د. أكرم خولاني

تعد صعوبات التعلم واحدة من أبرز التحديات التربوية والنفسية التي تواجه شريحة واسعة من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم، إذ إنها تشكل عقبة أمام المصاب بها لأنها لا تقتصر فقط على صعوبة عملية التعلم لديه بما تتضمنه من القدرة على القراءة والكتابة، بل أيضًا بصعوبة تعاطي المصاب بها مع المعلومات وطريقة تواصله مع الآخرين، أو حتى قدرته على تعلم مهارات التخطيط وتنظيم الوقت، لذا فهي تحظى باهتمام متزايد من قبل المختصين في مجالات التعليم والصحة النفسية.

ما المقصود بصعوبات التعلم؟

صعوبات التعلم هي اضطرابات عصبية تؤثر على كيفية معالجة الدماغ للمعلومات، فتسبب صعوبة في اكتساب أو استخدام مهارات معيّنة مثل القراءة والكتابة والحساب، على الرغم من تمتع الشخص بذكاء طبيعي أو فوق المتوسط، مما يعوق قدرة الطفل على السير بالعملية التعليمية الطبيعية، علمًا أن حدة ووقت ظهور علامات صعوبات التعلم تختلف من إنسان لآخر، كما تنعكس على تقدير الإنسان لذاته وقدرته على التواصل والتكيف مع محيطه الاجتماعي.

وتختلف نسب الإصابة بها من بلد لآخر، فبينما تتراوح النسبة بين 5 و12% من السكان في آسيا، تكون حوالي 10-15% في أوروبا، وربما يرجع ذلك إلى اختلاف معايير التشخيص والوعي المجتمعي بين الدول.

ما الأسباب؟

لا يزال السبب الأساسي وراء صعوبات التعلم غير معروف بشكل قاطع، وهناك بعض النظريات حول سبب حدوث هذه الحالات، وتشمل:

أسبابًا تربوية: استخدام أساليب تعليم غير ملائمة لقدرات الطالب وعدم مراعاة الفروق الفردية داخل الصف وضعف التفاعل بين المعلم والطالب، وكذلك نقص الوسائل التعليمية المناسبة وتدني كفاءة المعلمين في اكتشاف الصعوبات والتعامل معها.

أسبابًا وراثية: تميل صعوبات التعلم إلى إصابة العديد من الأفراد داخل العائلة نفسها، ويعتقد أن الوراثة يمكن أن تلعب دورًا، ولكن لا يزال الباحثون يناقشون ما إذا كانت هذه الحالات وراثية، أو ناتجة عن تعلم سلوكيات مكتسبة داخل الأسرة.

عوامل صحية: يُعتقد أن إعاقات التعلم يمكن أن تُعزى إلى مشكلات بنمو الدماغ، قبل الولادة أو بعدها، ولهذا السبب قد تكون لمشكلات مثل انخفاض الوزن عند الولادة أو نقص الأكسجين أو الولادة المبكرة علاقة باضطرابات التعلم، وقد يكون أيضًا الأطفال الصغار الذين قد تعرضوا لإصابات في الرأس أو التهاب السحايا عرضة لخطر تطوير صعوبات التعلم.

تأثيرات بيئية: قد يسهم تعرض الرضع والأطفال الصغار للسموم البيئية، مثل الرصاص الذي يمكن العثور عليه في بعض البيوت القديمة في شكل طلاء الرصاص أو أنابيب المياه الرصاصية، في حدوث صعوبات التعلم، كما أن سوء التغذية في بداية الحياة قد تؤدي إلى إعاقات في التعلم في وقت لاحق من الحياة.

ما أنواع صعوبات التعلم؟

تتمثل صعوبات التعلم في انخفاض التحصيل الواضح بواحدة أو أكثر من المهارات الأكاديمية الأساسية التالية، وهي:

اضطراب المعالجة السمعية: يُعرف أيضًا باسم اضطراب المعالجة السمعية المركزية، وهي حالة تؤثر سلبًا على كيفية معالجة الصوت أو انتقاله من الدماغ دون وجود عوائق أو مشكلات في الأذن، ولا يتعرف الأفراد الذين يعانون من هذه الحالة على الفروقات الدقيقة بين الأصوات في الكلمات، حتى عندما تكون الأصوات عالية وواضحة بما يكفي لسماعها، كما يمكن أن يجدوا صعوبة في معرفة مصدر الأصوات، أو فهم ترتيب الأصوات، أو حجب الأصوات في الخلفية.

صعوبات القراءة (ديسلكسيا): وهي صعوبات التعلم في القراءة، وتظهر بعدة أشكال منها صعوبات تمييز الأصوات، وصعوبات تمييز شكل الحروف، وصعوبات الفهم القرائي، وصعوبات تمييز مركبة، ويظهر الأطفال الذين لديهم صعوبات قراءة محددة الخصائص التالية:

  • يكرر الكلمات ولا يعرف إلى أين وصل.
  • يخلط بين الكلمات والحروف المتشابهة.
  • يستخدم أصابعه لتتبع المادة التي يقرأها.
  • لا يقرأ عن طيب خاطر وعندما يقرأ لا يقرأ بطلاقة.
  • يصعب عليه ربط الأصوات بالأحرف الملائمة.
  • يعكس الأحرف والكلمات.

صعوبات الكتابة (ديسغرافيا): ولها أيضًا عدة أشكال، منها صعوبات الكتابة الإملائية، وصعوبات إنتاج الخط، وعادة ما يُظهر الطفل ذو صعوبات الكتابة الخصائص التالية:

  • لا يستطيع تتبع الكلمات في السطر الواحد، ويصعب عليه نسخ ما يكتب على السبورة.
  • يستخدم تعبيرًا كتابيًا لا يتلاءم وعمره الزمني، وعادة يكون بطيئًا في إتمام الأعمال الكتابية.
  • يضغط كثيرًا على القلم أو يضغط القلم على الورقة، ولا يحافظ على حجم واحد للكلمات، ويتذمر من الكتابة.
  • أحيانًا يكتب بصورة عكسية، أو يعكس كتابة الكلمات والحروف والأرقام.

صعوبات الحساب (ديسكلكوليا): وهي صعوبات شديدة يواجهها الطفل في إجراء المهام الحسابية، والتعامل مع الأرقام والأعداد والعمليات المختلفة، وقد يُظهر الطفل الخصائص التالية:

  • يواجه صعوبة في حل المشكلات الرياضية المتضمنة في القصص.
  • يصعب عليه المطابقة بين الأرقام والرموز أو العدد ومفهوم العدد.
  • يصعب عليه إدراك المفاهيم الحسابية.
  • لا يتذكر القواعد الحسابية.
  • يخلط بين الأعمدة والفراغات.

اضطراب معالجة اللغة: وهو نوع محدد من اضطرابات المعالجة السمعية حيث توجد صعوبة في إرفاق معنى للمجموعات الصوتية التي تُشكّل كلمات وجملًا وقصصًا، وفي حين أن اضطراب المعالجة السمعية يؤثر على تفسير جميع الأصوات القادمة إلى الدماغ، فإن اضطراب معالجة اللغة يتعلق فقط بمعالجة اللغة، ويمكن أن يؤثر على اللغة التعبيرية و/أو اللغة الاستقبالية.

اضطراب التعلم غير اللفظي: وهو اضطراب يتميز عادة بالتناقض الكبير بين المهارات اللفظية الضعيفة والحركية الضعيفة والمهارات البصرية والمكانية والاجتماعية، وعادة ما يواجه الشخص المصاب مشكلة في تفسير الإشارات غير الشفهية مثل تعبيرات الوجه أو لغة الجسد، وقد يكون تنسيقه ضعيفًا.

اضطراب بصري إدراكي/ بصري حركي: وهو اضطراب يؤثر على فهم المعلومات التي يراها الشخص، أو القدرة على الرسم أو النسخ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى:

  • اختلافات طفيفة في الأشكال أو الحروف المطبوعة.
  • فقدان المكان بشكل متكرر.
  • إمساك قلم الرصاص بإحكام شديد.
  • ضعف التنسيق بين العين واليد.

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل طفل يُظهر بعضًا من الخصائص السابقة يجزم بوجود صعوبات تعلم محددة، فقد تكون من المشكلات أو الصعوبات العادية التي تؤدي للتأخر الدراسي وتعود لأسباب بيئية أو اجتماعية أو أساليب تعليم خاطئة، أي أسباب خارجية وليست داخلية كما هي بالنسبة لصعوبات التعلم المحددة، والذي يحدد الحالة هو الأخذ بعين الاعتبار جميع محددات التشخيص، ولا بد عند الشك بوجود هذه الأمور من اللجوء إلى مختص التربية الخاصة أو اختصاصي صعوبات التعلم، لإجراء التشخيص والتقييم المناسب ضمن فريق مختص.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.