اخر الاخبار

استيراد السيارات يستنزف القطع الأجنبي في سوريا

في 27 من كانون الثاني الحالي، وصلت أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ “اللاذقية”، بعد يومين على تصريح وزير النقل في حكومة دمشق المؤقتة، بهاء الدين شرم، حول قرار الوزارة السماح باستيراد السيارات إلى سوريا وفق شروط.

واشترط القرار استيراد جميع أنواع السيارات والمركبات إلى سوريا على ألا يكون مضى على تصنيعها أكثر من 15 سنة.

القرار لاقى العديد من الانتقادات، إذ اعتبر بعض الخبراء أنه سيؤثر على أسعار السيارات ويسبب خسارات لأصحابها، فضلًا عن استنزاف موارد القطع الأجنبي في مواد غير أساسية.

في الأسواق المحلية، انخفضت أسعار السيارات بشكل ملحوظ مع دخول السيارات القادمة من الشمال السوري إلى مدينة حلب، كما انخفضت أسعار السيارات القديمة التي وصلت أسعارها قبل سقوط النظام إلى أرقام قياسية رغم أن صنع بعضها يعود لأكثر من 30 عامًا.

حاجة السوق

للوقوف على مبررات اتخاذ القرار، وتعليق الحكومة على آراء الخبراء الاقتصاديين فيما يتعلق بالآثار السلبية التي ستنجم عن القرار، تواصلت مع وزارة النقل في الحكومة السورية.

معاون وزير النقل، محمد الرحال، قال ل، إن القرار جاء نظرًا لحاجة السوق المحلية لأنواع جديدة من السيارات بما يتناسب مع القطاعات المختلفة والمساهمة بأعمال التطوير العام الاقتصادي لمنشآت الأعمال الخاصة والعامة.

ومع سياسة تخفيض الضرائب المفروضة مسبقًا على هذا النوع من التجارات، فإنه يلاحظ انخفاض بأسعار السيارات بالمجمل في الأسواق السورية، وهذا يترافق مع ازدياد الطلب بشكل كبير على السيارات عمومًا في الأراضي السورية، مع أخذ العلم بتوفر سيارات صنعت منذ ما يزيد على 15 عامًا متوفرة بكثرة بالسوق المحلية تناسب فئات المجتمع، بحسب حديث الرحال.

وأضاف معاون الوزير، أنه من الأسباب التي استدعت تحديد سنة الصنع للسيارات المستوردة هو زيادة نسبة السيارات القديمة في سوريا بدرجة كبيرة مقارنة مع السيارات الحديثة التي تم السماح باستيرادها مؤخرًا.

جميع الفئات والأنواع

المديرية العامة لاستيراد السيارات في وزارة النقل قالت إنه سيتم استيراد السيارات ‏من جميع الفئات والأنواع، وخاصة الأكثر طلبًا في السوق المحلية مثل الكورية و‏اليابانية والأوروبية، والتي تعمل بالبنزين أو بالديزل.‏

مدير المديرية، عبد اللطيف شرتح، قال في تصريح للوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، إنه يحق لأي ‏شخص سوري عائد للبلد جلب سيارته ودفع الرسوم الجمركية والحصول على ‏أوراق رسمية لها، مشيرًا إلى أنه في المرحلة المقبلة سيتم تنظيم الاستيراد للشركات ‏المرخصة من قبل غرفة التجارة حصرًا. ‏

وأكد شرتح أنه يجب أن تكون المركبة المستوردة مصنعة بين عامي 2011 و2025 حصرًا.

وصول أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ اللاذقية- 26 من كانون الثاني 2025 (سانا)

وصول أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ اللاذقية- 26 كانون الثاني 2025 (سانا)

“خردة” تزيد الطلب على الدولار

يعد قرار السماح باستيراد السيارات المستعملة بعمر 15 سنة “خطأ كبيرًا”، وفق ما يرى الخبير الاقتصادي جورج خزام، لأنها سيارات “خردة” قادمة من “مقابر السيارات”، وهي مستهلكة للوقود و قطع الغيار، وتستنزف الدولار بالسنوات المقبلة.

وقال خزام في حديث إلى، إنه كان من الأفضل السماح باستيراد سيارات مستعملة بعمر 5 سنوات كحد أقصى بدلًا من 15 سنة، إذ كانت السيارة تعد وسيلة ادخار للمواطنين، لكن اليوم تراجع سعرها حوالي 80% و هذا يعد خسارة كبيرة للمواطنين.

كان من الأفضل رفع الرسوم الجمركية على السيارات المستعملة، وكلما كانت السيارة قديمة كانت تدفع رسمًا جمركيًا أعلى، وذلك لتوجيه الاستيراد نحو السيارات الأحدث التي تستهلك محروقات و قطع غيار أقل، إذ إن أغلب السيارات المستعملة اليوم التي تأتي من الخليج هي سيارات كانت غارقة بطوفان الأمطار سابقًا، ما يجعل منها سيارات بمواصفات فنية أقل وبقيمة أقل بكثير من قيمتها المتداولة حاليًا، بحسب الخبير.

خزام اعتبر أيضًا أن استيراد السيارات هو استنزاف للدولار، وبدلًا من استيراد وسائل الإنتاج والعمل بالصناعة توجه رأس المال لاستيراد السيارات المستعملة للحصول على الأرباح السريعة، مضيفًا أنه من الناحية النظرية، يدفع التاجر والزبون الأخير ثمن السيارة، و لكن عمليًا كل الشعب السوري يدفع ثمنها عندما يزداد الطلب على الدولار ويرتفع سعره ومعه يحصل ارتفاع جماعي بكل البضائع بالأسواق.

خسارات واستنزاف

من جهته، اعتبر الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، أن مبررات القرار تتمثل بأمرين، أولهما نوع من الحصول على حاضنة شعبية بسبب خفض أسعار السيارات بنسب قد تصل إلى 80% نتيجة توفرها بكميات كبيرة خاصة بعد انقطاع طويل عن الاستيراد لفترات طويلة.

فيما يتمثل المبرر الثاني بوجود آلاف السيارات في الشمال السوري خلال السنوات الماضية، لذا من الطبيعي انتقال السيارات إلى باقي المحافظات وبأسعار “منطقية”، وفق حديث رضوان الدبس ل.

حول الأثر على سوق السيارات، فإن أسعارها ستنخفض بشكل تلقائي، إلا أن القرار سيسبب عدة إشكاليات، أبرزها وجود قسم من السوريين ممكن يمتلكون سيارات بالأساس سيعانون انخفاض قيمة هذه السيارات وخسارة نحو 70% من رأس مالهم خلال أيام.

كما أكد الدبس خروج كمية “هائلة” من القطع الأجنبي خارج سوريا عبر استيراد السيارات التي تعتبر قطاعًا مستهلكًا وقابلًا للخسارة نتيجة التراجع بالأسعار على مدى السنوات، بدلًا من صرف القطع الأجنبي على قطاع منتج يحتاجه البلد حاليًا.

ستزيد حركة استيراد السيارات من الضغط على الازدحام في الشوارع، كما سترفع الطلب على مواد المحروقات وقطع الغيار التي قد لا تتوفر في الأسواق.

فتح حركة الاستيراد دون ضوابط عدا عمر السيارة سيغرق أسواق السيارات بأنواع كثيرة من السيارات القديمة التي توجد كثيرًا أساسًا في سوريا دون رقابة على الأداء والأنواع، وفق رضوان الدبس.

بالمقابل، ستحصل خزينة الدولة على أموال إضافية ودخل من القطع الأجنبي بتسارع عبر الرسوم والجمارك جراء استيراد السيارات.

وصول أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ اللاذقية- 26 من كانون الثاني 2025 (سانا)وصول أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ اللاذقية- 26 من كانون الثاني 2025 (سانا)

وصول أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ اللاذقية- 26 كانون الثاني 2025 (سانا)

400 مليون دولار

قد يشكل انخفاض أسعار السيارات رغبة لدى المواطنين في امتلاك سيارة، إلا أن الوقت ليس مناسبًا الآن لاستيراد السيارات لأنه ليس أولوية اليوم في سوريا، بحسب ما يرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.

وأضاف الباحث، في تسجيل مصور عبر قناته في “يوتيوب“، أن الأولوية لاستيراد خطوط الإنتاج، مشيرًا إلى أنه منذ سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024 دخلت حوالي 80 ألف سيارة جديدة، وعلى افتراض أن متوسط سعر مبيع السيارة الواحدة خمسة آلاف دولار، سيكون مجموع قيمة السيارات المستوردة 400 مليون دولار أمريكي، وهذا الرقم قابل للزيادة بشكل يومي لأن الاستيراد مستمر.

السيد عمر يرى أن القرار ليس خاطئًا إلا أن توقيته غير مناسب، إذ من الأجدى اليوم تحفيز الإنتاج وتوجيه كل رؤوس الأموال نحو العمل والاسثتمار، ومن الممكن لاحقًا بعد تحسن الاقتصاد العودة إلى الاستيراد، الأمر الذي يمكن أن يحقق مصالح الجميع دون استثناء في ذلك الوقت، بحسب رأيه.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *