الإسلام فرقة واحدة لا تعرف التمذهب
“تشهد الخلافات الفكرية والدينية القديمة، مثل الأشعرية والمعتزلة والصوفية، انتعاشًا جديدًا في العصر الحديث، مما يثير تساؤلات حول قيمتها ومفعولها في المجتمع.
بينما يرى البعض أن هذه الخلافات لا تفيد إلا في إثارة الخلافات والانقسامات، يعتقد آخرون أنها مصدر إلهام للنقاشات الفكرية.
وفي هذا التحقيق نستعرض الخلافات القديمة ومدى فائدتها في الوقت الحالي، والفروق بين الفكر الأشعري والسلفي، والعلاقة بين الأشاعرة والصوفية، ويدعو إلى تحليل نقدي لتحديد الحلول الممكنة للانقسامات الناتجة عن هذه الخلافات.”
كما نسعى من خلال التحقيق إلى تحليل الخلافات الفكرية والدينية القديمة (الأشعرية، المعتزلة، الصوفية) وتقييمها مع دراسة الفروق بين الفكر الأشعري والسلفي والعلاقة بين الأشاعرة والصوفية في محاوله لاستكشاف الحلول الممكنة للانقسامات الناتجة.
التقينا بعلماء دين واجتماع ومفكرين، وسألناهم: هل اختلافات هذه الفرق مفيدة أم ضارة، بخاصة أن معظم الفرق الكلامية الإسلامية انبثقت من رحم المعتزلة، وما الفرق بين فكر الأشاعرة وفكر السلفية؟ وما رأيك فيما تذهب إليه الأشاعرة من تقديم النص على العقل، وجعل العقل مدخلا لفهم النص؟ ولماذا؟ وأسئلة أخرى تطاعونها في السطور التالية.
وكانت البداية برأي الباحث الإسلامي المستشار أحمد عبده ماهر المحام بالنقض قال: وصول خلافات الفرق والمذاهب لدرجة العداء، أمر يشير لفساد فهم أعضاء تلك الفرق لأصول العقيدة الإسلامية، وعدم اعتصامهم حول كتاب الله والتفافهم حول أفكار بشرية لأشخاص من دون الله، فصارت كل فرقة تعادي الفرق الأخرى، وكل فريق بما لديهم فرحون وما ذلك إلا بسبب طاعتكم لما يسمى ( الأنا).
ويرى الفقيه الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الأصل في الدين الإسلامي المناظرة بحق، توصلا إلى الحق، قال الله سبحانه وتعالى في سورة سبأ «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ»، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم علمنا أدب الحوار وأدب المناظرة، والسابقون في صدر الإسلام وما بعده كانوا يشغلون أنفسهم بالأمور النافعة الكبيرة، فما أثر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه في خلافته الراشدة أن رجلا يدعى صبيح بن عسل يتكلم في الآلهيات في أمور جدلية غريبة على المجتمع آنذاك، فاستدعاه الفاروق ولما قدم صبيح هذا أعد له سيدنا عمر بن الخطاب عراجين من النخل (وهم ما يكون فيه بلح النخل)، فقال سيدنا عمر لهذا الرجل من أنت؟ قال أنا صبيح بن عسل فقال سيدنا عمر وأنا عبد الله ولم يقل له الحاكم أو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم ضربه على وجهه وقال الرجل وقد استفاق من جدلياته والله يا أمير المؤمنين لقد ذهب في رأسي ما أجد.. فهنا للحاكم أو ولي الأمر أن يؤدب من يريد إثارة فتنة مجتمعية.
يوضح: عندما نسير مع التاريخ بإيجاز شديد المجتمع المسلم كان في صفاء ونقاء، ثم ظهر بعد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الله بن سبأ الصنعائي اليهودي الملقب بابن السوداء، هذا الرجل كان بداية يبذر بذور الفتنة الفكرية والمجتمعية، وتسبب في استشهاد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه والمعارك الدامية معركة الجمل، ومعركة صفين ومعركة النهروان ومعركة كربلاء، هذه المآسي كان وراءها المدرسة السبئية،عبد الله بن سبأ مات لكن فكره موجود ولا تزال إلى هذا التاريخ مدرسة عبد الله بن سبأ موجودة، ففي سنة 1956م أنشأ الموساد الصهيوني في فلسطين المحتلة جامعة تل أبيب فيها قسم الدراسات الإسلامية، الدارس فيه لا بد أن يكون صهيونيا ويختار بعناية ويدرس علوما إسلامية، لكن من وجهة نظر اليهود، دراسة عميقة دقيقة يتخرج المتخرج، ثم يكلف من الموساد بالسمت الإسلامي أو الزي الإسلامي، ويأخذ اسما إسلاميا، ويغرز في بيئة إسلامية غالبا عربية، ويكلف بإنشاء جماعة أو إنشاء فرقة أو تنظيم.. جملة اعتراضية أنا لست في حل من ذكر الأمثلة، لأن هؤلاء القوم لا يراعون ولا يراقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. القضية إن التراث لا نتنكر منه لأنه ذاكرة الأمة، لكن لا نغفل إنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، هذه قاعدة فقهية إسلامية.
يضيف: للأسف بعثوا أشياء من بطون الكتب، فمن الناس من يجنح بدعوى التجديد وهو تبديد، ويلتقط بعض الأمور المربوحة أو الشاذة، وصاحب هذا الاتجاه معروف وله تواجد إعلامي من أجهزه معينة، على المقابل نجد أن المسلمين تفرقوا إلى سنة وشيعة وإباضيه “مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”، وتحت كل مذهب مذاهب وكل طائفة تدعي أنها على الحق والآخر على الباطل يعني نموذج، رغم أنه نموذج سيء المتسلف الذين يدعون السلف والحديث، إلى آخره كذبا وزورا هؤلاء يطلقون على أنفسهم فرقة ناجية..نحن نتعامل مع أمة وليس فرقة ناجية من أخبرهم أنهم الناجيون؟!
يستطرد: هم يريدون أن يجندوا الأغرار، يبشرونهم بالحور العين والجنات، إذا أعتقد أن الإله مجسدا مجسما، كما نشر ذلك محمد بن عبد الوهاب النجدي، وينتقصون النبي وآله وهذه حاجة غريبة لحسابات نظم سياسية، تريد وحدها أن يطلق أسماءها على المطارات والميادين والشوارع والمستشفيات وهذا حاصل لا يحتاج إلى إعمال الذهن أو الدليل، وتأتي الطامة الكبرى إن هذه المذاهب خاضت فيما نهى الله عنه، وهو الذات الإلهية من الغريب والعجيب أن المسلمون يقرأون في سورة المدثر (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)، ويقرأون في سورة االإسراء “وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا”، يعني الله لا يحل بالغير ولا يحل الغير به، والله لا يماثل صفات المخلوقين، ولا المخلوقين لا يماثلون صفات الله، ونباغت بأن المتسلقة يقولون بأن الله له الحواس والأعضاء والجوارح كالمخلوقين، ويزعمون أن هذا سلف ومنهج الرسول ويقسمون التوحيد تقسيما ثلاثيا من المبتدعات، التي ابتدعها ابن تيمية ومن على شاكلته، بطبيعة الحال من مقاصد وأهداف المتسلقة السعي لهدم الأزهر، وإغلاقه يعني راجعوا شريط ياسر برهامي في الدعوة السلفية بالإسكندرية في سنة 2013م، لما عملوا اجتماع مع جماعة الإخوان في الإسكندرية، وسربوا عنه شريط موجود الآن ومعروف، قال إن إغلاق الأزهر مسألة وقت نعم هذا كلام ياسر برهامي السلفي، ونقول على الملأ ثم هرول إلى الأزهر، عندما عرف المقلب الإخواني فيه وكشف نوايا السلفية لإغلاق الأزهر.
ويتهمون الإمام الأشعري بأنه عنده زيغ فساد في العقيدة، يعني 90℅من مسلمين العالم من وجهة نظر السلفية كفار، لأن الإيمان لا يتجزأ قال الله تعالى في سورة التغابن (﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
ويختتم كلامه: ولذلك أنا أقول بالنسبة لهذا الموضوع المطروح، المفروض يكون في قاعات البحث فقط بأيدي العلماء فقط، ولا تكون بأيدي السفهاء والدهماء ولا الدخلاء، فبعثها صراع فكري وفي الأصل وهمي، فمثلا نرى النظرة الواقعية في الأزهر الشريف في الألفاظ الموهبة للتشبيه اليد والعين والأصابع إلى آخره، وكل نص أوهمت تشبيهات أوله أو فوض ولله در من ألف “الجام العوام عن علم الكلام” مؤلف نفيس، فبحث هذه المسائل خطة سبئية خطة موساد إسرائيلية، لإلهاء الناس وإشغالهم عن القضايا، مثل العدالة المجتمعية وتداول السلطة والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، وعلاج القضايا المعاصرة، وجعل الناس عبارة عن آلات تدار أو بهائم تجر، أيا كان الناس أيا كان المجتمع وأنا لا أخص مجتمعا بعينه، وهذا هو الواقع، الناس فتنوا أو سلسلوا أو تم قيدهم بأغلال، جعلتهم يسيرون عفوا مع الاحترام وسوء الظن كالبهائم التي تجر، يعني لا عقل ولا إدراك وراء قائدها، والآن هو واقع من يتبع جماعة مبدأ السمع والطاعة الأمير المرشد شيخ الطريقة أمام المذهب “الناس ماشية وراءهم” دون تفكير دون إعمال عقل فهذا وضع مؤلم، كالآت تدار كما نضع فيشة كهرباء في الحائط لتشغيل تليفزيون أو ثلاجة أو تشغيل كمبيوتر، آلات تدار نريد أن نخرج من هذه الشرنقة لآلات تدار، أنا لا أتهم أناسا بأعينهم حتى لا يحمل كلامي على غير مجراه، لكن نريد إعادة العقل الإنساني إلى فاعليته نريد لو في مناظرة تكون في القضايا المهمة لكن بأيدي العلماء، وليس بدخول الدهماء والجهلاء والخاملين، ومدعي العلم والمتنطعين وخريجي جامعة تل أبيب الصهيونية، ومن تأثروا بالدعوة السبئية والتنابذ بألفاظ التكفير والتشريق والتفسيق، ويبقى الجو السوداوي حتى إشعار أخر.
وعن الأسباب التي تجعل من استعادة القديم مشكلة، يرى الكاتب وأستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن أن ليست هناك مشكلة في اختلاف الناس وتعدد أفكارهم وتصوراتهم ومعتقداتهم، وما ينسحب على خلاف بين صوفية ومعتزلة وأشعرية وسلفية وغيرها في الإسلام موجود، في مختلف الأديان الأخرى. فكل الأديان في الغالب الأعم انقسمت إلى مسارات وإلى مذاهب وإلى فرق وإلى طوائف، وهذا من طبيعة الحياة وتقادم الزمن على هذه الأديان، وتطور المجتمعات وظهور الأفكار ورغبة البعض في الاختلاف والخلاف أحيانا. عند هذا الحد لا توجد مشكلة، والنقاش الذي يستدعى فيه القديم لا يمثل مشكلة في حد ذاته، إنما المشكلة تنشأ من عدة أشياء أولها: رفض التعددية لأن كل طرف بما لديه فرح يتمسك به، ويعتبره الصواب المطلق والطريق المستقيم ويرفض ما لدى الآخر، هذه أول مشكلة.
المشكلة الثانية: هي إضفاء الطابع العقدي أو العقيدي على التصورات والأفكار البشرية، فكل منهم لا ينظر إلى ما لديه باعتباره مجرد فكرة أو رؤية أو تصور إنما هو اعتقاد، والنظر للأمر باعتباره اعتقاد، يفتح باب التكفير بالنسبة للآخر وهذه هي المشكلة.
المشكلة الثالثة: هي الجمود إذ أن هذه المذاهب ومع تقدم الأيام وتغير الظروف والمجتمعات، في حاجة إلى تجديد وتطوير، لكن البعض يستعيد ويستعير القديم كما هو، ويتمسك به كما كان ولا يقبل فيه تغيرا، ومن ثم يؤدي جموده إلى رفضه حتى التطوير من داخل المذهب أو الطريقة أو المسار نفسه وهنا تثار المشكلة الثالثة.
المشكلة الرابعة: إن هذا الموضوع يستدعى أحيانا في الخلاف السياسي، والخلاف السياسي هو نوع من الصراع حول السلطة والنفوذ، وبالضرورة يستعمل الدين فيه أحيانا أو المذاهب من أجل خدمته، وهنا يكون الصراع والخلاف الحاد قائما بالضرورة، على قدر الاختلاف والسراق حول المنافع المكاسب والمصالح.. هذه هي الأسباب الأربعة في نظري التي تجعل من استعادة واستعارة القديم مشكلة في حد ذاته.
القديم مادام نافعا فهو مرغوب ومطلوب بشرط أن يتم استعماله لخدمة مسار يقودنا إلى الأمام ولا يعيدنا إلى الخلف.
ويؤكد الأكاديمي الدكتور ياسر حسن أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة المنيا أن بعث الخلاف الأشعري السلفي من مراقده الآن، وإخراجه من قاعات الدرس العلمي الأكاديمي، إلى الفضاء الإلكتروني لكل من هب ودب، هو نوع من العبث وقصر النظر في ما ألات ذلك، لذا لا يروق إلي الخوض في هذه النوعية من القضايا التخصصية، وطرحها عبر وسائل التواصل الاجتماعي على العامة، لأن هذا يزيد العامة تيها.. لكن أبى البعض إلا أن يشعل جذوة الخلاف الإسلامي لأمور كثيرة، لعل أهمها: شغل الرأي العام المتدين عما هو قائم وقادم..
ويضيف: من أهم أسباب احتداد الصراعات العقدية الداخلية، وإعادتها للظهور في هذه الأيام، التي لم يُعرف لها نظير في خطورة التحديات الخارجية:
١ مشاركة العامة في مناقشة الدقائق العقدية، بسبب مرض التعالم، وهوس الثرثرة في مواقع التواصل الاجتماعي!
والحال أن أكثر هؤلاء لا قدرة لهم على تمييز الحق من الباطل بالدليل العلمي المعتبر، وإنما هو الميل مع كل ريح، واتباع كل ناعق، والتخندق بالهوى، والتعصب بالرأي الفطير، والحكم بالتصنيف المبتسر.
٢ تبني المواقف الحدّية من هذه الخلافات، انطلاقا من أفكار تسطيحية جاهزة، تلقَى على العامة في مجالس الوعظ والدعوة العامة، وقد تقع من بعض المنسوبين للعلم، للتشنيع بطريق الإلزام أو التعميم (الإلزام بما لا يلتزمه القائل، وتعميم أخطاء بعض الأفراد على الطائفة كلها).
ومن أمثلة هذه الأفكار يقول:
. الصوفية يقولون برفع التكاليف الشرعية؛
. الأشعرية يقولون إن الله في كل مكان؛
. ابن تيمية مجسم مشبه؛
. الصوفية يقررون الخنوع للمحتل والظالم، وترك جهاد المعتدي؛
. السلفية صناعة استعمارية مخابراتية؛
. الأشعرية يقدمون العقل على النقل مطلقا؛
. السلفية غلاة متشددون في الأحكام الفقهية؛
إلى آخر هذه الاتهامات التي لا تثبت عند التمحيص.
يوضح متسائلا: لكن هل هذا يعني أن جميع هذه الطوائف العقدية على حق؟
كلا! بل مناهجهم متفاوتة في إصابة الحق، مع كونهم في الغالب متساوين في إرادته.
هل هذا يعني أن نكون محايدين مطلقا في مثل هذه الصراعات؟
أما العامي (وأغلب أهل مواقع التواصل “عوام” في صورة “علماء مجتهدين”): فحقه ألا يدخل في هذه الصراعات أصلا، بل يعتقد الأصول العامة التي جاءت صريحة في الوحي، دون تدقيق لا تطيقه مؤهلاته العلمية والعقلية، وهذه الأصول الكبرى تكاد تكون محل اتفاق بين الطوائف العقدية كلها، وأما العالم وطالب العلم الجاد: فعليه أن يحرر هذه المسائل بميزان العلم والعدل، فالحق في أكثرها واحد لا يتعدد، ولا إشكال في أن يسمي البدعة بدعة، والسنة سنة، ما دام منطلقا من هذا الميزان الصحيح. لكن عليه أن يرقب الله في قوله، فلا يكون متفكها بهذه الألقاب، فرحا بإطلاقها وعرضها على العوام، بل عليه أن يكون مشفقا على المتلبس بها، ناظرا إليه بنظر القدر بعد الحكم عليه بنظر الشرع. ويرى أنه إنما يصدر هذه الأحكام تسننا وحماية لجناب الدين، مع لزوم التفريق بين القول والقائل، فليس كل واقع في البدعة مبتدعا، ولا كل متلبس بالكفر كافرا؛ وحفظ المقامات والأقدار، والتريث في تخطئة من اجتمعت كلمة المسلمين على تعظيمه والاحتفاء بكبير غَنائه في العلم والدعوة فضلا عن تبديعه أو تكفيره! وإعمال الموازنة بين السيئات والحسنات، بالتسامح مع قليل الأولى لأجل كثير الثانية، فإن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث؛ واستحضار خطر العدو المشترك المحارب، المعادي للدين من حيث هو بقطع النظر عن هذه الخلافات، وادخار أعظم الجهد لمدافعته، ورد كيده عن الأمة؛ وتدبير الخلاف مع القريب بما يتيح دفع شر البعيد.. ونحو ذلك من القواعد التي تلطف الخلاف، وتحصره في دائرته الضيقة، وتمنعه من التمدد خارجها حتى ينسف معالم التدين، ويهدم وحدة الأمة، ويشغل المسلمين عن المخاطر الماحقة التي تحيط بهم.
وبنظرة أخرى يرى الباحث السوري باكور كامل عاروب أن خصوصية الخلود هي التي تميِّز الدين الإسلامي الخالد عن باقي النظريات العلميَّة، والواقع إن الدين حي ليس بحاجة إلى إحياء، وما نحن بحاجة إليه هو التفكير بشأن الدين، وغسل الأدمغة من الشبهات والانحرافات المتراكمة، وإزالة ما علق بالدين من تشويهات وتحريفات، اتخذت عبر الزمن صفة دينية، ومنها الخلافات التي تمت بين مختلف المذاهب، وبين مختلف الطرق والمدارس، وتقديمنا للدين بطريقة حضارية معاصرة.
هذا الواجب وهذه الضرورة أيضا، تخضع لواجب آخر هو الخضوع للاختصاص وحصريته، وأن لا يكون متاحا للعامة ممن لم يتم شروط الفقه.
للأسف فأن مؤتمرات ولقاءات التقريب بين المذاهب والمدارس الإسلامية وحتى بين الأديان، خضعت لتوجهات سياسية تتعلق بالدول والاحزاب، وبعض المراكز الدينية الكبرى في عالمنا الاسلامي، وبين ضرورات تجديد الخطاب وتنقية الدين من المدخلات المرفوضة وقعنا في مزيد من التفرقة، وهذا أمر يجب التخلص منه أيضا في إطار استخلاص الدين النقي دائما.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) وأول ما يحيينا الاعتقاد الراسخ أن وحدة القلوب، هي من أساسيات قوة الدين وإنسانيته التي يتميز بها، فإذا كان هذا ينطبق على رؤية الناس عامة فكيف يمكن أن نقبل في فرقة المسلمين خاصة.
إن التجديد حاجة بشروط خاصة للمجددين وهو يجمع الأمة ودخول العامة فيه هو ما يفرق الأمة.
ويختتم الباحث الأزهري محمود عبد العال بقوله: إن التصوف منهج أخلاقي، وليس فرقة كلامية مثل المعتزلة، والسلفية نبتة جديدة ليس لها علاقة بالسلف، والسلفية مرحلة زمنية مباركة هي القرون الثلاثة الأولى، بعد رسول الله ﷺ وليست مذهبا ولا منهجا ولا طائفة ولا حتى جماعة.
يضيف: أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت الباب لكل من هبَّ ودبَّ أن ينتصرَ لمذهبه أو منهجه الاعتقاديّ، فأصبحنا نقرأ لمن يتعصب للمنهج الأشعري، وربما كان هذا المتعصِّبُ لا يعرف اسمَ صاحبِ المنهجِ كاملًا، ولا يعرف شيئا من مؤلفاته، لكنها العصبية القَبَليّة التي جاء الإسلامُ ليقضي عليها، وصرنا نرى من يتسمّون بـ “السَّلفِيِّين”، و”السلفية كما شرحت مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”، (كما قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي) رحمه الله، وهؤلاء جميعا ( أصحاب المذاهب الفقهية والكلامية وغيرها من أئمة السلف وأئمة الخلف)، خدموا الدينَ والعلوم الدينية قدر طاقتهم، وقدموا للأمة ما استطاعوا، فواجب علينا نحن أبناء القرن الخامس عشر الهجري أن نحترم ما قدموا وأن ننهلَ من علومهم قدر وُسْعِنا، ووفق ما أوتينا من مقومات.
أما مكان مناقشة هذه الآراء والاختلافات فقاعات الدرس في الجامعات والمعاهد العليا، على أيادي علماء متخصصين، ولنحفظ للعلم وأهله هيبتهم ولا نخوض مع الخائضين، حتى لا نضل الناسَ بغير علم فنحمل أوزارنا وأوزارهم، وإحياء هذه الاختلافات تفرّق ولا تجمع وتشتت ولا توحّد الصف، ولنمتثل جميعا لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]!