اخر الاخبار

الأكراد يتحضرون لعيد “نوروز” مختلف في سوريا

– هاني كرزي

دون بشار الأسد وبأرض سورية موحدة، يستقبل سوريون عيد “نوروز” هذا العام بشكل مختلف، إذ تحدث كثير من السوريين العرب ومن مختلف المكونات والطوائف، أنهم سيشاركون إخوتهم الأكراد طقوس هذا العيد، احتفالًا باتفاق اندماج “قسد” مع الدولة السورية وإسقاط الأسد، ليصبح “نوروز” مناسبة لتوحيد كل السوريين.

يحتفل الكرد سنويًا في سوريا وكل أنحاء العالم بعيد “نوروز” في 21 من آذار الحالي، الذي يعتبر بداية السنة الكردية، وكلمة “نوروز” باللغة الكردية تعني اليوم الجديد.

يُوقد الأكراد مشعل “نوروز”، ويخرجون للاحتفال في الأماكن الطبيعية، وترافق ذلك طقوس من الرقص الفلكلوري الكردي، وقراءة الشعر والغناء.

طقوس مقيّدة في عهد الأسد

كانت الاحتفالات بعيد “نوروز” تتعرض للتقييد والمضايقات من قبل النظام السوري المخلوع، ولم يكن يسمح لأحد بالاحتفال جهرًا، حيث كان الأكراد يتخذون من الغرف الكبيرة في القرى مكانًا لاحتفالهم.

وبعد ضغوط محلية وشعبية، فضلًا عن الأزمات التي كانت تحصل في هذا اليوم بسبب تمسك الأكراد بعيدهم، أصدر حافظ الأسد مرسومًا عام 1988، جعل من هذا اليوم عطلة رسمية في سوريا، لكنه ربط تلك العطلة بعيد الأم.

كان النظام ينشر دوريات أمنية قبل يوم من الاحتفال، وتجوب هذه الدوريات الشوارع، وتمنع الاحتفال بعيد “نوروز” وتعتقل المخالفين.

عقب اندلاع الثورة السورية، كانت الاحتفالات بعيد “نوروز” تتركز بشكل علني وواسع ضمن مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، إلى جانب قرى وبلدات ريف حلب، بينما كانت الاحتفالات ضيقة جدًا في مناطق سيطرة النظام السوري.

وقال الباحث الكردي أسامة شيخ علي، إن النظام كان يحارب أي تجمع جماهيري، وكان لا يعتبر احتفالات “نوروز” حالة ثقافية بل مظهرًا سياسيًا، ولا سيما أنه يعلم أن هذا العيد قائم على أسطورة تعبّر عن الثورة على الحاكم الظالم، وبالتالي كان الأسد المخلوع يعتبر هذا العيد بمثابة تهديد له.

وأضاف شيخ علي ل، أن الأحزاب السياسية الكردية والفعاليات المدنية، كانت تقيم حوارات وندوات سياسية ضمن احتفالات عيد “نوروز”، لذا كان يحاول النظام قمعها، ففي عام 2009، أطلقت مخابرات الأسد النار على تجمع شباب يحتفلون بعيد “نوروز”، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص.

يارا جلال، صحفية سورية من أصل كردي، كانت تقيم في دمشق، لكنها لم تعش طقوس “نوروز” هناك بشكل مثالي، في ظل القيود التي كان يفرضها النظام السوري السابق.

وقالت يارا، ل، “خلال حكم نظام حافظ الأسد ومن ثم بشار الأسد، كانت هناك قيود صارمة على الاحتفال بعيد نوروز، وكانت السلطات الأمنية تعتبره احتفالًا ذا طابع سياسي أكثر من كونه ثقافيًا، وتفرض حظرًا على التجمعات الكبيرة، وتعتقل بعض المشاركين في الاحتفالات كل عام، بتهم سياسية وأمنية كبيرة تؤدي إلى احتجازهم لسنوات طويلة”.

وأضافت أنه رغم قيود النظام الأمنية، ظل الأكراد يحتفلون بعيد “نوروز” بطرق مختلفة، سواء بشكل سري أو من خلال مظاهر رمزية داخل منازلهم، فكان هناك إصرار على التمسك بهويتهم الثقافية.

“نوروز” مختلف هذا العام

قبيل أيام على الاحتفال بعيد “نوروز”، وقّع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، اتفاقًا ينص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية.

الاتفاق أكد ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة بالعملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، واعتبار المجتمع الكردي مجتمعًا أصيلًا في الدولة السورية، وتضمن الدولة حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية.

كما أن عيد “نوروز” هذا العام يطل على السوريين دون نظام الأسد، الذي فرض قبضته الأمنية على البلاد لأكثر من خمسة عقود، وارتكب جرائم وانتهاكات فظيعة بحق السوريين، وفرض ضغوطات أمنية حتى على احتفالاتهم بالأعياد.

وقال أسامة شيخ علي، إن عيد “نوروز” هذا العام مختلف، في ظل وجود مناخ سياسي إيجابي في المناطق الكردية بعد توقيع اتفاق بين “قسد” والحكومة السورية، وبنفس الوقت هو أول عيد بعد سقوط الأسد.

وأضاف شيخ علي أن الظروف الحالية التي تغيّرت، ستشجّع كثيرًا من السوريين بمختلف مكوناتهم وطوائفهم على حضور احتفالات عيد “نوروز”، ولا سيما أنه كان لديهم فضول دائم لسنوات لمشاهدة طقوس هذا العيد ومشاركة الأكراد الاحتفال به، لكن كثيرًا من السوريين كانوا يخشون المشاركة في عهد النظام، خوفًا من تعرضهم للاعتقال، أو حدوث أي خروقات أمنية.

يارا جلال تتوقع أن يكون هناك إقبال كبير على الاحتفال بعيد “نوروز” في المناطق السورية، خاصة مع تزايد الوعي بالحقوق الثقافية والهويات المتعددة.

وأشارت يارا إلى أنه كما حملت الثورة السورية شعارات المطالبة بالعدالة والحرية، فإن عيد “نوروز” يظل مناسبة تعبّر عن إرادة الشعوب في تقرير مصيرها والتشبث بهويتها، ما يجعل منه عيدًا يحمل أبعادًا تتجاوز الطابع القومي ليصل إلى بعد إنساني شامل، فهو بشكل أو بآخر يلتقي في معناه العميق مع روح الثورة السورية التي قامت ضد الظلم والقمع.

مناسبة لتوحيد السوريين

عمل النظام السوري لسنوات على تعزيز الطائفية وتفكيك النسيج الاجتماعي السوري وضرب السلم الأهلي، لكن السوريين كانوا دائمًا ضد تلك المحاولات، ورددوا في كثير من مظاهراتهم الثورية شعار “الشعب السوري واحد”.

عقب سقوط بشار الأسد، تسببت هجمات لفلول النظام، ترافقت مع حملات عبر وسائل التواصل في اضطرابات هدفها نشر الفتنة والطائفية، وشاركت في ذلك جماعات مسلحة منفلتة، لم تتضح هويتها بعد، ارتكبت انتهاكات، وجرى استثمارها عبر حسابات وهمية على وسائل التواصل.

وأسهم في خطاب الكراهية أفراد من مختلف الاتجاهات دون وعي أو تدقيق، من خلال الفيديوهات المضللة والمنشورات التحريضية لضرب وحدة السوريين، إذ استغلت فلول الأسد حالة الفوضى التي جرى التخطيط لاستمرارها في الساحل السوري لتحقيق أهدافها.

في ضوء هذا الواقع قالت الباحثة الاجتماعية وضحة عثمان، ل، إنه في ظل التحديات التي تواجه السوريين، “من الضروري أن نعبّر عن لحمتنا ووحدتنا، ونعطي صورة حقيقية للعالم، أننا شعب متعايش بشكل جيد مع بعض، وأن نترجم هذا الأمر على أرض الواقع، من خلال تشارك السوريين احتفالاتهم معًا”.

وأشارت عثمان إلى أن أي احتفالية خاصة بأي طائفة أو مكوّن سوري، فإن المشاركة بها من قبل الطوائف الأخرى كفيلة بإيصال رسالة لكل العالم، “أننا شعب واحد قادر على العيش معًا بلا طائفية وعرقية وعنصرية، وأن انتماءنا الأول والأخير لسوريا، ونقدّر الاختلافات فيما بيننا، ونشارك بعضنا في أفراحنا وأحزاننا”.

وشددت عثمان على أن عيد “نوروز” المقبل يمثل فرصة حقيقية للسوريين، ليؤكدوا للمجتمع الدولي أن الاتفاق التاريخي بين “قسد” والدولة السورية، هو اتفاق حقيقي على أرض الواقع، وأن الكرد هم فعلًا جزء أساسي من الشعب السوري.

الصحفية يارا جلال قالت، إن الأعياد بما فيها عيد “نوروز”، تشكل فرصة لتعزيز التفاهم بين مختلف المكونات السورية، فمن الضروري أن يدرك الشعب السوري أن “نوروز” ليس مجرد احتفال كردي، بل هو عيد له جذور تاريخية عميقة ويُحتفل به في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، وبهذا يصبح من السهل تقريبه إلى بقية السوريين.

وأكدت يارا أنه يمكن أن يكون “نوروز” مناسبة لتعزيز الحوار الثقافي، حيث يشارك فيه غير الأكراد، كنوع من التضامن والاحتفاء بالتعددية الثقافية، ما يسهم في بناء مجتمع أكثر انفتاحًا وتماسكًا.

طقوس مميزة

يتميز عيد “نوروز” بطقوس مميزة تختلف عن طقوس احتفال السوريين بمختلف أعيادهم، حيث قالت هيفدا خيري (28 عامًا) من سكان مدينة القامشلي، إن الاحتفالات تكون في الليلة بين 20 و21 من آذار، وتشعل خلالها النيران كرمز للحرية والنصر، ويُستمد هذا الطقس من قصة الشاب الكردي “كاوا الحدّاد” الذي انتصر على الملك الظالم “أزدهاك”، وأشعل نارًا عظيمة كعلامة انتصار.

وأضافت هيفدا ل، أن ارتداء الأزياء التقليدية الكردية يعد من أهم الطقوس خلال احتفالات “نوروز” عند الشعب الكردي، وتقسّم هذه الأزياء بين الرجال والنساء، إذ يرتدي الرجال اللباس الأخضر، في حين ترتدي النساء الأثواب الملونة المستوحاة من الطبيعة وألوان زهورها.

تبدأ الاحتفالات بالخروج إلى الطبيعة وإقامة حفلات الشواء وإشعال النيران قبل شروق شمس العام الجديد بالنسبة للأكراد، وتترافق هذه الاحتفالات مع الأناشيد والأهازيج الكردية القديمة.

وفي الوقت الحاضر، تقام حفلات فنية يشارك فيها فنانون ومطربون أكراد برقصة تقليدية تعرف باسم “جوبي”، حيث يخرج جميع الأكراد للاحتفال بغض النظر عن الطقس في هذا اليوم من السنة.

قالت يارا جلال، إن عيد “نوروز” بالنسبة للأكراد ليس مجرد احتفال ببداية الربيع، بل هو رمز للحرية والصمود والتجدد، يحمل “نيروز” بعدًا قوميًا عميقًا، حيث يجتمع الأكراد لإشعال النيران والغناء والرقص تعبيرًا عن استمرار هويتهم رغم التحديات الكثيرة التي واجهت الشعب الكردي وخاصة في سوريا، إذا عانوا من طمس متعمد من قبل النظام المخلوع لثقافتهم العريقة.

وتأمل يارا أن تكون هناك بوادر في الأيام المقبلة للسماح للأكراد بممارسة طقوسهم الثقافية المرتبطة بقوميتهم بانفتاح وتقبل أكبر على غرار الشركس والأرمن والتركمان الموجودين في سوريا، وختمت بالقول، “أعتقد أنه من الآن فصاعدًا سيكون هناك انفتاح أكبر من باقي المكونات السورية للتعرف إلى ثقافة الأكراد عن قرب أكثر”.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *