الاتحاد الأوروبي يغلق الباب أمام بريطانيا بشأن السوق الموحدة

قوبلت محاولة بريطانيا لإعادة فتح باب الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة، ضمن ما تسميه لندن بـ”إعادة ضبط” للعلاقات مع التكتل ما بعد بريكست، بالرفض من بروكسل، فيما تكثف فيه جميع الأطراف محادثاتها استعداداً لقمة حاسمة تستضيفها لندن الشهر المقبل، حسبما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وكان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، يسعى للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن الاعتراف المتبادل بمعايير المنتجات، في خطوة تهدف إلى تقليص البيروقراطية أمام الشركات البريطانية المصدّرة إلى دول التكتل، لكن دبلوماسيين أوروبيين كشفوا أن فرنسا رفضت هذا المقترح بشكل قاطع، وسط إجماع أوروبي على أن الفكرة “غير قابلة للتطبيق حالياً”.
وقال ناطق باسم الحكومة البريطانية: “لن نقدم تعليقات متتالية بشأن محادثاتنا مع الاتحاد الأوروبي، فهذه المناقشات لا تزال جارية وتشمل طيفاً واسعاً من القضايا”، في حين قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: “هذا لن يحدث. سويسرا تتمتع بهذا النوع من الاتفاقات، لكنها تدفع مساهمات في ميزانية الاتحاد الأوروبي وتقبل بحرية الحركة”.
وأفاد مسؤولون أوروبيون كبار، بأن بروكسل أرسلت إشارة واضحة بأنها لن تعرض على بريطانيا ما يُعرف بالاعتراف المتبادل بتقييم المطابقة، وهو ما كان سيسمح بدخول السلع المعتمدة في بريطانيا مباشرة إلى السوق الأوروبية الموحدة.
وأشار دبلوماسيون، إلى أن هذا الرفض يعكس حدود قدرة بريطانيا على إزالة الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي، مع استمرارها في التمسك بخطوطها الحمراء الرافضة للانضمام مجدداً إلى السوق الموحدة أو إلى اتحاد جمركي مع التكتل.
كما حذّر دبلوماسيون من أن التوصل إلى ما يُعرف باتفاق “إعادة المهاجرين”، والذي تُعاد بموجبه الهجرة غير الشرعية في المملكة المتحدة إلى الدول الأوروبية التي دخلوا منها أولاً، يُعد احتمالاً بعيداً، في ظل القلق المتزايد داخل دول الاتحاد بشأن ملف الهجرة.
تفاوض شاق
وتُعد هذه التحفظات بداية لما يتوقع أن يكون جولة تفاوضية شاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ستشتد في الخريف المقبل، مع هدف مشترك يتمثل في التوصل إلى اتفاق نهائي قبل نهاية العام الجاري.
وكان كل من ستارمر ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد أعلنا هذا الأسبوع عن ضرورة التوصل إلى اتفاق دفاعي وأمني خلال قمة 19 مايو المقبل، ما قد يفتح الباب أمام بريطانيا للاستفادة من صندوق الدفاع الأوروبي الجديد الذي تبلغ ميزانيته 150 مليار يورو.
وبحسب ما أفاد به دبلوماسيون من التكتل، فإن بريطانيا قد توافق، لتسهيل هذا الاتفاق، على تمديد حقوق الصيد الحالية لدول الاتحاد الأوروبي في المياه البريطانية لعدة سنوات، مع تأجيل المناقشات الإضافية حول هذا الملف حتى ما بعد الانتخابات البريطانية المقبلة، المتوقع إجراؤها في عام 2029.
وفي الوقت نفسه، من المقرر إصدار بيان ختامي منفصل خلال القمة المرتقبة، يتضمن “فهماً مشتركاً” للعناصر المحتملة لاتفاق أوسع لاحقاً خلال العام الجاري، يشمل قضايا مثل تنقل الشباب وأمن الطاقة وتسهيل حركة البريطانيين عبر أوروبا.
وإثر ذلك، طلب مبعوث رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى بروكسل، المسؤول السابق في وزارة الخزانة، مايكل إيلام، تأجيل الانتهاء من صياغة هذا البيان حتى الشهر المقبل، لتجنب التأثير على الانتخابات المحلية المقررة الخميس المقبل.
3 مطالب بريطانية
وقدمت بريطانيا 3 مطالب إلى بروكسل مع سعي الجانبين لصياغة الوثيقة التي ستشكّل أساس مفاوضات ما بعد القمة، وفقاً لدبلوماسيين أوروبيين بارزين.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي، التي تلقت إحاطة من المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي بعد محادثات مع بريطانيا، قد أبدت رد فعل فاتر تجاه المطالب البريطانية الثلاثة، والتي شملت: إبرام اتفاق لمكافحة الهجرة غير الشرعية، واتخاذ خطوات لتحسين وصول الفنانين المتجولين، والتوصل إلى اتفاق بشأن اعتماد الشهادات للسلع الصناعية.
وبينما ترفض بريطانيا النسخة الموسعة التي يقترحها الاتحاد الأوروبي من برنامج تنقّل الشباب للفئة العمرية بين 18 و30 عاماً، تسعى لندن للتوصل إلى اتفاق يحسّن من وصول الفنانين والموسيقيين البريطانيين المتجولين إلى أوروبا، بعد ضغط كبير من القطاع الثقافي.
ورغم ذلك، لم يستبعد دبلوماسيون أوروبيون، إمكانية تقديم تنازلات لبريطانيا من بعض الدول الأعضاء، تشمل تسهيلات في منح التأشيرات للفنانين، وفي ملف الهجرة، قد يُسمح للمواطنين البريطانيين باستخدام بوابات الدخول الإلكترونية (e-gates) عند وصولهم إلى مطارات الاتحاد الأوروبي.
وأبلغ مايكل إيلام، مبعوث ستارمر إلى بروكسل، المفاوضين الأوروبيين، أن أي برنامج لتنقل الشباب يجب أن يكون محدوداً بحصة عددية لضبط الأعداد، مشيراً إلى أن برامج مماثلة مع دول مثل كندا تتضمن سقفاً لعدد المشاركين.
وضمّن زعيم حزب العمال، كير ستارمر، هذا الاتفاق في البرنامج الانتخابي للحزب لعام 2024، رغم تحذير المفوضية الأوروبية سابقاً للحكومة المحافظة من أن تحسين وصول الفنانين ومعداتهم يتطلب عناصر من الوصول إلى السوق الموحدة، وهو ما يرفضه الحزبان الرئيسيان في بريطانيا.