الأسد في موسكو لمحادثات “حاسمة” بشأن مستقبل سوريا
وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، الخميس، في زيارة لم يُعلن عنها مسبقاً، لبحث ملفات استراتيجية تتعلق بمستقبل سوريا السياسي والعسكري.
وأفادت مصادر مطلعة لـ”الشرق” بأن الزيارة، التي تم الإعداد لها منذ أوائل نوفمبر الجاري، تتناول قضيتين أساسيتين، وهما إعادة إحياء المحادثات المتوقفة لتطبيع العلاقات مع تركيا، ومراجعة الدور العسكري الإيراني في سوريا بالتنسيق مع روسيا.
وجاءت زيارة الأسد بينما تقدم مسلحو فصائل المعارضة باتجاه حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، ويسيطرون على أجزاء من المدينة التي تمكنت القوات الحكومية من استعادتها مطلع عام 2017.
ملف تطبيع العلاقات مع تركيا
وتشهد العلاقات السورية التركية توتراً كبيراً بعد توقف المحادثات بين الجانبين، وما رافقه من تصاعد التوترات الميدانية في مناطق الشمال السوري، وخاصة في ريف حلب وريف إدلب.
وترى دمشق أن “التصعيد العسكري التركي”، كان بمثابة “خيار استراتيجي أدى إلى عرقلة مسار التفاهمات”.
وأفادت مصادر “الشرق”، بأن موسكو تسعى إلى إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، خاصة بعد الجمود الذي أصاب هذا المسار مؤخراً.
وتعد هذه الجهود جزءاً من الدور الروسي المتنامي كوسيط إقليمي.
الانسحاب الإيراني التدريجي “الصامت”
الملف الثاني، الذي يحظى بحساسية كبيرة، يتعلق بتقليص الوجود العسكري الإيراني في سوريا. وتتم العملية تدريجياً وبشكل غير معلن، حيث بدأت في مناطق مثل القنيطرة ودرعا، وشهدت مؤخراً انسحاب القوات الإيرانية والمستشارين العسكريين من مناطق رئيسية مثل الميادين والبوكمال في دير الزور، بالإضافة إلى محافظة حمص.
ويبدو أن هذه الخطوة تأتي ضمن تفاهم ثلاثي غير معلن بين دمشق وطهران وموسكو.
وفي الوقت الذي يتراجع فيه الدور العسكري الإيراني، تحتفظ طهران بنفوذ اقتصادي قوي في سوريا من خلال استثمارات استراتيجية في قطاعات الطاقة وإعادة الإعمار والبنية التحتية، مما يضمن استمرار تأثيرها في البلاد.
التهديدات الإسرائيلية تزيد الضغوط
وتأتي هذه الترتيبات، في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية، إذ يسود انطباع قوي في دمشق، مدعوم بمعلومات استخباراتية روسية، بأن إسرائيل تمتلك معلومات دقيقة حول مواقع تخزين الأسلحة الإيرانية ونقاط تمركز القوات الإيرانية في سوريا، وهو ما يثير قلق دمشق وطهران، من احتمال تصعيد الضربات الإسرائيلية لاستهداف خطوط الإمداد إلى “حزب الله” في لبنان، خاصة في مناطق مثل القصير وريف حمص.
وتعمل موسكو على سد الفراغ الذي سيتركه تقليص الحضور الإيراني، حيث أنشأت القوات الروسية نقاطاً عسكرية في بعض المناطق الحساسة لردع أي تصعيد داخلي محتمل، وطمأنة دمشق بسد روسيا لأي فراغ قد يتركه الانسحاب العسكري الإيراني.
الدور الروسي في التوازن
وتلعب روسيا دوراً محورياً في إعادة ترتيب العلاقات بين دمشق وطهران، بعد برود شهدته هذه العلاقة في الفترة الماضية. ووفقاً لمصادر دبلوماسية، فإن موسكو أصبحت ضامناً رئيسياً للطرفين، مما سمح بتهدئة التوترات وإعادة الثقة بين الحليفين.
وتؤكد زيارات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة إلى موسكو على أهمية هذا الدور، حيث تعمل روسيا على تحقيق توازن بين تقليص النفوذ العسكري الإيراني من جهة، وضمان استمرارية المصالح الاقتصادية الإيرانية من جهة أخرى، “دون الإخلال بالتفاهمات الإقليمية والدولية”.
الزيارة وسيناريوهات المستقبل
وتشير مصادر مطلعة لـ”الشرق” إلى أن زيارة الرئيس السوري إلى موسكو قد تستمر لعدة أيام، في مسعى إلى التوصل لقرارات نهائية بشأن الملفات المطروحة.
وتعتبر دمشق هذه المحادثات حاسمة لسوريا، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها الحكومة السورية من تصعيد محتمل في الشمال والجنوب، وضغوط إسرائيلية متزايدة، بالإضافة إلى ضرورة استعادة مسار تطبيع العلاقات مع تركيا، وتراجع القوة العسكرية لحليفها الرئيس في لبنان – حزب الله – والعقوبات الاقتصادية التي تضع السوريين أمام خيارات شديدة التعقيد.