“الإجازة المأجورة”.. آلاف الموظفين ينتظرون مصيرهم

خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم
منذ مطلع العام الحالي، عمدت الحكومة السورية الجديدة إلى إعادة هيكلة وتنظيم مؤسسات الدولة السورية، وخرج مسؤولون حكوميون للحديث عن أن مئات الآلاف من الموظفين لا يعملون أصلًا، إلى جانب آخرين هم “موظفون أشباح” يتقاضون رواتب دون عمل فعلي.
وبموجب هذه الفرضيات، أبعدت الحكومة عددًا غير معروف بعد من العاملين في مؤسسات الدولة، بين قرارات فصل، وكف يد، وإجازات طويلة الأمد مأجورة أو غير مأجورة، إلى جانب الامتناع عن تجديد عقود المتعاقدين المؤقتين، ما خلق حالة من القلق بين الموظفين في القطاع العام بعموم المحافظات السورية.
وفي وقت يحتج فيه العاملون المبعدون عن عملهم في شوارع المدن والمحافظات، يرى مراقبون أن إيقاف أعداد كبيرة من الموظفين عن العمل لا يقتصر على أخطار تحيط بوضع الفرد والعائلة الاقتصادي، إنما قد يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الاجتماعي، وليس بالضرورة انعدام الأمن السياسي، لكن خطر انعكاس ذلك على الوضع الأمني يبقى واردًا إذا قررت جهة ما من خارج الحدود استغلال حاجة آلاف العاطلين عن العمل، أو قرروا هم بأنفسهم الاحتجاج بطريقة غير مشروعة.
تناقش في هذا الملف تفاصيل عمليات الفصل، ومنح الإجازات، وكف اليد، التي طالت الموظفين في مؤسسات الدولة السورية بعد سقوط النظام، وتأثيرها على حياة الموظفين، والمؤسسات نفسها.
وتبقى قانونية هذه القرارات معلّقة في وقت لم تتجاوب فيه الحكومة مع طلبات التعليق، وسط حالة من الضبابية أمام رؤية الموظفين لمستقبلهم المهني بعد سنوات أمضوها بالخدمة في هذه المؤسسات.
إبعاد عن العمل بظروف مختلفة
لم يحصل جميع المفصولين أو ممن مُنحوا إجازات لثلاثة أشهر، ممن قابلتهم، على نسخ من القرارات التي قضت إبعادهم عن عملهم، إذ لم تختلف هذه الحالات عن بعضها في مختلف المحافظات، من درعا وصولًا إلى حلب، ومرورًا بحماة وحمص.
“منال” (اسم مستعار لعاملة في معمل النسيج بمحافظة حماة تبلغ من العمر 59 عامًا) قالت ل، إنها استمرت بالعمل لأسبوع بعد منحها إجازتها، دون علمها أنها مُنحت إجازة، لكنها عرفت لاحقًا من خلال قوائم أسماء علّقها المسؤولون عن المعمل في رواق عند مدخل المعمل.
وأُعيد استئناف عمل معمل الغزل والنسيج في حماة عقب يوم واحد من إسقاط النظام في 9 من كانون الأول 2024، وفق ما نشرته شركة حماة للخيوط القطنية عبر “فيس بوك” حينها.
ومنذ مطلع آذار الحالي، أطلقت الشركة استبيانات للعاملين فيها ممن أُبعدوا عن عملهم بموجب إجازات، دون توضيح أسباب ذلك.
تنحدر رابية الحمصي من مدينة مصياف بريف حماة الغربي، ولا تزال حتى اليوم بحكم موظف فئة ثانية بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مدينتها.
رابية (38 عامًا) حصلت على عملها عام 2018، بموجب مسابقة نظمتها الوزارة حينها، وبقيت تعمل فيها حتى مطلع العام الحالي، عندما عثرت على اسمها على رأس قائمة موظفين مُنحوا إجازة لمدة ثلاثة أشهر، صدرت في 6 من كانون الثاني الماضي.
وتعتقد رابية أن اختيار قوائم الموظفين الذين أُبعدوا عن عملهم يتخلله “فساد كبير”، إذ أبقي على المقربين من إدارة المؤسسة على رأس عملهم، بينما أُبعد العشرات من العاملين “الأكفاء” ممن لا يملكون واسطة في إدارة مؤسستها، وهو ما تعتقده “منال” من جانبها أيضًا.
وفي 16 من شباط الماضي، قالت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبر “فيس بوك”، إنها أجرت اختبارًا لتعيين مراقب تموين من بين الموظفين الذين تم منحهم إجازة مأجورة، بهدف “تعزيز كفاءة الجهاز الإداري، وضمان اختيار العناصر الأكثر كفاءة للقيام بمهام الرقابة على الأسواق”.
وفي 20 من كانون الثاني الماضي، قال وزير التجارة الداخلية، ماهر خليل الحسن، للوكالة السورية للأنباء (سانا)، إنه اجتمع مع العاملين الذين مُنِحوا إجازة مأجورة لمدة ثلاثة أشهر، ورد على استفساراتهم حول الإعلان الداخلي للمسابقة المزمع إجراؤها.
وأضاف، “نأسف للواقع الوظيفي المترهل والفاسد جدًا، فعدد الموظفين كبير مقارنة بحجم العمل المنجز، وآليات التوظيف تفتقد لأدنى المعايير العلمية والاستمرار بها مستحيل، ونعمل على بناء مؤسسات تمثل المواطن السوري الناجح”.
عقود لم تجدد
تنوّعت حالات الإبعاد عن العمل في مختلف المؤسسات، إذ مُنح عاملون إجازات طويلة الأمد، بينما أوقفت عقود المتعاقدين مع بعض المؤسسات، كما حصل مع “ليال”، وهو اسم مستعار أيضًا لامرأة كانت في جهاز الرقابة المالية بمحافظة حلب، قالت إنها تقدمت للعمل دون أي واسطة أو محسوبيات وعملت في هذا الجهاز لمدة ثلاث سنوات، لكن الحكومة رفضت تجديد عقدها بعد سقوط النظام السوري.
وأضافت ل أنها تلقت وعودًا بإعادتها إلى العمل بعد سقوط النظام بأيام، وأبلغها الموظف في بلدية حلب، التي يتبع لها جهاز الرقابة، أن الحكومة ستجدد التقاعد معها بعد أيام، لكن إخطارًا وصلها أن طلب تجديد العقد جاء مع الرفض، دون تقديم أسباب واضحة للرفض.
وتعتقد “ليال” أن فصلها من العمل إلى جانب موظفين آخرين، جاء دون دراسة لملفاتهم، وأُقصوا من عملهم دون أمر قضائي، أو حكم قانوني، أو توجيه تهمة فساد، وهو أمر غير قانوني.
ولفتت إلى أنها استمرت بالعمل خلال كانون الثاني الماضي، ولم تحصل على مرتبها الشهري لقاء عملها، معتبرة أن المسؤولين أبقوا على المقربين منهم على رأس عملهم، وامتنعوا عن تجديد عقود البقية.
وفي 19 من آذار الحالي، أصدر رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، وسيم المنصور، قرارًا بتكليف لجان مركزية لإعداد مشروع تعديل قانون الجهاز وهيكله التنظيمي.
وقال المنصور، وفق ما نشره الجهاز عبر موقعه الرسمي، إن القانون والهيكلية الحاليين “لا يحققان الرؤية المطلوبة للتطوير والتحديث، ما يستدعي اتخاذ خطوات جادة للنهوض بعمل الجهاز وتعزيز كفاءته”.

طالب معلمون في إدلب بإعادتهم للخدمة بعد سنوات من فصلهم – 25 شباط 2025 ()
من خارج ملاك المؤسسة
وفي محافظة درعا جنوبي سوريا، مُنح المهندس فوزي الفلاح إجازة لمدة ثلاثة أشهر، أبعدته عن عمله كمدير للمستودعات ورئيس لجنة الغاز الصناعي في المحافظة، إلى جانب 46 موظفًا، من أصل 123 موظفًا في الدائرة الحكومية.
وقال إن من بين الموظفين أربعة مهندسين، ومحاميين اثنين، وآخرين من خريجي المعاهد النفطية، يعمل أحدثهم في هذه المؤسسة منذ عام 2000.
من المؤسف إبلاغنا بعد خدمة في مؤسسة تتبع للدولة السورية، أنهم لم يعودوا بحاجة لنا، سواء عبر إجازة طويلة الأمد، أو عبر قرار إيقاف عن العمل.
المهندس فوزي الفلاح
موظف مُبعد عن عمله في فرع المحروقات بمحافظة درعا
المهندس قال ل، إن الموظفين المبعدين عن العمل حاولوا الاعتراض، وزاروا وزير النفط في دمشق، لكنهم لم يتمكنوا من مقابلته، لافتًا إلى وجود مقابلة مجدولة بينهم وبين محافظ درعا حول قرار إبعادهم عن عملهم.
واعترض المهندس على تكليف الحكومة شخصًا “لم يتجاوز عمره العشرينيات” من خارج ملاك المحروقات في درعا، وغير مطلع على العمل الفني والإداري، لإدارة هذه المؤسسة، لافتًا إلى أن المؤسسة نفسها تحوي خبرات لديها القدرة على تسيير العمل.
أبعدت حكومة دمشق المؤقتة آلاف العاملين في مؤسسات الدولة والقطاع العام، وشمل القرار قطاعات خدمية عامة منها الصحة والتعليم والكهرباء والغاز والتجارة، مع توجهات لتنفيذ خطط إعادة هيكلة إدارية لموظفي الحكومة والقطاع العام، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.
وزير المالية في حكومة دمشق المؤقتة، محمد أبازيد، قال لـ”سانا”، إن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون موظف حكومي يعملون بشكل فعلي، بينما يوجد 400 ألف موظف هم “موظفون أشباح”، بينما قال وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، إن القطاع العام لا يحتاج إلى أكثر من 550 إلى 600 ألف عامل.
وفق الوزير أبازيد، فوجئت الحكومة بأن أعداد العاملين المسجلين في الجهات العامة أكبر بكثير من الأعداد الفعلية على أرض الواقع، وإضافة إلى الخلل بالقوائم المالية، هناك أسماء وهمية لأشخاص يتقاضون رواتبهم من المنزل دون أن يسجلوا دوامًا فعليًا في مديرياتهم، “نتيجة اتباع النظام البائد سياسة الواسطات والمحسوبيات”.
“موظفون أشباح”
الموظف الشبح هو كل شخص يستفيد من وضعية إدارية طبيعية ويتحصل على أجر ومستحقات من دون أداء أي مهمة مقابل ذلك، نظرًا إلى غيابه المتكرر أو النهائي، ودون تقديم الخدمات المطلوبة.
من الناحية الفنية، الموظف الوهمي أو الشبح، هو شخص مُسجَّل في نظام الرواتب، ولكنه لا يعمل لدى المؤسسة. وقد يكون الموظف الوهمي شخصًا حقيقيًا، سواء بعلمه أو دونه، مُدرجًا في كشوف الرواتب، أو شخصًا وهميًا اخترعه الموظفون غير الشرفاء.
وتبرز قصص الموظفين الأشباح مرارًا في دول تعاني من ضعف الإدارة المالية العامة ومستويات فساد مرتفعة، وتعد مشكلة خطيرة وواسعة الانتشار.
يؤثر الموظفون الحكوميون الوهميون سلبيًا على الموارد البشرية، والتسرب الواضح للتمويل العام والفساد، وتؤثر ظاهرة “الموظفين الأشباح” على مصداقية الدولة، وعلى سيادة القانون على نطاق أوسع، وعلى النمو الاقتصادي، وتقلل من فعالية الإنفاق العام بسبب سوء توجيهه.
وزارة العمل السورية، أعلنت أنها وضعت عددًا من الموظفين في إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، بهدف تقييم وضعهم الوظيفي، ضمن خطة لتحديد الوظائف الفعلية في القطاع العام، دون أن تحدد العدد بدقة.
وقال وزير الاقتصاد، باسل عبد الحنان، إن البلاد تتجه نحو “اقتصاد سوق تنافسي”، مؤكدًا أن الحكومة ستعمل على خصخصة 107 شركات صناعية حكومية، لأن معظمها خاسرة، مع الاحتفاظ بالأصول “الاستراتيجية” في مجالي الطاقة والنقل بأيدي القطاع العام.
بالتزامن مع هذه القرارات، أعلنت وزارة التنمية أنها تدرس حالات الفصل للعاملين من قبل النظام السوري السابق، وبدأت بوزارة التربية كمرحلة أولى من عملها، على أن تجري دراسة حالات الفصل تباعًا لجميع الموظفين في مختلف الوزارات.
وتعتزم الحكومة إنشاء قاعدة بيانات لموظفي القطاع العام، وقال وزير التنمية، إن سجل موظفي الحكومة سيحتاج إلى نحو ستة أشهر لبنائه، مع وجود فريق من 50 شخصًا يتولى المهمة.
معايير متفاوتة للإبعاد.. إعادة تقييم
هذه الخطوات حركت مخاوف الموظفين المبعدين، ودفعت بهم إلى الشارع لبدء احتجاجات وتنظيم وقفات تطالب بإنصافهم، منددين بعمليات الفصل أو الإبعاد “التعسفية”، معتبرين أنها تودي بهم وبعائلاتهم إلى الموت، لأن رواتبهم بالأصل بالكاد تسد أدنى احتياجاتهم لأسبوع فقط.
وفق رصد، وشهادات من مفصولين، كانت آلية فصل موظفين وإبقاء آخرين متفاوتة، بعضها بمعايير واضحة، وأخرى دون أي معايير، وذهب البعض إلى وصفها “انتقائية وانتقامية”.
تنوعت أسباب إبعاد الموظفين، وكان أبرزها وجودهم بمواقع اتخاذ قرار ومشاركتهم في قضايا فساد، بينهم مطلوبون للمحاكم والقضاء، و”ذوو شهداء”، كما كان يسميهم النظام السابق، وُظفوا دون مؤهلات كـ”مكرمة” من الرئيس المخلوع بشار الأسد، ومنهم ما هو فائض عن حاجة المؤسسة والمديرية التي يعملون بها.
القطاع الصحي كان أحد أبرز القطاعات التي شهدت توقيفًا للعاملين في مديرياته بمعايير متفاوتة، فمثلًا شملت معايير إيقاف العاملين في مستشفى “بانياس الوطني” خمسة بنود، نشرت في كانون الثاني الماضي، وهي:
كل من لم يكن ملتزمًا بالدوام في المنشأة الطبية خلال الفترة الماضية (بمن فيهم من كان بإجازة بلا أجر).
كل من لم يكن على ملاك مديرية صحة طرطوس.
كل من تجاوز 30 سنة خدمة من تاريخ المباشرة الأولى.
من تجاوز عمره 55 عامًا، شرط أن يكون قد أتم 25 سنة خبرة (يستثنى من ذلك الأطباء على أن يوقف من تجاوز منهم عمر 65 عامًا).
من لا يحمل شهادة علمية تناسب المنصب الوظيفي (خاصة بالمناصب الوظيفية التي تتطلب شهادات معينة).
وتوجد بعض المعايير التفاضلية على موظفين تبقّوا في القائمة، بعد إيقاف من تنطبق عليهم المعايير السابقة، ولم يتسنّ ل التحقق من صحة الشروط من حكومة دمشق المؤقتة.
في مديرية الصحة بدرعا، احتج عدد من الموظفين على قرار الوزارة، بتخفيض عدد العاملين فيها إلى 900 موظف، مطلع العام الحالي، ولم ينفذ قرار التخفيض حتى لحظة نشر هذا الملف، وفق ما قاله إداري في قسم الموارد البشرية بمديرية صحة درعا (طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام).
وقال الإداري ل، إن الوزارة أبلغتهم شفهيًا بضرورة تخفيض عدد الموظفين إلى 900 موظف فقط من أصل 1731 موظفًا قائمين على عملهم، دون قرار رسمي أو وجود معايير يتم على أساسها فصل وإبعاد الموظفين.
خلال مؤتمر صحفي حضرته، قال القائم بأعمال وزارة الصحة السورية، ماهر الشرع، إن هناك عددًا زائدًا على الحاجة في القطاع الصحي، هم عشرات آلاف المستخدمين، وآلاف الحراس، وآلاف مدخلي البيانات، وهناك مهندسون، وموظفون غير طبيين، وأشخاص ليس لديهم عمل واضح ميدانيًا.
وذكر أن الوزارة أوقفت الكثير، لكنها مستمرة بصرف الرواتب لمدة ثلاثة أشهر، مع تحويلهم لإجازة (براتب)، وهي مدة قابلة للتمديد، حتى تستطيع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إيجاد عمل لمن ليس لديه شهادة، معتبرًا أنه أمر يحدث بدول متعددة.
وأوضح أن كل من يمتهن مهنة الطب (طبيب، فني، ممرض) لن يبقى دون عمل، لأن القطاع بحاجة، لكن هناك توزيعًا غير جيد للموظفين، وتوجد في بعض المستشفيات زيادة بالعدد بأكثر من الحاجة، مضيفًا أن من ليس لديه شهادة طبية لا يستطيع العمل بالمجال الطبي.
مدير التنمية البشرية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، محمد حمرون، قال، إنه ليس هناك أي تسريح للموظفين في الوزارة بعد تقييمهم من قبل إدارة الموارد البشرية.
وفي ظل الترهل الإداري ووجود البطالة المقنعة في بعض الأقسام، تم منح عدد من الموظفين إجازات مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، لإتاحة الفرصة لدراسة وضعهم الوظيفي بشكل دقيق، وفق حمرون.
بعد مرور هذه الفترة، ستتم إعادة تقييم وضع الموظفين، ومراجعة إمكانية إعادة تفعيلهم في أماكن جديدة داخل الوزارة، أو تحديد مدى الحاجة لهم بناء على الاحتياجات الفعلية للأقسام، وهذا القرار يأتي ضمن الجهود المبذولة لتحسين كفاءة العمل داخل الوزارة، وضمان تحقيق أقصى استفادة من الموارد البشرية المتاحة.
تواصلت مع مكتب العلاقات العامة في حكومة دمشق المؤقتة، للحصول على توضيحات حول آلية ومعايير فصل الموظفين أو إحالتهم إلى إجازات مدفوعة، وخطة الدولة للفائض الذي تحدثت عنه، والتوقيت الزمني اللازم لتنفيذها، وآلية التعامل مع الموظفين في العسكريين، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا الملف.
ما قانونية الخطوات
مع ازدياد أعداد العاملين والموظفين المفصولين في قطاعات مختلفة، أنشأت “رابطة عمال التغيير الديمقراطي” تنسيقيات عمالية ديمقراطية سلمية مستقلة (غير مسيسة) تشمل جميع المحافظات، تحت شعار “توحدت الأضرار فتوحدت المطالب، معًا لتوحيد الساحات”.
وهدفت الرابطة لإطلاق احتجاجات واعتصامات بحشد واحد ومكان وزمان واحد، في جميع المحافظات، بحسب بيان لتشكيل التنسيقيات العمالية الموحدة، حصلت على نسخة منه، لكن نشاطها توقف مؤخرًا وفق ما قاله أحد مسؤولي التنسيق فيها، تواصلت معه عبر معرّف “الرابطة” نفسه، تحفظ على ذكر اسمه، لأنه لا يريد حصر الحراك بأسماء العاملين فيه، وفق تعبيره.
مسؤول التنسيق قال ل، إن قرارات الفصل التي عاينتها “الرابطة” تنوعت، منها ما جاء على شكل قرار فصل، وأخرى جاءت بقرار “كف يد”، أو إجازة مأجورة، وإجازة غير مأجورة، وعدم تجديد العقود، أو تجديد عقود لمدة شهر واحد.
وأضاف أن جملة هذه القرارات خلقت فوضى بين الموظفين، ورمت بالآلاف من الموظفين نحو المجهول، بغض النظر عن نوع قرار الإبعاد عن العمل، سواء فصل، أو إجازة، معتبرًا أن غياب المعايير الواضحة التي اتخذت هذه الخطوات بموجبها هو ما تسبب بهذه الفوضى.
ولفت إلى أن “الرابطة” التي نشأت عام 2012، حاولت العمل على تنظيم الحراك الاحتجاجي ضد هذه القرارات، بعد أن كانت حركات احتجاجية صغيرة في مناطق مختلفة، وخلقت لنفسها تنسيقيات في محافظات السويداء ودمشق وحلب وطرطوس واللاذقية وحمص.
وأضاف أن نشاط التنسيقيات توقف مؤقتًا بسبب محاولات أطراف حكومية ورابطات عمالية استمالة نشاطهم، والتوصل إلى حل مع هذه التنسيقيات يفضي لنهاية الحراك، لافتًا إلى أن الحراك السلمي سيواصل نشاطه في الفترة المقبلة.
واعتبر أن نشاط هذه التنسيقيات سيتواصل حتى إلغاء القرارات التي تنص على فصل الموظفين وإبعادهم عن العمل، وتشكيل لجان متخصصة، حقوقية وقانونية وإدارية، لدراسة وضع القطاع العام والعاملين فيه.
من جانبه، قال القانوني والمحامي السوري عارف الشعال، ل، إنه يحق للعمال المسرحين مراجعة المحكمة الإدارية والاعتراض على التسريح، ما عدا حالة الإجازة بأجر التي يعتبر فيها الموظف لا يزال على رأس عمله قانونيًا.
وأضاف أن تنوع قرارات الإبعاد عن العمل موضوع دقيق يجب مقاربة كل حالة منه على حدة، معتبرًا أن المتعاقد يختلف عن العامل المثبت، وعن العامل غير المثبت، كما أن الموظف بصفته مندوبًا من حزب “البعث” له مركز قانوني مختلف.
ووفق الشعال، كل حالة من هذه الحالات هي سياق قانوني مختلف تجب مقاربتها على حدة.


القائم بأعمال وزارة الصحة ماهر الشرع يطلع على الواقع الصحي في مستشفى دمشق – 23 كانون الثاني 2025 (سانا)
عاشت العديد من الدول حروبًا داخلية أو ثورات أو حروبًا أهلية على مدى عصور كثيرة، وهناك تجارب عديدة مشابهة لما يحصل في سوريا بالتاريخ الحديث، منها البوسنة والهرسك، ليبيا، العراق، رواندا، أفغانستان، وغيرها، وفق ما يراه الباحث في شؤون الحوكمة الدكتور باسم حتاحت.
وقال حتاحت ل، إن الدول التي استطاعت أن تسيّر مؤسسات الدولة أو تعيد بناء دولها بإمكانيات متواضعة، وسرعة في الإنجاز، كانت تلك التي استطاعت أن توائم بين كوادر الدولة السابقة، والكوادر الجديدة، من نظام يرسي الاستفادة المهنية ويمنع الفساد والترهل.
ولفت إلى أن التجربة السورية في ظل نظام الأسد كانت قائمة على تسيير جميع مؤسسات الدولة ضمن نظام أمني يعتمد الفساد، وجعل هذا النظام لزامًا على الإدارة السياسية الجديدة أن تتعامل مع ملف الموظفين القدامى بنوع من الحذر والريبة والتخوف من تغول الموظفين القدامى، خشية إعادة تشكيل منظومة الفساد في المؤسسات.
الباحث اعتبر أن حذر الإدارة السورية الجديدة أدى إلى اتخاذ مجموعة من القرارات السريعة في عزل موظفين قدامى، بينما كانت تعمل الحكومة على إعادة البحث في فساد هؤلاء الموظفين، أو تبعيتهم، وخاصة في العديد من المؤسسات السيادية كالجيش والأمن والشرطة، والوزارات السيادية كالخارجية والتعليم والإدارات المركزية كالمحافظات والبلديات.
ولفت إلى أن هذه “الحركة التصحيحية” التي أطلقتها الحكومة الجديدة، أثرت في اطلاع الكوادر الجديدة على طبيعة العمل والتأقلم مع البرامج ومشاريع الدولة، خاصة وأنها (الحكومة) ورثت تركة فيها أعلى مستوى من الترهل والإشكاليات الفنية والبنى التحتية.
الحركة التصحيحية أثرت في اطلاع الكوادر الجديدة على طبيعة العمل والتأقلم مع البرامج ومشاريع الدولة، وخاصة أننا ورثنا تركة فيها أعظم الترهل والإشكاليات الفنية والبنى التحتية.
سنان حتاحت
باحث في شؤون الحوكمة
وتساءل حتاحت عن إمكانية قيام مؤسسات الدولة بتدريب فرق عمل من كوادر جديدة لإدارة الكوادر والموظفين القدامى، وقيام الإدارة السياسية الجديدة بإعداد لجان إعادة تشكيل وتأهيل الكوادر والموظفين القدامى.
وتابع، “نحن أمام معضلة كبيرة تنقسم إلى ثلاث إشكاليات خطيرة على المجتمع”:
- أغلب الموظفين القدامى من الطبقة الفقيرة.
- أغلب الموظفين القدامى ليست لديهم موارد رزق غير رواتبهم.
- ارتفاع قيمة الحياة بين إيجارات المنازل والخدمات والغذاء وحدوث تضخم مالي كبير لديهم.
واعتبر أن على الدولة العمل وبأسرع وقت على حل هذه الإشكاليات وفق رؤية متكاملة.
إجراءات تدفع سوريين نحو الفقر
من بين جميع الموظفين المبعدين عن عملهم، ممن تواصلت معهم، لم يكن لأي منهم عمل ثانٍ، إذ يكافحون جميعًا بحثًا عن وسيلة تعيدهم للعمل في المؤسسة التي اعتادوا العمل فيها.
وقال معظمهم إنه لا خيار أمامهم سوى انتظار قرار يعيدهم إلى عملهم، رغم ضبابية المشهد، وسط غياب الخيارات الأخرى للحصول على مدخول مادي آخر، غير الوظيفة الحكومية.
القرارات الحكومية بإبعاد الموظفين ستدفع بالمزيد من شرائح السوريين إلى الفقر، في وقت تفتقر فيه بعض الوزارات إلى الموظفين، مثل وزارتي التعليم والصحة، مع عدم إنكار أن الفساد كان موجودًا في الإدارة العامة للدولة لعقود من الزمن.
الدكتور جوزيف ضاهر
باحث في الاقتصاد السياسي
ويعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي، الدكتور جوزيف ضاهر، أن القرارات الحكومية بإبعاد الموظفين ستدفع بالمزيد من شرائح السوريين إلى الفقر، في وقت تفتقر فيه بعض الوزارات إلى الموظفين مثل وزارتي التعليم والصحة، مع عدم إنكار أن الفساد كان موجودًا في الإدارة العامة للدولة لعقود من الزمن، وتسارع بشكل خاص بعد عام 2011، مع تزايد الفقر خلال نفس الفترة.
ويعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعتمد 16.7 مليون شخص، أي ثلاثة من كل أربعة أشخاص في سوريا، على المساعدات الإنسانية بحلول عام 2024، وفقًا لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة.
ويواجه السوريون صعوبة في العودة إلى بلداتهم وقراهم المدمرة، كما أن العقوبات الواسعة تؤثر سلبًا على جهود إعادة الإعمار، إذ يُقدر أن سوريا تحتاج إلى أكثر من 250 مليار دولار لإعادة إعمار البلاد، بما يشمل البنية التحتية والخدمات الأساسية والانتعاش الاقتصادي.
الباحث جوزيف ضاهر عَدّ هذه الإجراءات جزءًا من ديناميكية أوسع لإجراءات التقشف، مثل زيادة سعر الخبز المدعوم من 400 ليرة سورية (وزن 1100 غرام) إلى 4000 ليرة سورية (وزن 1500 غرام)، والإعلان عن إنهاء دعم الخبز في الأشهر التالية، كما ترافقت هذه الإجراءات التقشفية مع الرغبة في تحرير وخصخصة الاقتصاد وأصول الدولة، إذ تدعم الحكومة الجديدة “النموذج النيوليبرالي”، وفق الباحث.
ولفت ضاهر إلى أن حكومة دمشق المؤقتة لا ينبغي لها اتخاذ قرارات تؤثر استراتيجيًا على مستقبل البلاد الاقتصادي، كما تفعل حاليًا (مثل إجراءات التقشف، وإنهاء الدعم، وخصخصة أصول الدولة، وتحرير الأسعار)، معتبرًا أن الحكومة بشكلها الحالي تفتقر إلى الشرعية السياسية لاتخاذ مثل هذه القرارات.
ضاهر اعتبر أن تراكم هذه القرارات يؤثر سلبًا على السكان، في وقت ينبغي للحكومة فيه فعل العكس تمامًا، والسعي لتحسين أوضاع السوريين.


يعاني ما لا يقل عن 13 مليون سوري من عدم القدرة على الوصول إلى غذاء كافٍ – 18 آذار 2025 (/ نور حمزة)
تهديد بانعدام الأمن الاجتماعي
تعمل حكومة دمشق المؤقتة على بناء قاعدة بيانات لموظفي القطاع العام من خلال استبيان إلكتروني يُتوقع إنجازه خلال ستة أشهر، مع فريق من 50 موظفًا مكلفًا بالمهمة، وفق ما سبق وأعلنت عنه الحكومة.
وقال وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، قبل أيام، إن الدولة “لن تحتاج سوى ما بين 550 ألفًا إلى 600 ألف موظف”، أي أقل من نصف العدد الحالي.
وبالنظر إلى هذه الأرقام، ستقصي التغييرات المقبلة مئات الآلاف من الموظفين، ممن يعتمدون على رواتبهم الشهرية من المؤسسات الحكومية، رغم قلتها.
يبلغ متوسط الرواتب في سوريا 145 ألف ليرة سورية، وفق موقع “salary explorer” المتخصص برصد سلم الرواتب حول الحالم، أي ما يعادل 14 دولارًا أمريكيًا وفق سعر صرف الليرة أمام الدولار، بحسب موقع “الليرة اليوم“.
الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، يرى أنه على الرغم من انخفاض قيمة الرواتب في سوريا، يعتمد العديد من الموظفين على عملهم في المؤسسات العامة كمصدر رئيس للدخل.
وأضاف أن إيقاف أعداد كبيرة من الموظفين عن العمل سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الاجتماعي، وليس بالضرورة انعدام الأمن السياسي، ومن شأن ذلك أن يعمق الشعور بالظلم لدى بعض الموظفين.
إيقاف أعداد كبيرة من الموظفين عن العمل سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الاجتماعي، وليس بالضرورة انعدام الأمن السياسي، ومن شأن ذلك أن يعمق الشعور بالظلم لدى بعض الموظفين.
جوزيف ضاهر
باحث في الاقتصاد السياسي
واعتبر ضاهر أنه بدلًا من التخلص من موظفي الدولة دون اتباع أي منهجية واضحة، وخاصة في الأزمة الاقتصادية الحالية والانتقال السياسي، يجب على الحكومة مراجعة مصروفات الدولة العامة والعمل من أجل تقييم أعداد الموظفين، وتنظيم الوزارات وشركات الدولة وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، وما إلى ذلك.
ولفت إلى ضرورة اتخاذ تلك الخطوات على عدة مستويات رئيسة، بما في ذلك الدفاع عن الخدمات العامة للدولة وحقوق العمال، وتجميد أي عمليات تسريح أو إيقاف مؤقت للعمال، وأشار إلى ضرورة إيقاف جميع إجراءات التقشف وعمليات إنهاء الدعم، بالإضافة إلى خصخصة الشركات والأصول الحكومية.
واعتبر أن هذه القرارات (إبعاد الموظفين) لا تقتصر على العواقب الاقتصادية فحسب، بل تؤثر أيضًا على سيادة الدولة، لا سيما فيما يتعلق بالمواني والمطارات والبنى التحتية الرئيسة، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية من خلال زيادة تكلفة المعيشة عبر خصخصة الخدمات الاجتماعية اللازمة.
عجز قطاعات واسعة من السكان عن فهم كيفية إدارة حياتهم اليومية، وتغطية احتياجاتهم الأساسية، من إيجارات المنازل والكهرباء ورسوم المدارس، وما إلى ذلك، يحول دون انخراطهم ومشاركتهم في الحياة الديمقراطية، التي لهم مصلحة مباشرة وموضوعية بتحقيق النجاح فيها.
جوزيف ضاهر
باحث في الاقتصاد السياسي
وبشكل أعم، هناك حاجة لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في مستقبل البلاد، وهو أمر بالغ الأهمية لتوسيع مشاركة السكان في المناقشات حول الحقوق الديمقراطية في البلاد بمرحلة الانتقال وفي المستقبل.
واعتبر ضاهر أن عجز قطاعات واسعة من السكان عن فهم كيفية إدارة حياتهم اليومية، وتغطية احتياجاتهم الأساسية، من إيجارات المنازل والكهرباء ورسوم المدارس، وما إلى ذلك، يحول دون انخراطهم ومشاركتهم في الحياة الديمقراطية، التي لهم مصلحة مباشرة وموضوعية بتحقيق النجاح فيها.


صيانة وإعادة تأهيل محولات كهربائية داخل شركة كهرباء حماة – 18 شباط 2025 (سانا)
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي