يستعد الاتحاد الأوروبي لفرض “رسوم جمركية انتقامية” على بضائع أميركية بقيمة 21.5 مليار يورو بدءاً من منتصف ليل الثلاثاء المقبل، رداً على تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم ضخمة على المنتجات الأوروبية تدخل حيز التنفيذ في أغسطس المقبل، وسط مطالبات باستخدام “أداة مكافحة الإكراه” التي تسمح للتكتل بالرد على أي دولة تمارس ضغوطاً اقتصادية على الأعضاء لتغيير سياساتها.
ومع استمرار تعثر المفاوضات التجارية بين الجانبين، يلوّح التكتل بحزمة ثانية قد تضرب واردات أميركية بقيمة 70 مليار يورو، ما يضع العلاقات عبر الأطلسي على حافة حرب تجارية.
وفي رسالة وجهها إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الجمعة، ونشرها على منصته “تروث سوشال”، السبت، قال ترمب: “بدءاً من الأول من أغسطس 2025، سنفرض على الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية بنسبة 30% فقط على المنتجات الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة، وذلك بشكل منفصل عن الرسوم القطاعية الأخرى”.
وأضاف: “إذا قررتم، لأي سبب، رفع رسومكم الجمركية والرد بالمثل، فسيتم إضافة أي نسبة تقررونها إلى نسبة 30% التي نفرضها”.
وردت فون دير لاين، رئيسة الذراع التنفيذية والتي تتولى السياسة التجارية في التكتل الذي يضم 27 دولة، في بيان يحمل نبرة حذرة، قائلة إن الاتحاد الأوروبي مستعد لمواصلة الحوار مع الولايات المتحدة، لكنه أيضاً يدرس اتخاذ “إجراءات مضادة متناسبة”.
وتابعت: “سنتخذ جميع الخطوات اللازمة لحماية مصالح الاتحاد الأوروبي. فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الصادرات الأوروبية سيؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد العابرة للأطلسي، الأمر الذي سيضر بالشركات والمستهلكين والمرضى على جانبي المحيط”.
وأُبلغ موظفو المفوضية الأوروبية بشكل مفاجئ بضرورة إلغاء خططهم لعطلة نهاية الأسبوع والعودة إلى العمل فوراً، في حين دخلت العواصم الأوروبية في حالة تأهب لتقييم الخطوة الأميركية المحتملة، بحسب مجلة “بوليتيكو” الأميركية.
وذكر 5 دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، أن سفراء الدول الأعضاء سيجتمعون في جلسة طارئة عند الساعة 3:30 من مساء الأحد، قبيل اجتماع وزراء التجارة الأوروبيين المقرر عقده في بروكسل، الاثنين المقبل.
أدوات مكافحة الإكراه
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي الإسراع في إعداد تدابير مضادة، منها أدوات مكافحة الإكراه.
وأضاف ماكرون في منشور على “إكس”، أن “الأمر متروك للمفوضية أكثر من أي وقت مضى لتأكيد عزم الاتحاد على الدفاع عن المصالح الأوروبية بحزم”.
وتسمح أداة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإكراه للتكتل بالرد على أي دولة تمارس ضغوطاً اقتصادية على أعضاء الاتحاد لتغيير سياساتها، وتتيح مجالاً واسعاً للتحرك.
وتسمح الآلية للاتحاد أيضاً بالحد من وصول الشركات من دول ثالثة إلى مناقصات المشتريات العامة، واتخاذ إجراءات تؤثر على تجارة الخدمات أو الاستثمار.
من جهتها، قالت وزيرة الاقتصاد الألمانية كاثرينا رايشه، إن تهديد ترمب “سيضر بأوروبا والولايات المتحدة”، داعية إلى حل عملي للحرب التجارية المتصاعدة.
وأضافت: “ستؤثر الرسوم الجمركية بشدة على الشركات الأوروبية المصدرة. وفي الوقت نفسه، سيكون لها أيضاً تأثير قوي على الاقتصاد والمستهلكين على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي” ،مشددةً على وجوب التوصل إلى “نتيجة عملية للمفاوضات على وجه السرعة”.
كما أكد مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في بيان، على “ضرورة التركيز على المفاوضات، وتجنب التصعيد الذي قد يُصعب الوصول إلى اتفاق”، معتبراً أن “الاتفاق ضروري لتعزيز التحالف الغربي، وخصوصاً في البيئة الدولية الحالية، إذ لا معنى لإشعال حرب تجارية بين ضفتي الأطلسي”.
وكان الاتحاد الأوروبي يسعى للتوصل إلى اتفاق أولي يقضي بتثبيت الرسوم أحادية الجانب بنسبة 10% على السلع الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة، مع إعفاءات لبعض القطاعات مثل السيارات والطائرات والمشروبات الكحولية.
فرصة لتجنب الحرب التجارية
ورغم أن الوقت بدأ ينفد، أشار دبلوماسيون أوروبيون، إلى أن هناك فرصة حقيقية لتجنّب حرب تجارية شاملة.
وقال أحد الدبلوماسيين لـ”بوليتيكو”، إن “رسالة ترمب تبدو وكأنها مرسوم رسمي، لكن الجميع سيلاحظ أن الموعد المحدد هو الأول من أغسطس. لو كانت مرسوماً فعلياً، لكان قد دخل حيز التنفيذ فوراً، وهذا يمنحنا 3 أسابيع إضافية من المفاوضات، التي وصلت أصلاً إلى مرحلة متقدمة”.
من المقرر أن تدخل الدفعة الأولى من الرسوم الجمركية الأوروبية الانتقامية على واردات أميركية بقيمة 21.5 مليار يورو حيز التنفيذ الساعة 12:01 صباح الثلاثاء. كما يبحث الاتحاد الأوروبي فرض حزمة ثانية من الإجراءات الانتقامية تشمل نحو 70 مليار يورو من السلع الأميركية، بحسب المجلة الأميركية.
وقال دبلوماسي آخر، تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه نظراً لحساسية الموقف، إن “تمديد تعليق الحزمة الأولى حتى 1 أغسطس قد يكون منطقياً للمساعدة في تقدم المفاوضات، في الوقت الذي يواصل فيه الاتحاد الأوروبي تجهيز الحزمة الثانية”.
وفي رسالته، ترك الرئيس الأميركي الباب مفتوحاً أمام تعديلات على الرسوم الجمركية المهددة إذا ما فتح الاتحاد الأوروبي “أسواقه التجارية المغلقة حتى الآن أمام الولايات المتحدة، وأزال التعريفات الجمركية والسياسات غير الجمركية والعوائق التجارية”.
وقال ترمب: “يمكن تعديل هذه الرسوم صعوداً أو هبوطاً حسب العلاقة مع كل دولة”.
وفي المقابل، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية عن استعدادها لمواصلة العمل من أجل التوصل إلى اتفاق بحلول الأول من أغسطس، فيما قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، إن التكتل “لا يزال حازماً وموحداً ومستعداً لحماية (مصالحه)”.
ويتعرض التكتل لضغوط متضاربة إذ تحث ألمانيا على التوصل إلى اتفاق سريع لحماية صناعتها، في حين يقول أعضاء آخرون في الاتحاد، مثل فرنسا، إن المفاوضين يجب ألا يوافقوا على اتفاق أحادي الجانب يرضخ للشروط الأميركية، بحسب وكالة “رويترز”.
وبدأت سلسلة الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض في جلب عشرات المليارات من الدولارات شهرياً كإيرادات جديدة للحكومة الأميركية.