اخر الاخبار

الانتخابات والسيارات والزراعة في مفاوضات اليابان وأميركا

تعتزم اليابان مواصلة التمسك بموقفها الصارم في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، سعياً للحصول على صفقة أفضل بشأن التعريفات الجمركية، لا سيما تلك المفروضة على واردات السيارات اليابانية، إذ تضغط طوكيو من أجل إلغاء كامل للتعريفات البالغة 25%، بدلاً من القبول بتسوية قد تُعرّض الحكومة لرد فعل داخلي معارض، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز”. 

وتُعد اليابان أكبر مستثمر أجنبي في الولايات المتحدة، وأقرب حليف لها في آسيا، إذ تحرص الحكومة اليابانية، بقيادة رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا، على تجنب أي تدهور في العلاقات مع واشنطن، وجعل من أولويات حكومته أن تكون طوكيو من أوائل الدول التي تبدأ التفاوض مع الإدارة الأميركية بشأن التعريفات الجمركية. 

لكن الموقف الداخلي ازداد تعقيداً في الأسابيع الأخيرة، بعد أن أعرب قادة قطاع الأعمال وأعضاء من الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم عن رفضهم لأي صفقة قد تمس قطاع السيارات الحيوي، أو تهدد مصالح المزارعين المحليين، ما أجبر رئيس الوزراء الياباني على إعادة تقييم استراتيجيته التفاوضية. 

ونقلت الصحيفة عن مسؤول حكومي في طوكيو قوله إنه “رغم حرص اليابان الشديد على أن تكون أول دولة تدخل في مفاوضات مع واشنطن بشأن التعريفات الجمركية، إلا أن هذا الشعور بالإلحاح قد تبدّل الآن، وأصبح التركيز منصباً على ضمان حصولها على صفقة جيدة”.  

بدوره، قال مسؤول ياباني آخر مطّلع على المحادثات إن “قطاع السيارات وقطع الغيار يُمثل أكبر صادرات اليابان إلى الولايات المتحدة، وبالتالي فإن التعريفات المفروضة على هذا القطاع هي نقطة محورية في المفاوضات، وإذا لم نحرز تقدماً فيها، فلن نتوصل إلى أي توافق”.

عروض اليابان 

وأشار مسؤولون إلى أن أقوى عروض طوكيو لواشنطن قد تتمثل في زيادة واردات المنتجات الزراعية الأميركية، وتوسيع فرص دخول السيارات الأميركية إلى السوق اليابانية، والاستثمار في مشروع خط أنابيب للغاز الطبيعي المُسال في ألاسكا. 

لكن مع اقتراب انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو، أبلغ إيشيبا البرلمان أنه “لن يضحي بقطاع الزراعة المحلي للحصول على تخفيضات في التعريفات الجمركية على السيارات”.  

وقال أحد المسؤولين المطلعين على المحادثات بشكل مباشر: “المشكلة التي تواجهها اليابان تكمن في أنها لا تريد اتفاقاً يبدو أنه قد تم التوصل إليه بسرعة، لكنها في الوقت نفسه، لا يمكنها الاعتماد على فكرة أن الإدارة الأميركية سيكون لديها الصبر الكافي للتفاوض على اتفاق معقد”. 

وتؤكد طوكيو أن نقطة الانطلاق في المفاوضات يجب أن تكون إلغاء جميع التعريفات الجمركية الأميركية التي فُرضت مؤخراً، بما في ذلك تعريفات بنسبة 25% على واردات السيارات والصلب والألمنيوم، وتعريفات “الرسوم المتبادلة” بنسبة 24% على سلع يابانية أخرى، والتي تم تخفيضها مؤقتاً إلى مستوى 10%. 

وبحسب تقديرات الشركات والمحللين، قد تقلص هذه التعريفات أرباح التشغيل السنوية لشركات صناعة السيارات اليابانية الكبرى بنحو تريليوني ين (ما يعادل 13.7 مليار دولار) في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس المقبل، وذلك في وقت سجل فيه الاقتصاد الياباني انكماشاً لأول مرة منذ عام، خلال الربع الأول من السنة. 

توقعات بعدم التوصل إلى اتفاق

وأشار مسؤولون إلى أن من غير المرجح التوصل إلى اتفاق قبل انتخابات مقررة لمجلس الشيوخ الياباني أواخر يوليو، والتي يُرجّح أن تشكل تحدياً صعباً لحكومة إيشيبا التي لا تحظى بشعبية كبيرة. 

وكان الفريق التفاوضي الياباني، بقيادة وزير الاقتصاد ريوسي أكازاوا، قد عقد اجتماعين مع ممثلين من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومن المقرر عقد جولة ثالثة من المحادثات في الأسبوع المقبل، كما يسعى وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو إلى استئناف النقاشات مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على هامش قمة مجموعة السبع في كندا الأسبوع المقبل. 

ويرى نيكولاس سميث، الخبير الاستراتيجي في شؤون اليابان لدى شركة CLSA، أن الموقف الياباني بات أكثر تشدداً، مشيراً إلى أن “إيشيبا يقاتل من أجل مستقبله السياسي ومستقبل حزبه، ولا يمكنه الاستسلام ببساطة”. 

وأضاف: “لقد شكّلت السيارات 81% من فائض اليابان التجاري مع الولايات المتحدة في عام 2024، وإذا فشل رئيس الوزراء الياباني في تأمين إعفاءات جمركية لهذا القطاع، فسيكون في وضع سياسي حرج”. 

من جانبه، يرى أستاذ السياسة والدراسات الدولية في جامعة ICU بطوكيو ستيفن ناجي أن استراتيجية إيشيبا تعتمد على أن واشنطن ستُقدّر أهمية شراكتها الأمنية مع طوكيو أكثر من أهمية التعريفات الجمركية، لكنه استدرك قائلاً: “أعتقد أن اليابان ستدرك في النهاية أن ترمب سيظل متمسكاً بفرض مستوى معين من التعريفات الجمركية كأساس لا يمكن التنازل عنه، وبغض النظر عمّا تقوله أو تفعله طوكيو، فإنها لن تتمكن من تجنب هذا الواقع أو تغييره”. 

وتزداد مخاوف إيشيبا، الذي يقود ائتلافاً هشاً، من أن يؤدي التوصل إلى صفقة غير متوازنة إلى تعميق الأزمة التي يواجهها حزبه الحاكم، خصوصاً بعد أن جاءت مغامرته بإجراء انتخابات عامة في أكتوبر الماضي بنتائج عكسية، ما أدى إلى خسارة الحزب الأغلبية في مجلس النواب لأول مرة منذ عام 2009. 

ووفقاً للصحيفة، فإن انتخابات مجلس الشيوخ قد تؤدي لمزيد من التعقيدات، لا سيما إذا شعرت جماعات الضغط الزراعية بخيانة مصالحها، حال تم تمرير صفقة تسمح بتدفق الواردات الزراعية الأميركية. 

ولذا فإن أحد مقترحات طوكيو منذ البداية كان ربط مستويات استثمار الشركات اليابانية في الولايات المتحدة بتخفيضات بنسبة مئوية من التعريفات الجمركية.

ورغم الشراكة الأمنية القوية بين طوكيو وواشنطن، فإن مدى النفوذ الذي تملكه اليابان على إدارة ترمب يبدو غير واضح، إذ تعتمد طوكيو على واشنطن في أمنها، وقد سجلت فائضاً تجارياً بلغ 63 مليار دولار مع الولايات المتحدة خلال السنة المالية 2024-2025، لكن، في الوقت نفسه، اتهمت الإدارة الأميركية طوكيو بتعمد خفض قيمة الين، مما زاد من تعقيد المفاوضات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *