أثارت حادثة الاعتداء على مراسل قناة “حلب اليوم” جدلًا واسعًا في الأوساط المحلية والإعلامية في سوريا.
وتعرض الصحفي وسام العوض للضرب من قبل عنصرين من قوات الأمن خلال تغطيته فعالية لجمع التبرعات في مدينة منبج شمال شرقي حلب.
الواقعة أعادت إلى الواجهة قضية الاعتداءات على الإعلاميين، وطرحت تساؤلات عن الإجراءات المتبعة لضمان بيئة عمل آمنة للصحفيين، في ظل تفاوت سلوك الجهات الأمنية تجاه الصحافة الميدانية.
ما القصة
تعرض مراسل قناة “حلب اليوم”، وسام العوض، في 10 من تشرين الأول، للاعتداء من قبل عنصر يتبع لقوات الأمن العام المكلفة بتنظيم حملة “فزعة منبج”.
وبحسب تسجيل مصور للمراسل، نشرته القناة عبر صفحتها في “فيسبوك“، فقد وصل إلى بوابة الحملة بعد تلقيه دعوة رسمية.
وذكر أنه كانت بحوزته بطاقة الصحفي والتصاريح الخاصة ودعوة الحضور، إلا أن أحد العناصر الأمنيين الموجودين على الباب طلب منه الرجوع.
وحين حاول العوض شرح أنه إعلامي وأن وجوده قبل بدء الحملة ضروري لتغطية الفعالية، عاد العنصر وكرر طلبه بالرجوع.
وتطورت الحادثة حتى وصل الأمر إلى الاعتداء عليه بالضرب والركل وسحب هاتفه، قبل تدخل مدير المكتب الإعلامي في منبج، حامد أبو الليث.
وقال العوض إن آثار الكدمات على وجهه ما زالت واضحة، مشددًا على أن الاعتداء حصل رغم امتلاكه كل التصاريح الرسمية اللازمة للتغطية.
من جانبه، اعتبر مدير قناة “حلب اليوم”، محمد سرحيل، عبر حسابه في “فيسبوك”، أن الحادثة تمثل الاعتداء الثالث على مراسلي القناة.
وأشار إلى سلسلة من التقييدات والمشاكل التي تواجه العمل الإعلامي.
تحرك لمديرية الإعلام
وفي بيان رسمي عبر صفحتها في “فيسبوك“، قالت مديرية إعلام حلب إنها تابعت الحادثة فور وقوعها.
ونوهت إلى أنها تواصلت مع مديرية الأمن الداخلي بحلب، التي أوقفت العنصرين المتسببين في الاعتداء وإحالتهما إلى القضاء المسلكي لمتابعة تفاصيل الحادثة واستكمال التحقيقات.
وأكدت المديرية أن قيادة الأمن الداخلي بحلب ترفض أي اعتداء أو إساءة للصحفيين.
وتعهدت بمحاسبة المسيئين وفق الأصول، مشددة على رفض أي إساءة للصحفيين والإعلاميين.
وأضافت أن المديرية تبذل كل جهدها عبر دائرة العلاقات والشؤون الصحفية والقانونية لتسهيل عمل الإعلاميين.
وأكدن سعيها لتوفير بيئة آمنة ومحفزة للعمل الصحفي والإعلامي المبدع والبنّاء، حتى في ظل حالات الازدحام والتدافع التي تشهدها بعض الفعاليات العامة.
وتشير الحوادث المتكررة التي يتعرض لها الصحفيون في سوريا إلى استمرار انتهاكات حرية العمل الإعلامي، حتى في الفعاليات العامة والمعلنة.
هذه الاعتداءات، التي تتراوح بين الإهانة والتقييد الجسدي وصولًا إلى الضرب، لا تؤثر فقط على الأفراد المتضررين، بل تشكل رسالة تهديدية لبقية العاملين في الحقل الصحفي.
وفي ظل غياب آليات فعالة للمساءلة، تصبح هذه الاعتداءات مؤشرًا على ضعف الحماية المؤسسية للإعلاميين.
ويشكل ذلك الأمر تهديدًا لقدرة الإعلام على القيام بدوره الرقابي ونقل المعلومات بحرية وأمان.
“سلوك مرفوض ومدان”
قال محمد سرحيل، مدير قناة “حلب اليوم”، ل، إن القناة تستنكر بشدة حادثة الاعتداء التي تعرض لها أحد كوادرها الصحفية.
واعتبر أن أي شكل من أشكال التضييق أو الاعتداء على الصحفيين في أثناء تأدية مهامهم هو “سلوك مرفوض ومدان”.
وأشار إلى أن سلامة الكوادر الإعلامية تمثل أولوية مطلقة في سياسات القناة التحريرية والميدانية.
القناة باشرت منذ اللحظة الأولى للحادثة بالتواصل مع مديرية إعلام حلب، بوصفها الجهة المعنية بمتابعة الشؤون الإعلامية.
وأبدت المديرية أبدت “اهتمامًا بالغًا” بالحادثة من خلال متابعتها القضية مع إدارة القناة.
وأضاف مدير القناة أن المديرية أصدرت لاحقًا بيانًا أكدت فيه قيام قيادة الأمن الداخلي في حلب بإيقاف العنصرين المتسببين بالحادثة وإحالتهما إلى القضاء المسلكي لمتابعة تفاصيل التحقيق.
وأشاد بتفاعل مديرية الإعلام السريع، وحرصها على تأكيد رفضها لأي إساءة للصحفيين والإعلاميين، وسعيها الدائم لتسهيل عملهم وتوفير بيئة آمنة ومحفزة للعمل الصحفي والإعلامي البنّاء.
وأكد مدير القناة أن “حلب اليوم” تتعامل مع مثل هذه الحوادث ضمن نهج مؤسسي قائم على التوثيق والمساءلة القانونية.
كما لفت إلى الحرص على عدم تسييس أو تضخيم الحوادث بما يخرجها عن إطارها المهني.
وتابع بقوله “نحن نؤمن بأن الحلول تأتي عبر القنوات الرسمية، وبأن العدالة تأخذ مجراها في ظل الدولة الجديدة التي بدأت تتعافى من رواسب النظام البائد”.
وشدد سرحيل على أن القناة تثق تمامًا بمحاسبة الجهات المعنية لأي عناصر تسببوا في وقوع الحادثة.
وعبّر عن تقديره للتعاون المستمر مع مديرية إعلام حلب، التي “ساهمت مرارًا في تذليل العقبات بين مراسلي القناة وعدد من الجهات الحكومية أو الفعاليات المدنية”، بحسب سرحيل.
القناة تعمل بالتوازي على تعزيز وعي كوادرها بضرورة تفهم الإجراءات الأمنية المرافقة للفعاليات العامة، والتعاون مع الجهات المسؤولة بما يضمن سلامتهم، وتلزم كوادرها بالالتزام بالقوانين المعمول بها في سوريا.
كما لفت إلى التنسيق المسبق مع مديريات الإعلام في المحافظات، وعلى رأسها مديرية إعلام حلب، لضمان انسيابية العمل الميداني وتكامل الجهود بين المؤسسات الإعلامية والرسمية.
تقييد للعمل الصحفي
مدير المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين، محمد صطوف، أكد ل أن المركز يتابع كل الحوادث والانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون.
وتتضمن تلك المتابعة الاعتداءات والتضييقات على الحريات الإعلامية.
وقال صطوف إن المركز يوثق هذه الحوادث وفق معايير منهجية محددة، على أن تكون مرتبطة مباشرة بعمل الصحفي وفي سياق مهامه الإعلامية، وليس خارجها.
وأضاف أن هذه الحوادث تعتبر انتهاكات للحريات الإعلامية وتقييدًا للعمل الصحفي، ومن هذا المنطلق يعمل المركز على متابعة وتوثيق كل حادثة وفق منهجية الرابطة.
التقارير الشهرية المتاحة على موقع الرابطة تقدم تفصيلًا شاملًا لهذه الانتهاكات، ولا يكتفي المركز بالتوثيق فقط، بل ينسق أيضًا في جهود المناصرة للصحفيين المتضررين ويضغط لضمان تأطير الحريات الإعلامية بشكل صحيح.
وفي الفترة الأخيرة، أصدر المركز دراسة بحثية حول الصحافة الأخلاقية والقوانين الناظمة لها.
وتهدف الدراسة إلى توجيه البوصلة نحو حماية الحريات الإعلامية وضبط الانتهاكات بشكل أوضح في سوريا.
وأشار صطوف إلى أن هذه الحوادث ليست حديثة، لكنها تمثل خطًا فاصلًا في الحريات الإعلامية بعد إسقاط نظام الأسد.
ولاحظ المركز انخفاضًا ملحوظًا في شدة الانتهاكات مقارنة بالماضي، وفق الإحصائيات والبيانات التي رصدها منذ سقوط النظام.
يوجد فرق كبير في تعامل الجهات الرسمية مع الانتهاكات حاليًا، مقارنة بما كان عليه سابقًا، بحسب صطوف.
ولفت إلى أن رد مديرية الإعلام في حلب على الحادث الأخير يعد إنجازًا مهمًا ويعكس تقدمًا في حماية الصحفيين ووجود رادع حقيقي للحد من الاعتداءات.
وأوضح أن الخطوات التي يتخذها المركز تشمل التوثيق، ومناصرة الصحفيين، والضغط لمنع تكرار هذه الحوادث، ومساعدة الإعلاميين متى توفرت الأدوات اللازمة.
ضرورة المحاسبة
براء عثمان، عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الصحفيين السوريين، قال في حديثه ل إن الاتحاد وثق الحادثة التي تعرض لها مراسل قناة “حلب اليوم”.
وعبّر عن أسفه لما جرى مع وسام العوض، مؤكدًا ضرورة محاسبة العناصر الذين أساؤوا إليه.
وأضاف عثمان أن الاتحاد يقدر مهام العناصر الأمنية والضوابط المفروضة خلال الفعاليات. لكنه شدد على أن احترام الصحفي واجب تحت أي ظرف.
وأشار إلى أن الإعلاميين “من أكثر فئات المجتمع انضباطًا، وهم حريصون على نجاح أي فعالية وتأمينها بقدر حرص العناصر المكلفة بحمايتها، وربما أكثر”.
ويتابع الاتحاد يتابع القضية عن كثب بالتنسيق مع الجهات المعنية، بحسب عثمان، بهدف رد حق العوض وضمان عدم تكرار حوادث مشابهة، بما يضمن بيئة عمل إعلامية آمنة.
وتواصل الاتحاد مع وزارة الداخلية، وطلب تعميمًا على جميع الوحدات التابعة لها يقضي باحترام خصوصية الصحفيين حاملي بطاقات الاتحاد وتسهيل مهامهم الميدانية.
وأكد أنه حتى في حال وقوع أي مخالفة، يجب التواصل مع الاتحاد مباشرة دون التعرض أو الإساءة لأي زميل إعلامي.
انتهاكات سابقة
ويأتي الاعتداء على مراسل “حلب اليوم” في سياق سلسلة من الانتهاكات المتكررة بحق الصحفيين في سوريا، رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد التزام السلطات بحماية الحريات الإعلامية.
مع نهاية أيار الماضي، هاجم عناصر من أحد الفصائل المسلحة في محافظة السويداء، جنوب غربي سوريا، سبعة صحفيين.
وفق ما وثقته منظمة “مراسلون بلا حدود“، وقع الاعتداء في أثناء تغطيتهم توقيع اتفاق سياسي بين الحكومة الجديدة والزعماء الدينيين والمدنيين وقادة الفصائل المحلية.
ودعت المنظمة حينها الحكومة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لحماية الصحافة السورية وضمان سلامة الصحفيين في جميع أنحاء البلاد.
وفي شباط الماضي، أدانت المنظمة هجمات أخرى استهدفت خمسة صحفيين في أثناء تغطيتهم الانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري.
وأشارت إلى أن هذه الحوادث تبرز هشاشة بيئة العمل الإعلامي، واستمرار تعرض الصحفيين للعنف والتهديد رغم تغير الظروف السياسية في البلاد.
ومع نهاية نيسان الماضي، تعرض محمد الإبراهيم، العامل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لاعتداء من عنصر أمني في دمشق، ما دفعه لتقديم شكوى رسمية.
وأعلنت وزارتا الإعلام والداخلية لاحقًا توقيف العنصر ومحاسبته، في خطوة وُصفت بأنها تأكيد على التزام الحكومة بتعزيز سلطة القانون وحماية الصحفيين من أي تجاوزات.
وفي 11 من أيلول الحالي، مُنع الإعلامي عبد المعين عبد المجيد من دخول فعالية حملة “دير العز” التي انطلقت في مدينة دير الزور، بحجة عدم حيازته تصريحًا خاصًا بالدخول.
وقال عبد المجيد، ل، إنه لم يكن على علم مسبق بإجراءات الحصول على تصريح.
ولم يتوقع أن يواجه صعوبة في المشاركة، خاصة أن بعض المنظمين كانوا على دراية بقدومه.
وأشار إلى أن الفوضى التي سادت عند البوابات حالت دون محاولته الدخول أو التوضيح للمنظمين.
وأوضح أن المنع لم يقتصر عليه، إذ تعذر دخول عدد من الصحفيين والإعلاميين الآخرين.
وتعذر دخولهم حينها رغم امتلاك بعضهم بطاقات وتصاريح خاصة، وفق ما رصدته من منشوراتهم وتعليقاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
سوريا.. حرب الحصول على المعلومة
مرتبط
المصدر: عنب بلدي