اخر الاخبار

الاغتيالات.. ظاهرة مستمرة في درعا  

خالد الجرعتلي | محجوب الحشيش

رغم مرور نحو أربعة أشهر على سقوط النظام السوري، وحل جميع الفصائل المحلية في محافظة درعا جنوبي سوريا، عادت عمليات الاغتيال والاستهداف إلى الواجهة مجددًا في المحافظة، كان أحدثها اغتيال القيادي السابق في اللجنة المركزية محمد الخطيب الملقب بـ”محمد المختار” في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي.

عودة عمليات الاغتيال والاستهداف اليومية إلى المشهد في درعا، ذكّرت السكان بحالة التوتر الأمني التي كانت تخيم على المحافظة على مدار سنوات، ما أثار مخاوف السكان من العودة للفوضى والفلتان الأمني.

الأحداث نفسها تأتي في أعقاب تولي قوى الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة السورية زمام ضبط الأمن، دون تغيير يُذكر في الواقع الأمني على مستوى المحافظة.

ووثق عضو “مكتب توثيق الشهداء” الحقوقي في درعا عمر الحريري، مقتل سبعة أشخاص منذ مطلع نيسان الحالي بعمليات استهداف متفرقة.

أسباب عودة الاغتيالات

بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، تراجعت حدة عمليات الاغتيال والاستهداف في المحافظة، ولكن سرعان ما عادت إلى الواجهة من جديد.

وفرض الواقع التنظيمي خلال السنوات التي تلت سيطرة النظام على محافظة درعا عام 2018 حالة من التصادم بين فصائل المنطقة العسكرية، إذ تشكلت اللجنة المركزية في الريف الغربي وفي درعا البلد، وضمت عددًا من المثقفين والقياديين والوجهاء، وكانت مهمتها مفاوضة الروس والنظام السوري على بنود “التسوية”.

وتعرض معظم أعضائها لعمليات اغتيال بعد اتهامها من قبل فصائل محلية أخرى بالارتباط بمسؤولي النظام المخلوع، وخاصة رئيس فرع “الأمن العسكري”، العميد لؤي العلي، الذي هرب مع تحرير المحافظة، منتصف كانون الأول 2024.

الحقوقي عمر الحريري، وهو من أبناء درعا، قال ل، إن الاغتيالات حالة رسختها الفوضى الأمنية، وانتشار السلاح بعهد النظام السابق، إذ كانت متعمدة لنشر الفوضى في ساحة المحافظة.

وأضاف أن النظام عمل على عدم طرح أي حل حقيقي لهذه المشكلة، ما ساعد بانتشار الجريمة “بشكل كبير”.

الحريري لفت إلى أن السلطات الحالية لا تزال غير قادرة على ضبط الأمور من جهة، ومن جهة أخرى، يبدو أنها لا تود ذلك كما حصل في الصنمين على سبيل المثال، كبوابة لسحب السلاح المنتشر في المنطقة.

وشهدت مدينة الصنمين، في كانون الثاني الماضي، مواجهات بين فصائل محلية، استدعت تدخل الأمن العام الذي فرض تهدئة وبدأ بسحب السلاح من الفصائل.

وفي آذار الماضي، اقتحم الأمن العام مدينة الصنمين، وفكك مجموعة عسكرية يقودها محسن الهيمد، المتهم بتنفيذ عمليات اغتيال في المدينة، والمرتبط سابقًا في فرع “الأمن العسكري”، لكنه تمكن من الهرب.

انتشار السلاح سبب رئيس

من أبرز الشخصيات التي قتلت خلال آذار الماضي، كان الدبلوماسي المنشق عن النظام نور الدين اللباد، وشقيقه عماد اللباد، في مدينة الصنمين.

اللباد وشقيقه، قتلا برصاص مجهولين تسللوا إلى منزلهما وأطلقوا الرصاص عليهما ثم لاذوا بالفرار.

الصحفي محمد عويد، وهو من أبناء محافظة درعا، قال ل، إن الاغتيالات لم تغب عن المحافظة منذ اندلاع الثورة مرورًا باتفاق “التسوية” وحتى بعد سقوط النظام.

وأرجع عويد أسباب انتشار السلاح بيد السكان إلى عدم ضبطه والوقوع في إشكالية التهديدات الإسرائيلية للمنطقة، والتي تستوجب وجود السلاح بيد السكان للدفاع عن أنفسهم، وبالتالي الوقوع في جدلية ضرورة سحب السلاح، أو إبقائه بيد السكان ما يخلف فوضى محتملة.

ويرى الحقوقي عاصم الزعبي، المقيم في درعا، أن عمليات الاغتيال انخفضت في المحافظة وكادت أن تتلاشى بعد سقوط النظام الذي “كان يدير عمليات الاغتيال عبر فروعه الأمنية”.

وقال الزعبي ل، إن عمليات الاغتيال التي حدثت مؤخرًا لم يثبت أنها عمليات منظمة، ومن المتوقع أن يكون هناك سببان خلف عودتها، الأول نتيجة تراكم أحقاد شخصية وخلافات سابقة، والثاني مرتبط ببقايا النظام المخلوع.

من جانبه، قلل الصحفي محمد عويد من أهمية عودة تصاعد عمليات الاستهداف، معتبرًا أن درعا من نسيج اجتماعي واحد يرفض معظمه وجود النظام السابق، وبالتالي لا فرصة أمام “فلول النظام” لتقويض الأمن في المنطقة.

الثأر والثأر المضاد

يرى الخبير الاجتماعي أحمد العودات، أن ما يحصل في درعا هو “تكملة طبيعية لمسلسل الثأر، والثأر المضاد، وتصفية الحسابات بين أطراف كانت متصارعة منذ سنوات، وزادت حدّة صراعها بعد 2018 لاختلافات الأيديولوجيا”.

وقال خلال حديث إلى، إن تباين وجهات النظر نحو إدارة المرحلة والعلاقة مع الأجهزة الأمنية للنظام التي فرضتها سياسة الأمر الواقع، تسببت بهذه الخلافات.

ولفت إلى أن ما يحاك لسوريا عمومًا والجنوب خصوصًا من “مؤامرات التقت فيها مصالح خارجية، مثل إيران وإسرائيل، وربما دول عربية” مع مصالح أطراف داخلية من “فلول النظام”، تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وتمزيق العقد الاجتماعي وإثارة الخلافات العشائرية والمناطقية وإضعاف الدولة الناشئة، لعبت دورًا في هذه الحالة.

العودات اعتبر أن حالة الفلتان الأمني التي قد تقف خلفها بعض الجهات، ربما تهدف لـ”بث روح عدم الثقة بالسلطات السورية، وبقدرتها على تحقيق الأمان الذي يتوق إليه المواطن”.

من جانبه، قال محمد العمار، وهو طبيب وناشط من أبناء المحافظة، إن أسباب حوادث الاغتيال تتعلق بشكل أساسي بالخلافات الشخصية والثأر جراء مواقف أفرزتها سنوات الحرب في سوريا.

الأمن العام ضعيف

ملأ الأمن العام المشكّل حديثًا الفراغ الأمني في المحافظة بعد سقوط النظام، وفتح باب الانتساب لأبناء المحافظة للتسجيل في كوادر الأمن العام، ولكن الجهاز الأمني ما زال غير قادر على ضبط الحالة الأمنية، وخاصة في ظل استمرار السلاح في يد السكان وعدم حل الفصائل فعليًا.

الناشط عمر الحريري يرى أن الأمن العام ما زال غير قادر على ضبط الأمن في الجنوب السوري، علمًا أن المنطقة بحاجة إلى عدد كبير من العناصر والكوادر المدربة لاتساع المساحة الجغرافية، والانتشار الكثيف للأسلحة بيد السكان، إلى جانب تاريخ الخلافات المرتبطة بالاغتيالات سابقًا.

الحلول برأي الحريري تكمن في الضبط الأمني، ومصادرة الأسلحة، وفرض العقوبات الصارمة على المخالفين.

من جانبه، يرى الصحفي محمد عويد أن على المجتمع أن يلعب دورًا للحد من هذه الظاهرة عبر خطباء المساجد مثلًا، إلى جانب الحث على تحريم عمليات القتل، كما يمكن أن يلعب الوجهاء دورًا محوريًا عبر السعي لحل الخلافات السابقة، وفرض الصلح بين أبناء المجتمع.

الناشط محمد العمار يرى أن الجهاز الأمني الحالي “أثبت كفاءة في بعض المواقف الأمنية”، لكن يجب على السلطة الحالية الانفتاح على حواضن الثورة من خلال تسليم أمن كل بلدة إلى شبابها عبر تأطيرهم ضمن جهاز الأمن العام.

ضبط الانتساب للقوى الأمنية خطوة “ضرورية”

الواقع الحالي يتعدى قدرة الأمن العام إلى شيء أشمل، يتعلق بالسياسة الداخلية، بحسب الخبير أحمد العودات، لافتًا إلى ضرورة فتح باب التقاضي أمام محاكم الدولة للبت في كل الجرائم التي حصلت وغيرها من القضايا، وليأخذ كل ذي حق حقه تحت مظلة القانون وعباءة الدولة، وعدم إفساح المجال لأخذ الحق بشكل شخصي.

واعتبر العودات أن الأمن العام هو ذراع تنفيذية فقط، يؤدي دوره المنوط به لا أكثر.

ويرى العودات أن الأمن العام لم يمارس دوره المأمول لأسباب قد تُعزى إلى قلة أعداد المنتسبين، وفتح باب الانتساب إلى صفوفه على مصراعيه دون التثبت من سجل بعض المتقدمين أو ماضيهم الجنائي.

ولفت إلى أن عدم ضبط آلية الانتساب للأمن، وفتحه أمام أفراد تدور حولهم شبهات جنائية، قد يخلق طرفين متنازعين بينهما اتهامات متبادلة بالاغتيالات قد أصبحوا في القوات الأمنية، فيعمد بعضهم إلى إساءة استخدام السلطة الممنوحة له بتصفية حساباته مع خصومة، وفق العودات.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *