في خطوة مثيرة للجدل على الساحة الدولية، أعلنت إسرائيل رسميًا اعترافها بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة، لتصبح بذلك أول دولة عضو في الأمم المتحدة تقدم على هذه الخطوة منذ إعلان الإقليم انفصاله عن الصومال قبل أكثر من ثلاثة عقود.
هذا الإعلان لم يأت في فراغ، بل جاء وسط تاريخ طويل من النزاعات الإقليمية ومحاولات دولية متعددة لترسيخ الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، التي لطالما عانت من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة.
وقد أثار هذا الاعتراف موجة واسعة من ردود الفعل الإقليمية والدولية، حيث اعتبره الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وعدد من الدول الإفريقية انتهاكًا لمبدأ احترام وحدة الأراضي وسيادة الدول، وهو المبدأ الذي يشكل حجر الزاوية في العلاقات الدولية والإقليمية.
هذه الخطوة فتحت باب التساؤلات حول تأثيراتها المحتملة على الاستقرار الإقليمي، والعلاقات بين إسرائيل والدول الإفريقية، وكذلك على مسار المفاوضات المستمرة حول النزاعات الحدودية والتحديات الأمنية في القرن الإفريقي.
وينظر إلى هذه الخطوة من منظور دبلوماسي معقد، إذ تعكس إسرائيل حرصها على توسيع شبكة تحالفاتها الإقليمية واستغلال الفرص الجيوسياسية، بينما يراها الكثيرون بمثابة تصعيد يهدد الاستقرار في منطقة حساسة، ويضع الدول الإفريقية أمام تحديات جديدة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية ووحدة الأراضي.
باحث سياسي: تل أبيب تسعى لموطئ قدم في البحر الأحمر عبر الاعتراف بأرض الصومال
قال الباحث السياسي سعيد الزغبي في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن الاعتراف الإسرائيلي الأحادي بجمهورية أرض الصومال يمثل “خطوة تاريخية ومثيرة للجدل”، باعتبار أن إسرائيل أصبحت أول دولة عضو بالأمم المتحدة تقدم على هذا الاعتراف بعد أكثر من ثلاثة عقود من إعلان الإقليم الانفصال، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار سعي تل أبيب إلى توسيع نفوذها داخل القرن الإفريقي بوصفه منطقة ذات وزن استراتيجي بالغ الأهمية بحكم وقوعها على مضيق باب المندب ومسارات التجارة البحرية.
وأكد الزغبي أن الاعتراف يمنح إسرائيل فرصة لبناء تحالفات جديدة خارج الإطار التقليدي لـ”اتفاقيات إبراهام” لافتًا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشار إلى نقل رغبة أرض الصومال في الانضمام لتلك الاتفاقيات إلى الإدارة الأمريكية، في محاولة لتعزيز الدعم السياسي والأمني في مواجهة التوترات الإقليمية مع إيران وحلفائها.
ميناء بربرة وباب المندب.. مكاسب استراتيجية لإسرائيل ومخاوف إقليمية متصاعدة
وأضاف أن إسرائيل، من الناحية الجيوسياسية، قد تكسب موطئ قدم محتملًا في البحر الأحمر عبر ميناء بربرة الاستراتيجي، وهو ما يتيح لها تعزيز قدرتها على مراقبة حركة الشحنات عبر باب المندب، إلى جانب فتح مسارات تعاون اقتصادي في مجالات مثل الطاقة والزراعة داخل منطقة غنية بالموارد لكنها غير مستغلة حتى الآن.
وأشار الزغبي إلى أن هذه الخطوة تحمل أيضًا رسالة سياسية للدول الإفريقية مفادها أن إسرائيل على استعداد لدعم حركات الاستقلال مقابل بناء تحالفات استراتيجية، بما قد يفتح الباب أمام تجارب مشابهة في مناطق أخرى مثل كردستان أو جنوب السودان.
وفي المقابل، شدد الزغبي على أن الاعتراف الأحادي يثير مخاطر قانونية وسياسية كبرى، خاصة بعد رفض الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لأي تغيير في الحدود دون توافق جماعي، مؤكدًا أن عددًا من الدول وعلى رأسها جيبوتي والصومال اعتبرت الخطوة “اعتداءً على السيادة الوطنية” بما قد ينعكس سلبًا على علاقات تل أبيب مع المنظومة الإفريقية.
تحذيرات من تصاعد التوترات مع إيران وتركيا بسبب التحركات الإسرائيلية
وأوضح أن الموقف قد يسهم في تصعيد التوترات الإقليمية، سواء مع إيران التي قد تستغل التطورات لتعزيز نفوذها عبر وكلاء محليين، أو مع تركيا التي تمتلك قاعدة عسكرية في مقديشو وترى في الاعتراف تهديدًا مباشرًا لمجال نفوذها في المنطقة.
وأشار الزغبي إلى أن مصر تتمسك بموقف واضح ورافض لهذا الاعتراف، كما أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في بيان رسمي، واصفًا القرار بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”، موضحًا أن الرفض المصري لا يقتصر على البعد الدبلوماسي فقط، بل يرتبط باعتبارات قومية وإستراتيجية تتعلق بوحدة الدولة الصومالية واستقرار القرن الإفريقي وأمن البحر الأحمر وقناة السويس.
ولفت إلى أن القاهرة ترى في الخطوة تهديدًا للتوازن الجيوسياسي في منطقة باب المندب، خاصة في ظل حساسية الوضع الإقليمي والنزاعات المتعلقة بسد النهضة، إلى جانب مخاوف من تحول الاعتراف إلى سابقة قد تشجع على صعود حركات انفصالية أخرى داخل القارة الإفريقية.
وختم الزغبي تصريحاته بالتأكيد على أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يمثل محاولة لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في القرن الإفريقي، لكنه قد يقود إلى تصعيد أكبر في التوترات بدلاً من تحقيق الاستقرار، مشددًا على أن المخرج الحقيقي يكمن في حوار إقليمي أوسع داخل إطار الاتحاد الإفريقي، لأن الاعترافات الأحادية كما قال” نادراً ما تنجح دون توافق ودعم دولي واسع”.
المصدر: صدى البلد
