اخر الاخبار

الانتقادات الأميركية اللاذعة لبريطانيا تشعل غضب ساستها

رغم أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأخيرة إلى البيت الأبيض وُصفت بـ”الناجحة”، إلا أن القدرات العسكرية البريطانية كانت محط انتقاد نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس عندما جرى الحديث عن إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا.

واعتبر فانس، أن اتفاق “المعادن النادرة” الذي من المحتمل أن توقعه كييف مع واشنطن يُشكل ضمانة أمنية أقوى من 20 ألف جندي قادمين من “دولة عشوائية لم تحارب منذ 30 أو 40 عاماً”.

ساسة بريطانيا التي ساندت الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان، لم يقبلوا الإشارة إلى بلادهم بهذه الطريقة، بمن فيهم أولئك الذين يتشاركون مع فانس في توجهاته اليمينية الشعبوية.

وتفجرت ردود الفعل الغاضبة في وجه نائب الرئيس الأميركي ودفعته إلى التراجع، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أنه سجّل ثالث جولة من الخصومة مع بريطانيا منذ أن أطلق “مزحته عن الدولة البريطانية الإسلامية” قبل أشهر.

ما يحاول فانس فعله جرّبه أيضاً منذ أشهر الملياردير إيلون ماسك الذي يرأس وزارة الكفاءة الحكومية في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكلاهما، بحسب مراقبين، يمثلان توجه الولايات المتحدة لدعم اليمين ضد اليسار، وحتى الوسطية في الغرب.




ويشير المراقبون، إلى أن الخصومة قد تكون موجهة ضد ستارمر وحزب العمال الحاكم، وهذا ما ينذر بمعارك عديدة وعلى جبهات عدة بين الطرفين، قد تمتد خلال السنوات الأربع المقبلة.

بين فاراج وبادينوك

زعيم حزب “الإصلاح” البريطاني اليميني نايجل فاراج، قال إن نائب الرئيس الأميركي، أخطأ عبر التقليل من قدرة وأهمية بريطانيا عسكرياً، لكن تصريحاته مهمة لتذكير حكومة لندن بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي من أجل مواجهة الأخطار الخارجية.

وهكذا وظّف فاراج تصريحات فانس في توجيه النقد لسياسات حزب العمال الحاكم الذي يحلم بمنافسته في انتخابات البرلمان المتوقعة عام 2029، ولأجل هذا يستغل كل عثرة لحكومة ستارمر في أي مجال كان.

أما كيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين المعارض، قالت إنها “تعرف فانس حق المعرفة، وقد سُحبت تصريحاته من سياقها”، فلا تظنه يسيء إلى حليف أميركا الأول في الغرب.

هذا التعليق، اعتبرته عضو حزب المحافظين سامنثا سونز، متوقعاً من زعيمة حزبها، في ظل العلاقة الجيدة التي تجمعها مع فانس، والتي تبلورت في اللقاء الذي جمعهما بواشنطن خلال يناير الماضي.

وقالت سونز لـ”الشرق”، إن “بادينوك تراهن على نفوذ فانس وعدد من نواب الحزب الجمهوري في أميركا، من أجل فرملة ترمب وماسك، في دعم نايجل فاراج كي يتصدر المشهد السياسي، ويحل حزبه محل المحافظين في قيادة اليمين بكل تياراته في بريطانيا”.

ونقلت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية حينها غضب بعض أفراد فريق ترمب من تمضية فانس وقتاً مع بادينوك في حين كان يتوجب عليه التركيز على فاراج.

ولكن تباين الشعبويين الأميركيين بشأن اليمين في بريطانيا يثبت حقيقة تفضيلهم لهذا التيار على حساب الأحزاب الوسطية واليسارية، وعلى رأسها حزب العمال الذي وصل إلى السلطة في يوليو الماضي، بعد أن نال أغلبية مطلقة بالبرلمان لم يعرف مثلها منذ عام 1997.

خصومة سابقة

وفي سياق العلاقات العابرة للمحيط بين اليمينيين، يمكن فهم “استهزاء” فانس بالقوة البريطانية على سبيل الخصومة مع الحكومة الحالية وليس مع بريطانيا، وخاصة إذا ما ربطنا ذلك بانتقادات للديمقراطية البريطانية وجهها إلى ستارمر عندما زار واشنطن مؤخراً.

وكرر فانس فحوى خطابه هذا خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، الشهر الماضي، وذلك عندما تحدث عن “تراجع حرية التعبير في الدول الأوروبية، وتحديداً فيما يخص تأثير المهاجرين”.

ونجح ستارمر بكبح جماح فانس في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض، لكن عضو حزب العمال البريطاني إيفان جاش يعتبر ما جرى هناك “ليس إلا معركة في حرب قد تستمر خلال السنوات المقبلة”.

وذكر جاش، أن “ترمب ليس فقط يدعم اليمين في الغرب، وإنما لا تجمعه علاقات ود مع حزب العمال منذ ولايته الأولى (2017-2021)، ولا زال يتذكر كل الانتقادات القاسية التي وجهها له قادة الحزب عندما زار لندن، بينما كانوا حينها يجلسون على مقاعد المعارضة”.

وكثير من قادة حزب العمال اعترضوا على زيارة الرئيس الجمهوري إلى بريطانيا التي جرت عام 2019، ومن بينهم وزير الخارجية الحالي ديفيد لامي الذي وصفه بـ”وريث هتلر”، في حين سمح عمدة لندن صادق خان قبلها بعام تقريباً برفع دمية “ترمب الرضيع” فوق سماء العاصمة تنديداً بسياساته وأفكاره.

ويرى جاش في حديث لـ”الشرق”، أن “حزب العمال لم يحظ بغفران الرئيس الأميركي لما حدث في ولايته الأولى، لكن ستارمر وحكومته أجادوا إدارة العلاقات مع ترمب حتى الآن من خلال تجنب الصدام المباشر أولاً، والبحث عن الأرضية المشتركة بشأن الملفات التي تهم الطرفين ثانياً، إضافة إلى إظهار الامتنان إزاء التحالف التاريخي بين البلدين، ودعوة ترمب إلى زيارة بريطانيا مرة ثانية”.

وربما تحدث زيارة ترمب الثانية ضجة أكثر مما وقع في عهد الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، ورئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، لكن المعترضين عليها هذه المرة لن يكونوا من الحزب الحاكم، ولا من الحزب القائد للمعارضة، فلكل من العمال والمحافظين تطلعاته في زيارة الرئيس الأميركي، وهناك طرف ثالث وهو حزب الإصلاح الذي ربما يستفيد منها كثيراً في حال نجا زعيمه فاراج من الخلافات الداخلية التي تعصف بالحزب حالياً.

ويأتي تصاعد انتقادت ترمب ونائبه لحزب العمال، أيضاً عقب دعمهم لمرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة كامالا هاريس، إذ كان هذا أيضاً أحد أسباب مهاجمة فانس للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض نهاية فبراير الماضي.

وسبق أن ذكّر فانس زيلينسكي بمشاركته في التجمع الانتخابي الديمقراطي الذي عقد بولاية بنسلفانيا في سبتمبر الماضي.

الشعبوية الأميركية

ويرى الباحث في العلاقات الدولية والكاتب في صحيفة “الجارديان” جوناثان ليز، أن “انزعاج ترمب وفريقه من دعم حزب العمال البريطاني للمرشحة الديمقراطية واضحاً خلال الانتخابات”، مضيفاً: “لا شك أنه ساهم في تعزيز الشقاق بين الطرفين، وبقي كواحدة من النقاط السوداء التي يمكن أن تُستدعى اليوم من قبل الراغبين بالخصومة مع ستارمر وحزبه داخل الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، ولكنها تبقى مجرد حجة سياسية”.

وذكر ليز لـ”الشرق”، أن “فانس يبدو وكأنه منفذ السياسة الخارجية الأميركية، وفق قناعات ترمب التي لا يمكن أن تكون ظاهرة في العلاقات الدولية الرسمية، أي يجب فصلها عن التفاهمات والتسويات التي تتكفل بها الدبلوماسية لتمرير مصالح الولايات المتحدة مع دول العالم”.

وأردف: “بعبارات أخرى يدير فانس خطط الشعبوية الأميركية عبر دعم اليمين بمختلف تياراته في الغرب بعيداً عن الصفقات والتسويات التي يجريها ترمب ووزير خارجيته ودفاعه في القضايا والملفات الخارجية التي تمس الولايات المتحدة”.

وثمة سابقة أخرى لفانس عندما كان لا يزال مرشحاً لمنصب نائب الرئيس الأميركي، قال فيها إن “بريطانيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة في أوروبا ذات قوة نووية”، لكنه تراجع عن ذلك لاحقاً بالقول إنها “مجرد مزحة”.

وتلاقت “مزحته” مع تصريحات لساسة بريطانيين يمينيين عدة كانوا حينها يعتبرون لندن مدينة “اختطفت” من قبل “الإسلاميين الراديكاليين” في عهد عمدتها العمالي المسلم صادق خان الذي فاز العام الماضي بولاية ثالثة.

ما فعله فانس يشبه بالنسبة للبريطانيين الهجوم الذي شنه إيلون ماسك، على ستارمر وحكومته خلال أحداث الشغب التي شهدتها بريطانيا نهاية يوليو عام 2024، إذ اتهم الملياردير الأميركي، عبر منصته “إكس”، رئيس الوزراء بتقييد حرية التعبير في البلاد ما استدعى رداً حكومياً عليه.

كما تجددت الخصومة مع ماسك قبل أشهر فقط بسبب انتقاده لسلوك ستارمر في التعامل مع عصابات استغلال القاصرات.

اليمين البريطاني “ليس بخير”

المهاجرون هم الأرضية المشتركة لسياسات الشعبويين في الغرب، وهم محور أساسي في هجوم فانس ومن قبله ماسك على الحكومة البريطانية العمالية، لكن أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة برمنجهام عمران أوان، لا يعتقد أن “الخطاب المتطرف في هذا الشأن ذا تأثير بالغ على بريطانيا، فاليمين اليوم لا يعيش أفضل حالاته، وهو منقسم أصلاً إزاء قادته وسياسات الأحزاب التي تمثله بمختلف توجهاتها”.

ولفت أوان في حديث لـ”الشرق”، إلى أن “الحكومة البريطانية اختارت مواجهة الشعبوية حتى قبل وصول ترمب إلى السلطة، عبر القوانين والإجراءات اللازمة لمعالجة المشكلات التي يستغلها اليمينيون المتطرفون لاستقطاب الرأي العام، ومحاصرة أدوات هؤلاء في الحشد وراء معتقداتهم، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن هذه المواجهة لن تكون سهلة أبداً، وأمام ستارمر مهمة شاقة مع وجود ترمب وفريقه المتشدد في البيت الأبيض”.

وما قد يساند ستارمر وحزبه على مواجهة الشعبوية الأميركية هو المزاج البريطاني المناهض لاستهداف الدولة برموزها وقيمها ومؤسساتها.

وسبق الرفض الشعبي مواقف الساسة في المرات التي انتقد فيها فانس وغيره بريطانيا، جاداً أو مازحاً، ويكفي أن الإصغاء إلى إذاعة إنجليزية واسعة الانتشار مثل lbc، والاستماع إلى آراء أناس عاديين يدركون أن بلادهم متأخرة اقتصادياً وعسكرياً مقارنة بالولايات المتحدة، ولكنها لا تقل عنها أو عن غيرها من دول الغرب في الحقوق والديمقراطية والحريات العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *