أثار تعميم صادر عن مديرية أوقاف ريف دمشق التابعة لوزارة الأوقاف السورية، موجه إلى الأئمة والخطباء في المحافظة، مجموعة من التساؤلات بشأن دور الأوقاف في ضبط الخطاب الديني وتوجيهه.

ويحدّد التعميم الذي حمل الرقم “42”، مجموعة من الضوابط المتعلقة بخطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد.

معاون مدير أوقاف ريف دمشق، الشيخ رامي السقا، قال، ل، إن إصدار التعاميم من وزارة الأوقاف أو مديرياتها أمر دوري، يهدف إما إلى التنبيه من أخطاء وقعت من بعض الخطباء، أو إلى توجيه الخطاب الديني نحو قيم مجتمعية وسياسية تسهم في بناء الدولة وترسيخ الاستقرار.

وحول ما يُتداول من إثارة لقضايا خلافية، سواء على المنابر أو عبر وسائل التواصل، أشار السقا، في حديث ل، في 22 من تشرين الأول، إلى أن هذا أمر واقع، وغالبًا ما يأتي من شباب متحمسين لم يتعمقوا في علوم الشريعة، فـ”يتعاملون مع فرع صغير من الدين كأنه الدين كله”، على حد وصفه.

وأضاف أن الغاية من التعميم ليست فرض رؤية الحكومة أو تقييد الخطباء، بل صون المنبر من الجدل الذي قد يبرر تدخل السلطات في المجال الديني.

الابتعاد عن القضايا الخلافية

ينص تعميم مديرية أوقاف ريف دمشق، الصادر في 21 من تشرين الأول، على ضرورة عدم طرح المسائل التي تثير النزاع في الدروس أو على المنابر، ولا سيما المسائل العقدية الخلافية بين مدارس أهل السنة.

وفي تعقيبه على ذلك، قال معاون مدير أوقاف ريف دمشق، رامي السقا، إن هذه القضايا تاريخية في أصلها، وكانت تدور حول مسائل فلسفية دقيقة كصفات الله وحدود الإيمان، مضيفًا أن “هذه الإشكاليات كانت ردودًا على جدل فلسفي قديم، أما اليوم فهي لا تفيد العامة، بل تزرع الانقسام في المجتمع”.

وأوضح أن الأوقاف لا تمنع الخوض في العلم، لكنها تطلب أن يكون ذلك في الدوائر الأكاديمية المتخصصة، لا على المنابر العامة التي يرتادها عامة الناس.

 

تعميم صادر عن مديرية أوقاف ريف دمشق موجه لأئمة وخطباء المساجد في محافظة ريف دمشق - 21 تشرين الأول 2025 (فيسبوك)

تعميم صادر عن مديرية أوقاف ريف دمشق موجه لأئمة وخطباء المساجد في محافظة ريف دمشق – 21 تشرين الأول 2025 (فيسبوك)

تحديد مدة الخطبة.. توجيه تنظيمي لا تقييدي

جاء في التعميم أيضًا التأكيد على أن خُطبة الجمعة لا يجب أن تتجاوز 20 دقيقة، في خطوة يرى فيها البعض تضييقًا على حرية الخطيب.

لكن الشيخ السقا رد على هذا الجدل بالقول إن الهدف تنظيم الوقت لا تقييد المضمون، موضحًا أن تقليص مدة الخطبة “يساعد الخطيب على التركيز في الرسالة الأساسية دون إطالة تشتت المستمعين”.

وأشار إلى أن هذا التوجه “معمول به في معظم الدول الإسلامية التي تسعى لتحديث أداء المؤسسات الدينية”.

لا تدخل في شؤون الدول

ضمن البنود التي أثارت الانتباه، أكّد التعميم ضرورة عدم التطرق إلى شؤون الدول الأخرى أو ذكرها على المنابر.

وعن خلفية هذا البند، أشار السقا إلى أن هناك بعض الحالات النادرة التي شهدت تجاوزات من بعض الخطباء الذين ذكروا دولًا أو شخصيات خارجية، لكنها لم تتحول إلى أزمة مع هذه الدول.

وأضاف، “الوزارة سارعت للتنبيه لأن هذه الأمور قد تخرج عن إطار الدعوة، وتتحول إلى مواقف سياسية، وهو ما لا يتناسب مع وظيفة المسجد كمكان للعبادة والإصلاح الاجتماعي”.

وحدة المنابر.. تعدد المذاهب

كما نصّ التعميم على عدم تدريس فروع العقيدة في الدروس العامة، وحصر التعليم في المسائل المتفق عليها بين مدارس أهل السنة الثلاثة: الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث.

وأوضح السقا بهذا الشأن أن المقصود بفروع العقيدة هو “المسائل الجدلية النظرية التي لا يحتاجها العامي، مثل تعريف الإيمان وحدوده”، مؤكدًا أن الأصل في تدريس العقيدة هو “تعليم أثر الإيمان في السلوك”.

وقال السقا، “يتعلم المسلم أن الله سميع بصير، فيثمر ذلك مراقبة، ويتعلم أن الله على كل شيء قدير، فيثمر توكلًا، فهذه المعاني هي جوهر العقيدة، أما الجدل اللفظي فهو انشغال عن المقصد الحقيقي للدين”.

وختم السقا حديثه بالتأكيد على أن التعميم يشمل مساجد أهل السنة بمذاهبهم المختلفة، بينما يدرس الشيعة مناهجهم الخاصة في مساجدهم (فقهًا وعقيدة).

وأشار إلى أن الهدف الأسمى من كل هذه التعليمات هو الحفاظ على وحدة الخطاب الديني في سوريا، ومنع تحوله إلى ساحة تنازع مذهبي أو سياسي، فـ”عندما نحافظ على هدوء المنبر، نحميه من أن يكون ساحة صراع، ونضمن أن يبقى المسجد منارة للهداية لا منبرًا للجدال والمهاترات”.

رؤية الأوقاف تتضح

ويظهر من مجمل تصريحات الشيخ رامي السقا ومضمون تعميم مديرية أوقاف ريف دمشق، أن وزارة الأوقاف تسعى لإعادة ضبط الخطاب الديني بما ينسجم مع مرحلة ما بعد الحرب في سوريا، عبر تقليص مساحة الجدل، وتعزيز دور المسجد في ترميم النسيج الاجتماعي.

وهكذا يتقاطع حديث السقا مع روح التعميم في نقطة جوهرية وهي أن الهدف ليس إسكات الخطباء، بل تحصين الخطاب الديني من التسييس والتنازع، ليبقى المسجد فضاء يجمع ولا يفرق.

الأوقاف تدعو للالتزام بالخطاب الديني المعتدل

وكانت وزارة الأوقاف أصدرت تعميمًا على خطباء المساجد، في 25 من أيار الماضي، تدعو فيه إلى الخطاب الديني “الإيجابي المعتدل”.

وقالت الأوقاف في تعميمها، إنه نظرًا لما تمثله منابر المساجد من دور مهم في المجتمع، فإن الوزارة تهيب بخطباء المنابر الحرص على الالتزام بمنهج الوسطية الإسلامية، والفكر المعتدل المتوازن، من غير إفراط أو تفريط.

ودعت إلى الالتزام بالخطاب “الإيجابي المعبأ بالحكمة البعيدة عن التعصب والتحزب، وتحييد المنبر عن الطعن في الكيانات أو الأشخاص”.

كما طالبت الأوقاف بضرورة الالتزام بالضوابط العلمية، ومراعاة فقه التثبت من المعلومات والحقائق من مصادرها الموثوقة، والتركيز على الخطاب الجامع الذي يوحد الكلمة ويؤلف القلوب، ويعزز التعايش والسلم الأهلي.

التعميم طالب خطباء المساجد بضرورة الطرح المناسب للواقع والذي يحاكي احتياجات المجتمع، والتقيد بالزمن المحدد للخطبة (30 دقيقة كحد أقصى)، والابتعاد عن الإطالة والتشتيت، وشددت الأوقاف في ختام تعميمها على الالتزام بالمذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، والمذاهب العقدية الثلاثة (الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث).

الرئاسة والأوقاف.. الخطاب الديني الوسطي

وكان الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ناقش مع وزير الأوقاف، محمد أبو الخير شكري، أهمية تعزيز “الخطاب الديني الوسطي” وترسيخ قيم التسامح والانتماء الوطني في سوريا.

وقالت الرئاسة السورية، مطلع أيار الماضي، إن الشرع أكد “الدور المحوري للمؤسسات الدينية في تعزيز الوحدة المجتمعية، وضرورة مواكبة الخطاب الديني للتحديات المعاصرة”.

وأشارت إلى أن شكري استعرض خطط وزارة الأوقاف، وجهودها في إعداد الأئمة وتطوير مناهج الخطاب الديني.

وفي آذار الماضي، أصدر الرئيس الشرع قرارًا بتشكيل مجلس الإفتاء الأعلى، بناء على الصلاحيات الممنوحة، ورغبة في تنظيم الفتوى ومؤسسات الإفتاء، وبما يحقق المصالح العليا.

وتضمن القرار تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى برئاسة الشيخ أسامة الرفاعي، وعضوية كل من محمد راتب النابلسي، ومحمد أبو الخير شكري، ومحمد نعيم عرقسوسي، وعبد الفتاح البزم، وخير الله طالب، وعبد الرحيم عطون، ومظهر الويس، وأنس عيروط، وأنس الموسى، وإبراهيم شاشو، وإبراهيم الحسون، وعلاء الدين قصير، ومحمد وهبي سليمان، وسهل جنيد.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.