“اعتُقِل بتهمة تحقير الرئيس”.. الحارس القضائي على شركة MTN تحت المجهر كاشفاً معلومات لأول مرّة

أثار قرار الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، بتعيين حارس قضائي جديد على شركة MTN للاتصالات، حالة من الجدل الواسع بين ناشطين سوريين، حيث اتهموا المحامي محمد العيسى، المعيّن بهذا القرار، بوجود شبهات “فساد” تلاحقه، ونُشرت بحقه عشرات التقارير التي تتحدث عن تلك الشبهات وعن خطورة القرار. لكن ما حقيقتها؟ وكيف ردّ عليها وفنّد ما جاء فيها؟
قرار تعيين الحارس القضائي على MTN
في عام 2021، قرر نظام الأسد البائد السيطرة الكاملة على قطاع الاتصالات في سوريا، وفرض على شركتي الاتصالات الموجودتين في السوق السورية دفع ضرائب كبيرة، أو أن تُوضعا تحت حراسة قضائية تابعة للدولة. وكان ذلك تمهيداً لنهب الشركتين، اللتين كان للقطاع الخاص حصة جيدة فيهما.
عينت حكومة الأسد حينها “شركة تيلي إنفست ليمتد”، ممثلة برئيس مجلس إدارتها، حارساً قضائياً لهذه المهمة، بأجر شهري قدره 10 ملايين ليرة، على أن يتقيد بأحكام المواد 695 وما بعدها من القانون المدني.
كما أصدر “مجلس الدولة السوري” في حزيران 2020 قراراً بفرض الحراسة القضائية على “شركة سيريتل”، ضماناً لحقوق الخزينة العامة وحقوق المساهمين في الشركة.
والحراسة القضائية هي وضع مالٍ يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ويتهدده خطر عاجل، في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته مؤقتاً ثم رده إلى من يثبت له الحق فيه.
طالبت “الهيئة الناظمة للاتصالات” في عهد الأسد شركتي “سيريتل” و”MTN” بدفع 233.8 مليار ليرة مستحقة لخزينة النظام، وقالت إن المبلغ يُعد دفعة إضافية على بدل الترخيص الابتدائي الممنوح لهما عام 2015، ثم أمهلتهما حتى 5 أيار 2020 للتفاوض على آلية تسديده.
حصلت شركتا الاتصالات الخلوية في عام 2014 على ترخيص للعمل لمدة 20 عاماً ضمن السوق السورية، مع وجود تأكيدات بقرب ترخيص لمشغل اتصالات ثالث، والذي كان من المتوقع أن يعود لشركات إيرانية، وقيل حينها إنه يعود للأسد وزوجته عبر واجهات اقتصادية وهمية.
ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر من العام الفائت، عيّنت حكومة تسيير الأعمال المحامي محمد العيسى حارساً قضائياً لمتابعة الملف إلى حين البت فيه.
ناشطون هاجموا القرار
اللافت بعد إعلان تعيين “العيسى” هو الهجوم الذي تعرّض له من قبل ناشطين سوريين، اعتبروه ذا علاقات مع النظام البائد، مشيرين إلى وجود ملفات بحقه، وسُجن على إثر بعضها في عهد الأسد. إلا أن البعض رأى أن سجنه في عهد النظام هو دليل براءته، متسائلين: كيف لحكومة النظام البائد أن تسجن من يتبع لها؟
وذكر تقرير في وسائل إعلام سورية أن العيسى متهم بعدة قضايا فساد ورشاوى، وقد سُجن على ذمتها في القضية رقم 4098/2023، وخرج مع باقي السجناء يوم التحرير.
كيف ردّ العيسى؟
من التهم التي وُجهت لـ”العيسى” قراراته بعد تولي الحراسة القضائية، حيث ذكرت تقارير أنه أوقف الدفع للشركات المتعاملة مع MTN ووقّع عقوداً مع شركات من طرفه، منها “شركة الأمير”، وأن له حصة من أرباح الشركة، وغيرها.
وفي حديث خاص لوكالة “ستيب الإخبارية“، ردّ المحامي محمد العيسى قائلاً: “تم وقف التعامل، وليس وقف الدفع، مع شركات النظام البائد الذي أنشأ شركات لتقديم خدمات للشركة من خلال فرض أسعار محددة ومنع أي شركة أخرى من العمل، إلا الشركات التي يملكها النظام. ومن هذه الشركات: سبيس تل، البرج، البرج الذهبي، حقول، شركة الجبل للحراسات الأمنية. وقد كلّفت هذه الشركات MTN مبالغ باهظة، كما عملت على نهب مقدراتها بالتنسيق مع مدراء عيّنهم النظام وتم صرفهم لاحقاً.”
ويضيف: “أما الشركات المدنية التي لا ترتبط بشراكات مع العصابة، فهي تمارس عملها بشكل طبيعي، ويتم صرف مستحقاتها وفق عقود وفواتير وقرارات قانونية من الإدارات المختصة. لكن الفرق هو أننا أوقفنا مليارات الليرات من السرقات التي كانت تحدث بالتنسيق مع بعض المدراء والموظفين المحسوبين على العصابة.”
وبخصوص تهمة علاقته بشركة الأمير، يقول العيسى: “المضحك، ودليل الإفلاس، أن مركز أمير الشهبا للتدريب والتأهيل، وهو مركز تابع لشركة أهلية أُسست منذ عام 2009، قدّم تدريباً نوعياً مجانياً من خلال صديقي المدرب فراس ديب، ولم يتقاضَ أي من المركز أو المدرب أي ليرة سورية مقابل هذا التدريب.”
ويتابع: “أنا لا أمتلك أي صفة مادية في الشركة، سوى الإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الإدارة، وهو مجلس عُيّن من قبل الحكومة، ويتكون من مختصين في الاتصالات وخبراء ماليين وإداريين. ولو لم يثقوا في حرصي ومتابعتي، لما اختاروني ولا استمريت في موقعي.”
قضية سجن العيسى.. تحقير رئيس الدولة؟!
وحول قضية سجنه في عهد الأسد، رغم الاتهامات بأنه كان مقرباً من النظام، يردّ قائلاً إنه اعتُقل ثلاث مرات بشكل “تعسفي” منذ انطلاق الثورة السورية.
ويقول: “حاولت عصابة الأمن السياسي تضخيم القضية لمنع أي تضامن معي. ولو كانت لديّ علاقات حقيقية مع أي جهة أمنية، لما تجرأ أحد على توقيفي. لكنني كنت دائماً بنظرهم شخصاً غير مضمون وناقداً.”
ويضيف: “رغم محاولات أهلي وأصدقائي للدفاع عني، إلا أن المحادثات التي وُجدت في مراسلاتي واعتُبرت جرم ‘تحقير رئيس الدولة’، كانت كافية لمنع أي مساعدة، بل استُخدمت لتثبيت التهمة. وتم تعذيبي حتى الموت، كما وثّق أحد زملائي المحامين في ملف القضية.”
كما يؤكد أنه اتُّهم بالتعامل بغير الليرة السورية، وهو جرم كان يُعد مشروعاً لكل سوري حينها. ويقول: “كان لدي مراسلات مع شريكي صبحي الشلح حول تجارة الألبسة، وذُكرت فيها مبالغ بالدولار، وهو ما كان ممنوعاً في ظل النظام، واعتُبر جرم تعامل بعملة أجنبية.”
ويتابع: “حتى سائقي، عبادة العموري، اعتُقل شهراً وتعرّضت للتعذيب أمامه، وحاولوا تلفيق تهمة التعامل مع جهات معادية. وأخبرني القضاة لاحقاً أن الأمن السياسي تدخل في القضية بشكل مباشر وطلبوا رؤية الحكم قبل صدوره.”
ويؤكد العيسى أن علاقته بالدولة كانت مهنية كمحامٍ، وليست علاقة ولاء للنظام، ويقول: “لو كانت العلاقة حقيقية بالنظام، لما تعرّضت للاعتقال 3 مرات، ولا لكل هذا الظلم.”
لماذا اختارته الحكومة الجديدة لهذه المهمة؟
يقول العيسى إن علاقاته الوطيدة مع قادة في الثورة السورية منذ بدايتها، كانت السبب وراء اختياره، ويضيف: “كنت حريصاً على حماية أملاكهم وعدم كشف هوياتهم أو أي معلومات قد تؤذي عائلاتهم، ولم تنقطع علاقتي بهم يوماً.”
ويتابع: “عندما تم التحرير، تم التواصل معي مباشرة، وبدأت بالعمل منذ اللحظة الأولى، وعملت على حماية الشركات من العصابة، وضبط الأموال، وتسليم مبالغ كبيرة بالتنسيق مع البنك المركزي، وتم تكليفي بالحراسة القضائية لشركة MTN بصفتي محامياً مختصاً بالقضايا القانونية المعقدة.”
ويشير إلى أنه: “كُلّفت أيضاً بمتابعة الأمور القانونية والملكيات المرتبطة بأملاك النظام البائد، ورغم ما تعرّضت له من ترغيب وترهيب، لم أتراجع عن عملي.”
خطة الحكومة الجديدة لقطاع الاتصالات
يشرح العيسى أن أبرز المشاريع تتعلق بترتيب الوضع القانوني لشركة MTN، وإعادة ملكيتها للدولة والشركاء الحقيقيين، إضافة إلى إعادة بناء الشبكة المدمّرة بسبب الإهمال والنهب الممنهج.
ويختم بالقول: “شركات الاتصالات تعمل تحت إشراف الهيئة الناظمة للاتصالات، التي تتولى مسؤولية التسعير والمتابعة، ولا توجد قرارات فردية في هذا القطاع، بل كلها محكومة بقوانين محددة.”

اقرأ أيضاً|| اقتصاد الظل.. قصة “شام كاش” وهل تتحول رواتب السوريين إلى وقود لطبقة جديدة من الأثرياء؟
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية