في ذاكرة الدمشقيين، لا تُعد “البرسيس” مجرد لعبة، بل هي طقس طفولي قديم، ونقش عميق على جدار الذاكرة. فكلما مر صيف جديد، عادت الأزقة تهمس بأصوات الضحك، حيث يعود طيف “البرسيس” حاملًا عبق الزمن الجميل.
“البرسيس” برقعتها القماشية وأقراصها الأربعة، رافقت أمسيات البيوت والحارات، وجمعت حولها أفراد العائلة والجيران. تجاوزت هذه اللعبة كونها تسلية إلى أن أصبحت رمزًا من رموز التراث الشعبي، يحتفظ به الدمشقيون بعاطفة خاصة.
وفي زمن الحرب، لم تغب “البرسيس” عن المشهد. قالت سندريلا، ابنة دمشق، “في فترة الثورة، حين كان التيار الكهربائي ينقطع لساعات طويلة، وأصوات الاشتباكات تملأ المكان، كنا نرمي خوفنا على رقعة البرسيس. نلعب وسط الرصاص، ونسرق لحظات من الأمان من قلب الفوضى”.
تتكوّن “البرسيس” من رقعة قماشية مربعة، مقسّمة إلى مسارات، يُمثل كل لاعب فيها بلون مختلف، ومعه أربعة أحجار تُعرف باسم “الجنود”. تُستخدم أربعة أقراص خشبية صغيرة تُدعى “قراصيص” تُرمى دفعة واحدة، ويُحسب عدد الوجوه الغامقة لتحديد عدد الخطوات.
الهدف هو إيصال الجنود إلى نهاية المسار، مع تجنب الاصطدام بخصوم قد يعيدون الجندي إلى نقطة البداية. وإذا التقى حجران من نفس اللون في مربع واحد، شكّلا “حصنًا” لا يمكن تجاوزه، في حين يسمح التقدم الذكي أو المفاجئ بإقصاء الأحجار الأخرى.
اللعبة ليست فقط حظًا، بل تحتاج إلى مراوغة وتخطيط، والموازنة بين الهجوم والحذر. تتصاعد أجواء التحدي وسط الضحكات والنقاشات، في جلسات عائلية تعيد شيئًا من بساطة الأيام الماضية.
لكن “البرسيس” لم تكن فقط ملاذًا من الملل، بل كانت أحيانًا وسيلة مقاومة. في أحلك الظروف، كانت رقعة صغيرة تمنح العائلة لحظة تماسك، وتحوّل الصمت إلى حكاية.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي