اختتم قادة الاتحاد الأوروبي قمتهم في بكين، الخميس، بعد أيام من التوترات والخلافات الاقتصادية، محققين فوزاً “ثميناً ونادراً” تمثل في التوصل إلى اتفاق مشترك مع الصين بشأن مكافحة التغير المناخي، حسبما أفادت صحيفة “بوليتيكو”. 

وأشارت الصحيفة، في تقرير نُشر الخميس، إلى أن هذا الاتفاق يمثل خطوة إيجابية، لا سيما في ظل فشل باقي المحادثات التي جرت على هامش القمة، بحسب وصفها. 

وفي هذا السياق، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن البيان المناخي المشترك يشكّل “خطوة كبيرة إلى الأمام.. يمكن أن يصبح تعاوننا معياراً عالمياً”. 

غير أن تصريحات ، التي ركّزت بدرجة أكبر على التوترات التي عرقلت النقاشات الأوسع بين الجانبين بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري، سلّطت الضوء على أبرز التهديدات التي تواجه الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية المناخ. 

الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والصين

وجاء جوهر الخلاف، بحسب “بوليتيكو”، في تصدّر الصين مجال تصنيع التكنولوجيا النظيفة، خصوصاً في قطاعات الألواح الشمسية، والبطاريات، والسيارات الكهربائية، فضلاً عن هيمنتها على سلاسل التوريد الخاصة بالمعادن الحيوية التي تُستخدَم في صناعة مغناطيسات توربينات الرياح. 

وأكدت الصحيفة أن هذه التقنيات تشكّل العمود الفقري في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، مشيرة إلى أن بكين توفر، إلى حد بعيد، أرخص وأفضل المنتجات في العديد من القطاعات النظيفة، مما كان له أثر إيجابي في خفض الانبعاثات العالمية بنسبة تقارب 1% خلال العام الماضي. 

لكن، في المقابل، يرى مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن نموذج التصدير الصيني المدعوم حكومياً يُشكّل تهديداً مباشراً للصناعات الأوروبية الأساسية، لا سيما في قطاعات الكيماويات، والتصنيع المُتخصص، وصناعة السيارات. 

ومن جانبه، دعا الرئيس الصيني شي جين بينج، في تصريحات نقلتها وكالة شينخوا الرسمية، الاتحاد الأوروبي إلى إدراك أن “المصالح المتقاربة لا تشكّل تهديداً”، مشدداً على أن “تعزيز القدرة التنافسية لا يجب أن يقوم على بناء الجدران أو الحواجز”. 

وكان التعاون المناخي يُعتبر حتى وقت قريب “مساحة آمنة” للعمل المشترك بين الصين والاتحاد الأوروبي رغم الخلافات في ملفات أخرى، غير أن هذه المساحة أصبحت اليوم مصدراً جديداً للاضطراب، بحسب الصحيفة. 

وأوضحت “بوليتيكو” أن الطرفين، بالرغم من رغبتهما المشتركة في مكافحة التغير المناخي، غير مستعدين لتقديم تنازلات حقيقية خلال هذا التعاون. 

اتفاقية باريس للمناخ

وفي ظل هذا الواقع، اعتبر مسؤولو بروكسل أن مجرد التوصل إلى بيان مشترك حول المناخ يستحق الاحتفال، إذ أشادت تيريزا ريبيرا، نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية التي قادت صياغة نَص البيان خلال زيارتها الأخيرة إلى الصين، بالاتفاق واصفة إياه بأنه “خطوة مهمة في عالم يزداد فيه التوتر الجيوسياسي والمخاطر المناخية”. 

واكتسب التعاون المناخي بين الاتحاد الأوروبي والصين أهمية متزايدة بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015. 

وقالت فون دير لاين: “يجب على الاتحاد الأوروبي والصين الالتزام معاً باتفاقية باريس الآن أكثر من أي وقت مضى”. 

بدورها، وصفت بليندا شابي، المحللة في شؤون السياسات الصينية بمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في فنلندا، رسالة الالتزام التي أظهرها الطرفان بالمحادثات الدولية والجهود المحلية بأنها “إشارة سياسية مهمة في لحظة حرجة”. 

وفي المقابل، أوضح فرانسوا شيميتس، مدير المشاريع الأوروبية في معهد Montaigne الفرنسي للأبحاث، أن الحفاظ على نوع من التعاون وتجنب التصادم المباشر بين الاتحاد الأوروبي والصين يمنح الطرفين نفوذاً سياسياً إضافياً في مواجهة الولايات المتحدة.

وأضاف: “مع هذا البيان المناخي، يأمل الطرفان في تعزيز موقفهما التفاوضي مع واشنطن، خاصة في ظل المفاوضات التجارية المهمة الجارية بينهما”. 

واعتبرت الصحيفة أن البيان لم يحمل جوهراً ملموساً، ناقلة عن لي شيو، مدير مركز الصين للمناخ بمعهد Asia Society Policy في واشنطن، قوله إن “إصدار بيان مناخي هو بحد ذاته الخبر، وليس مضمونه”. 

وقالت “بوليتيكو” إنه بالرغم من تكرار كلمة “التعاون” خمس مرات في وثيقة البيان التي تبلغ 452 كلمة، فإن التوترات الكامنة لم تُخف تماماً، حيث اتفق الطرفان في نَص البيان على تسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة وتسهيل الوصول إلى تقنيات ومنتجات خضراء عالية الجودة بأسعار معقولة ومفيدة لجميع الدول، بما فيها الدول النامية. 

وفسّر الباحث بايفورد تسانج، من برنامج آسيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هذه العبارة بطريقتين: إما أنها تعكس رغبة الطرفين في دعم الدول الفقيرة للتحول إلى الطاقة النظيفة، أو أنها تعبر عن وجهة النظر الصينية التي ترى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يفتح أسواقه بشكل أوسع أمام منتجاتها، ما قد يخفض بشكل كبير تكلفة جهود المناخ. 

وأشار تسانج إلى أن البيان يحمل “الكثير من بصمات بكين”، حيث ذُكرت الصين قبل الاتحاد الأوروبي في معظم فقرات الوثيقة، كما أنها احتوت على عبارات ذات طابع شعري مألوف في خطاب الحزب الشيوعي الصيني، مثل: “الأخضر هو اللون المميز للتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي”. 

واتفق شيميتس مع هذا الرأي، مؤكداً أن “الموافقة الأوروبية على البيان لم تكلفهم الكثير، فهي مجرد كلمات”، وأضاف أن الإنتاج الأوروبي الحالي والمستقبلي في الصناعات الخضراء سيكون موجهاً بشكل طفيف نحو الاقتصادات النامية، لأن منتجات الاتحاد ستكون عالية القيمة.

وتابع: “الصين تنتج أيضاً منتجات خضراء، لكنها تركز في الغالب على المنتجات منخفضة القيمة، حيث تصدّر نحو 85% من سياراتها إلى الدول النامية”. 

سوق السيارات الكهربائية

وقالت الصحيفة إن التوسع العالمي للصين في سوق السيارات الكهربائية يضع شركات السيارات الأوروبية في مواجهة صعبة للحفاظ على مكانتها في الأسواق العالمية، بما في ذلك السوق الأوروبية نفسها. 

ورغم أن التعريفات الجمركية المفروضة على السيارات الكهربائية الصينية قلّصت من صادرات بعض الطرازات إلى الاتحاد الأوروبي، فإن وجود ثغرة قانونية تسمح بدخول السيارات الهجينة دون فرض تعريفات دفع الشركات الصينية للتحول نحو تصنيع هذه الفئة من السيارات. 

واستخدمت بكين مصطلح “الانطواء” لوصف زيادة حجم الصادرات الناتجة عن حرب الأسعار المحلية، وهو مصطلح صيني يشير إلى التنافس الداخلي الحاد وغير المُجدي الذي يدفع الشركات إلى زيادة الإنتاج والتصدير بشكل مفرط، وهو التعبير نفسه الذي استخدمته فون دير لاين في خطابها، مشيرة إلى أن الصين وافقت على زيادة الاستهلاك بدلاً من التركيز على خفض الإنتاج. 

وعلى الرغم من الانتقادات المستمرة في وسائل الإعلام الصينية الرسمية، لم تُتخذ خطوات ملموسة لكبح هذه الممارسات، ولا يتوقع الخبراء تغيراً في هذا النهج في المستقبل القريب. 

وقالت المحللة مينجدا تشيو، من مجموعة Eurasia الاستشارية، إن القطاعات التي تعاني من فائض الإنتاج هي نفسها التي تروّج لها الصين بنشاط، لكنها لا تستطيع كبحها باسم تقليص الإنتاج. 

ويرى قطاع واسع داخل الاتحاد الأوروبي أن السماح للصين بإغراق الأسواق العالمية بمنتجات منخفضة التكلفة، والتي تم تصنيعها بدعم حكومي ضخم، أمر مرفوض تماماً، كما يعتبرون أن تقليص بكين لصادرات المعادن الحيوية يشكّل عائقاً أمام الجهود العالمية لتطوير تقنيات نظيفة. 

وفي هذا السياق، قالت فون دير لاين إن الاجتماع أسفر عن “حلول عملية” لتسريع معالجة العقبات التي تواجهها الشركات في هذا المجال. 

شاركها.