ترزح تايلندا وإندونيسيا تحت وطأة الاضطرابات السياسية والظروف المناخية القاسية، ما يفاقم من التحديات الاقتصادية التي تعصف بالدولتين الواقعتين في جنوب شرق آسيا وتتركهما أمام خيارات صعبة ومحدودة.

ويستعد البنك المركزي في كل من البلدين لاتخاذ قراراتهما الأخيرة بشأن أسعار الفائدة في عام 2025، إذ من المرجح أن يلجأ بنك تايلندا إلى ما تبقى لديه من هامش ضيق للسياسة النقدية عبر خفض أسعار الفائدة، سعياً إلى حماية الاقتصاد من الاضطرابات السياسية الجديدة.

وفي المقابل، تبدو الصورة أكثر تعقيداً بالنسبة لبنك إندونيسيا، إذ يوازن صانعو السياسات بين ضعف العملة المحلية وتداعيات أعنف إعصار تشهده البلاد منذ نصف قرن.

ونستعرض فيما يلي أبرز  القرارات التي من المتوقع أن يتخذها البلدان للحد من تداعيات هذه الأزمات.

ما خيارات تايلندا؟

من المتوقع أن تخفّض لجنة السياسة النقدية سعر إعادة الشراء ليوم واحد بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 1.25%، وفقاً لـ23 من أصل 24 خبيراً اقتصادياً في استطلاع أجْرته “بلومبرغ”، فيما يرى أحد المحللين احتمال تثبيت الفائدة مجدداً بعد توقف غير متوقع في أكتوبر.

وتعرّضت تايلندا لسلسلة من الصدمات، نتيجة للرسوم الجمركية المتبادلة مع الولايات المتحدة، والفيضانات الشديدة التي ضربت جنوب البلاد، إضافة إلى الاشتباك الحدودي الدامي مع كمبوديا.

وكان رئيس الوزراء التايلندي، أنوتين تشارنفيراكول، أعلن الأسبوع الماضي، قرار حل البرلمان، ما مهّد الطريق لإجراء انتخابات في 8 فبراير المقبل، إذ تؤدي هذه الخطوة إلى تأجيل أي حوافز مالية إلى حين تشكيل حكومة جديدة، في فترة قد تستغرق نحو خمسة أشهر.

وقالت إيريكا تاي، الخبيرة الاقتصادية في “مايبانك” للأوراق المالية: “في ظل حالة عدم اليقين السياسي، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يكون البنك المركزي بمثابة مرساة للاستقرار”.

ومن المنتظر أن يحدّث بنك تايلندا المركزي توقعاته الاقتصادية، بعدما كانت تقديراته السابقة تشير إلى تباطؤ النمو إلى 2.2% هذا العام و1.6% في العام المقبل، متأخراً عن نظرائه الإقليميين.

وقال بورين أدولواتانا، العضو المنتدب وكبير الاقتصاديين في مركز “كاسيكورن” للأبحاث: “الخطر الرئيسي حالياً يتمثل في ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى في موعدها في حال استمرار النزاعات الحدودية”.

وقد يسهم خفض الفائدة في الحد من قوة “البات”، التي ألقت بظلالها على الصادرات والسياحة، إذ ارتفعت العملة، يوم الاثنين، إلى أعلى مستوياتها في أكثر من أربع سنوات، محققة مكاسب تجاوزت 8% منذ بداية العام، لتصبح ثاني أفضل العملات الآسيوية أداءً، وفقاً لبيانات “بلومبرغ”.

وقال محافظ البنك المركزي المعيّن حديثاً، فيتاي راتاناكورن، الشهر الماضي، إن البات يجب أن يكون أضعف ليعكس الأساسيات الاقتصادية، مؤكداً أن البنك سيتدخل لاحتواء التقلبات المفرطة.

كما أصدر، الثلاثاء، توجيهات بتشديد الرقابة على معاملات النقد الأجنبي التي تشمل بيع الدولار، ولا سيما المرتبطة بالذهب، للحد من التدفقات بعد المكاسب السريعة التي حققها البات هذا الشهر.

كما أن تراجع أسعار المستهلكين منذ أبريل يمنح صانعي السياسات مساحة أكبر للتيسير النقدي. وكان البنك قد خفّض الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس منذ أكتوبر من العام الماضي، فيما يستقر السعر القياسي حالياً عند مستواه لما قبل جائحة فيروس كورونا البالغ 1.5%.

غير أن فيتاي أقرّ بأن الاقتصاد يواجه قيوداً هيكلية، من بينها شيخوخة السكان وارتفاع مديونية الأسر، وهي تحديات قد تتجاوز قدرة السياسة النقدية على معالجتها.

إندونيسيا.. تحديات متتالية

من المرجح أن يُبقي بنك إندونيسيا سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 4.75%، وفقاً لـ22 من أصل 34 خبيراً اقتصادياً في استطلاع “بلومبرغ”، بينما يتوقع الباقون خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس.

وكان محافظ البنك المركزي، بيري وارجيو، قال خلال اجتماع السياسة النقدية الشهر الماضي إن تركيزه على المدى القصير ينصب على استقرار الروبية وجذب رؤوس الأموال. كما أشار في أواخر نوفمبر إلى أن البنك سيواصل تحقيق التوازن العام المقبل بين دعم النمو واستقرار العملة.

وتواجه أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا خروجاً متزايداً للاستثمارات الأجنبية، وسط مخاوف من تباطؤ النمو والبرامج الحكومية المكلفة، مثل وجبات الغداء المجانية ومشروعات الإسكان لذوي الدخل المنخفض.

يواجه سوق السندات في إندونيسيا هذا العام خطر تسجيل صافي تخارجات (Net Outflows) للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، مع تراجع صناديق الاستثمار الأجنبية عن شراء 4.6 مليار دولار الشهر الماضي. وبلغت مبيعات المستثمرين الأجانب من الديون الإندونيسية أعلى مستوى لها في شهر واحد الأسبوع الماضي.

وتفاقمت خسائر الروبية هذا العام لتصل إلى 3.5%، لتصبح ثاني أسوأ العملات الآسيوية أداءً.

وقال جوسوا بارديدي، الخبير الاقتصادي في بنك “برماتا” بجاكرتا، إن عزوف المستثمرين عن المخاطرة عالمياً، واتساع العجز المالي في جاكرتا، والغموض المحيط بالقيود المفروضة على عائدات النقد الأجنبي للمصدّرين، كلها عوامل دفعت إلى خروج الاستثمارات من سوق السندات وعقّدت خيارات السياسة النقدية للبنك المركزي.

كما لا تزال البلاد تتعافى من إعصار ضرب جزيرة سومطرة أواخر الشهر الماضي، وأودى بحياة أكثر من ألف شخص وتشريد أكثر من مليون آخرين، وجرف مجتمعات بأكملها.

وقد تؤدي الأضرار الناجمة عن الإعصار إلى تعطيل الإنتاج الزراعي وإضعاف النمو الاقتصادي على المدى القصير، مما يدفع بنك إندونيسيا إلى الإبقاء على سياسته النقدية التسهيلية.

شاركها.