– كريستينا الشماس
رغم مرور عام على التحول السياسي الأكبر في سوريا، وما رافقه من وعود رسمية بإعادة بناء قطاع الاتصالات ليكون “رافعة التعافي الاقتصادي”، بحسب مساعي وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، لا يزال المشهد الخدمي في هذا القطاع بعيدًا عن التوقعات.
فمنذ الأشهر الأولى لسقوط النظام السابق، أُعلن عن سلسلة من المشاريع التي وُصفت بأنها “استراتيجية”، شملت خططًا لتحديث البنية التحتية للاتصالات الأرضية، وتوسيع شبكات الجيل الرابع، وإطلاق تجارب أولية للجيل الخامس، إلى جانب توقيع مذكرات تفاهم مع شركات تقنية إقليمية، وتنظيم مؤتمرات محلية حول التحول الرقمي وإدارة الشبكات.
وتابع السوريون خلال عام كامل تصريحات “متفائلة” تتحدث عن استثمارات مرتقبة وخطط لإعادة هيكلة القطاع، ووعود بإعادة توزيع الطيف الترددي وتحسين جودة الخدمات عبر “منظومة وطنية متكاملة للاتصالات”.
ومع ذلك، لم يشهد المستخدمون تحسنًا ملموسًا في التغطية الخلوية واستقرار المكالمات وسرعة الإنترنت.
ترصد في هذا التقرير واقع قطاع الاتصالات خلال العام الأول بعد التحرير، وما تحقق فعليًا من مشاريع وتحديثات للبنية التحتية مقابل ما طُرح في البيانات والاتفاقيات والمؤتمرات، إضافة إلى التحديات التي لا تزال تعوق تحسن التغطية والإنترنت في المحافظات والمناطق المدمرة والنائية.
عام الاتفاقيات
شهد العام الأول بعد سقوط النظام زخمًا في قطاع الاتصالات، مع إعلان وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات عن سلسلة مشاريع لتحديث البنية التحتية الرقمية، وتحسين جودة خدمات الإنترنت في سوريا.
وطرحت الاتصالات، في أيار الماضي، مشروع كابل “أوغاريت 2“، الذي يهدف لتحسين الاتصال بالإنترنت العالمي في سوريا، وزيادة مرونة الشبكات الرقمية السورية وتحسين جودتها، ومعالجة القيود الحالية، وتهيئة البنية التحتية للنمو المستقبلي.
وأطلقت، في حزيران الماضي، مشروع “برق نت” لإيصال شبكة الألياف الضوئية مباشرة إلى المنازل والمكاتب الـ”FTTP” في جميع مناطق سوريا، ضمن خطة وطنية لتطوير البنية التحتية الرقمية، إلى جانب سلسلة مباحثات واتفاقيات خارجية على المستويين العربي والدولي.
ووقعت وزارة الاتصالات، في تشرين الأول الماضي، اتفاقية إنزال أول كابل بحري دولي في محطة طرطوس، مع شركة “ميدوسا” الإسبانية.
ويسهم المشروع بإعادة ربط الشبكات الدولية عبر الكوابل البحرية، ويسهل تبادل البيانات، كما يمثل ركيزة استراتيجية لإعادة ترسيخ موقع سوريا كمحور دولي وإقليمي للاتصالات والإنترنت بين آسيا وأوروبا.
ولتلقي الدعم في المشروعات التي تعمل عليها وزارة الاتصالات، وقعت، في آب الماضي، اتفاقية مع شركة “آرثر دي ليتل” (ADL)، الشركة الاستشارية العالمية، التي ستقدم استشاراتها للوزارة في مشاريع تطوير شبكات الخلوي القادمة في سوريا.
كما تحولت الفعاليات المحلية والدولية التي نظمتها الوزارة أو شاركت بها إلى منصات للتعاون وتحقيق قفزة جديدة في قطاع الاتصالات، أبرزها معرض “سيريا هايتك 2025” الذي أقيم في تشرين الثاني الماضي، وقُدم كأول فعالية دولية كبرى لقطاع الاتصالات بعد التحرير، ليجسد انطلاقة البلاد نحو التحول الرقمي، ويكون منصة سنوية لتمكين الشركات السورية من توسيع نشاطاتها وإبرام اتفاقيات مع شركات عالمية، وتشكيل تكتلات اقتصادية جديدة تواكب توجه الحكومة نحو بناء بلد متطور رقميًا.
وفي آب الماضي، عقد مؤتمر “SYNC25 II” بهدف تعزيز تبادل المعرفة وتطوير المهارات المهنية، وخلق فرص عمل، وتعاون بين المواهب السورية وكبار الخبراء في قطاع التكنولوجيا حول العالم.
وأطلقت وزارة الاتصالات بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مؤخرًا، مبادرة “مجتمع ذكاء” التي تهدف إلى تنظيم طاقات الشباب والجمعيات والمبادرات التقنية في مختلف المحافظات، وتوجيهها نحو برامج عملية تصل آثارها إلى المواطنين، خصوصًا الفئات الأقل وصولًا إلى فرص التدريب والعمل في القطاع الرقمي.
أنجزت أم أخفقت
تحدث مدير المكتب الإعلامي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، عمار التكلة، ل، أن الوزارة منذ سقوط النظام بدأت بخطة تنفيذية متعددة المراحل، ركزت في بدايتها على رفع القدرة المتاحة للشبكة وتحسين توزيعها بين المحافظات، بحيث يلمس المواطن “تحسنًا أوليًا” في الاستقرار والسرعة.
وأوضح التكلة أن الوزارة انتقلت لاحقًا إلى استعادة الربط المباشر مع العالم، عبر اتفاقية “الكابل البحري في طرطوس”، مع التخطيط لربطه بمشروع “سيلك لينك” الذي سيحول سوريا إلى ممر رئيس لحركة الإنترنت إقليميًا، بحسب تعبيره.
الخبير التقني نضال فاعور، قيّم عمل وزارة الاتصالات بالمجمل كـ”إعلامي وورقي”، فكل ما تم نشره والحديث عنه وإبرامه من عقود هو مشجع، ولكن لم تتم بعد الموافقة على أي تقديمات من الشركات العالمية، وكذلك الوضع الأمني العام كان عقبة أمام الشركات المستثمرة في عالم الاتصالات بالوصول إلى سوريا.
لم نرَ نتائج الاتفاقيات، بل إن بعض الخدمات أصبحت أسوأ، خصوصًا في تغطية الهواتف المحمولة وجودة الشبكات.
نضال فاعور
خبير تقني
ويرى فاعور أن سوريا تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة كبنية تحتية من “سيرفرات” ومخدمات وكوابل ضوئية وأجهزة متطورة، وإعادة إعمار “فعلية” في هذا القطاع.
المؤتمر الصحفي لإطلاق معرض سيريا هايتك – 30 تشرين الأول 2025 (/ أحمد مسلماني)
المناطق المدمرة “التحدي الأكبر”
ورثت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات بعد سقوط النظام شبكة اتصالات تعد من أكثر القطاعات تضررًا خلال سنوات الحرب، إذ خرجت أجزاء واسعة من البنية التحتية عن الخدمة في محافظات شهدت قصفًا مكثفًا، بينما تآكلت باقي الشبكات بفعل غياب الصيانة وتراجع الاستثمار.
من أبرز التحديات التي واجهت الوزارة، بحسب مدير المكتب الإعلامي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، عمار التكلة، حجم الدمار والتهالك الذي أصاب شبكة الاتصالات، والتكلفة العالية لإعادة تأهيلها.
وأضاف أن الفجوة كانت واسعة بين المدن الرئيسة والمناطق المدمرة أو البعيدة عن مراكز المدن، إلى جانب ندرة الخبرات المتخصصة نتيجة سنوات الحرب والهجرة.
وذكر التكلة أن الوزارة عملت على ترتيب الأولويات جغرافيًا، بالتركيز أولًا على عقد الربط الرئيسة لضمان استقرار الشبكة الأساسية، ثم التوسع تدريجيًا نحو المناطق ذات الضرر الأكبر.
وللتغلب على محدودية التمويل، توجهت الوزارة إلى شراكات مع دول وشركات صديقة للمساهمة في الدعم المالي والتنفيذي، تزامنًا مع تعديل أنظمة العمل الداخلية داخل الوزارة وتطوير برامج تدريب الكوادر الوطنية، حتى تتمكن من تأهيل وتشغيل الشبكات الجديدة.
الوزارة واجهت تحديًا إضافيًا يتمثل في التقنين الكهربائي، الذي يؤثر مباشرة على عمل مواقع الاتصالات ومقاسم الإنترنت، ما تطلب توفير مصادر طاقة بديلة وتأمين تشغيل مستمر للمحطات الحيوية، بحسب التكلة.
وبرغم هذه الصعوبات، يرى التكلة أن وضع الكهرباء يشهد “تحسنًا ملحوظًا” ما ينعكس تدريجيًا على استقرار خدمات الاتصالات.
المستخدم غير راضٍ
لم يلحظ سكان المحافظات أي تحسن فعلي في جودة التغطية أو سرعة الإنترنت، بل استمرت الشكاوى من ضعف الخدمات في مختلف المناطق.
وزادت حدة الانتقادات بعد استمرار ضعف تغطية شركتي “سريتل و”MTN”، ورفع أسعار الباقات بنسبة تراوحت بين 70 و100%.
يرى الخبير التقني نضال فاعور، أن الجهود المبذولة لتحسين الاتصالات لم تصل إلى المواطن بالشكل الملموس، مشيرًا إلى أن مشكلات التغطية لا تزال دون حلول حقيقية، وأن جودة الكوابل تشهد تراجعًا واضحًا، مقابل حاجة العاملين في القطاع إلى تأهيل وتدريب أوسع لمواكبة خطط التطوير.
واعتبر فاعور أن رفع شركات الهواتف المحمولة أسعار الباقات وأجور الاتصالات، مثّل عبئًا إضافيًا على المستخدمين، مرجحًا أن دافع هذه الزيادات يرتبط بارتفاع تكاليف الطاقة عمومًا، وليس بتحسينات في البنية الفنية أو تطوير الأبراج والشبكات، الأمر الذي يزيد الفجوة بين تكلفة الخدمة ومستواها الفعلي على الأرض.
تحسن “مؤجل”
وصف مدير المكتب الإعلامي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، عمار التكلة، بطء التحسن في خدمات الاتصالات، بـ”الأمر الطبيعي”، لأن المشاريع التي أُطلقت خلال العام تُنفذ على مراحل متتابعة.
وأشار إلى أن جزءًا من السعات الجديدة جرى تفعيله بالفعل، لكن الأثر الأكبر لن يظهر قبل اكتمال الربط بين المدن والانتهاء من تنفيذ الشبكات الضوئية داخل الأحياء. كما ربط التكلة تفاوت الخدمة بين المحافظات بمدى جاهزية البنية الفنية لكل منطقة، الأمر الذي يفسر استمرار شكاوى البطء والانقطاعات في بعض المناطق.
وبيّن التكلة أن الوزارة تعتمد حلولًا مرحلية، مثل محطات التغطية المؤقتة والمسارات البديلة لحين إنجاز المشاريع الاستراتيجية، مبينًا أن ضغط الاستخدام المتزايد نتيجة عودة المهجرين والمغتربين، يضيف عبئًا إضافيًا إلى الشبكة الحالية، ما يعني أن بعض الشكاوى ستظل حاضرة إلى حين دخول المشاريع الجديدة حيز العمل.
رؤية مستقبلية
تعمل الوزارة برؤية تجعل سوريا مركزًا لعبور الإنترنت إقليميًا لا مجرد مستهلك، بحسب مدير المكتب الإعلامي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، عمار التكلة.
وأوضح أن الوزارة تتابع استكمال الكابل البحري وربطه بالمشاريع البرية مع دول الجوار، وتوسيع تمديد الألياف الضوئية للمنازل والمؤسسات، مشيرًا إلى أن أبرز المشاريع هما “سيلك لينك” الذي ستعلَن الشركة المنفذة له قريبًا، و”برق نت”، مع التعويل على الشبكات الضوئية لتسريع برامج الحكومة الإلكترونية، وربط قواعد البيانات وتقديم خدمات رقمية آمنة.
واعتبر التكلة أن تنفيذ هذه المشاريع، بما يتيحه من إنترنت عالي الجودة، يفتح الباب أمام استثمارات مراكز البيانات والربط الإقليمي، كما يشجع الشراكات مع شركات عربية ودولية بما يضمن حماية بيانات المواطنين وبناء قدرات رقمية وطنية قادرة على إدارة التحول الرقمي في سوريا الجديدة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
