، وخاصة في مجال الإعلام والقطاع التعليمي”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي