دخلت السعودية مرحلة جديدة في مسار برنامجها النووي السلمي بتوقيعها إعلاناً مشتركاً مع الولايات المتحدة حول اكتمال المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية لأهداف مدنية، في خطوة تُعد الأبرز منذ إطلاق المملكة “المشروع الوطني للطاقة الذرية” عام 2017.
ويمهد هذا الإعلان لمرحلة موسعة من الشراكة تتيح للرياض الوصول إلى التقنيات النووية الأميركية المتقدمة، بما في ذلك تقنيات محطات لإنتاج الطاقة من محطات نووية، الأمر الذي من شأنه تعزيز قدرتها على بناء منظومة نووية سلمية وفق معايير حظر انتشار السلاح النووي.
ووفقاً لوزارة الطاقة السعودية، أعلنت حكومتا البلدين اكتمال المفاوضات المتعلقة بالتعاون بينهما بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، كما تم الاتفاق بينهما على مشروع الاتفاقية ذات العلاقة، التي ستتيح التعاون بين البلدين في هذا المجال، ونقل التقنيات الأميركية المتقدمة إلى المملكة، بما في ذلك محطات لإنتاج الطاقة النووية.
ويأتي هذا التطور في وقت تتجه فيه الرياض إلى تطوير “دورة وقود نووي متكاملة”، تشمل استكشاف مواردها من اليورانيوم وإمكانات التخصيب مستقبلاً، في مقابل مطالب أميركية بالالتزام بقيود اتفاقيات التعاون النووي السلمي المعروفة بـ”اتفاقية 123″، والتي تفرض قيوداً على عمليات التخصيب داخل الدول الموقعة.
وذكرت وزارة الطاقة السعودية فعلاً أن الرياض وواشنطن اتفقتا على مشروع اتفاقية التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين البلدين والمعروفة بـ”اتفاقية 123″، فيما لم تتضح بعد مضامين هذا المشروع.
المشروع الوطني للطاقة الذرية
ودفع تصاعد أهمية تطبيقات العلوم والتقنيات النووية في مواجهة تحديات التنمية وتلبية احتياجات القطاعات السعودية المختلفة، إضافةً إلى ما تمتلكه المملكة من احتياطيات يورانيوم تقدر بأكثر من 5% من الاحتياطي العالمي، وفقاً لأحد تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى صدور أمر سام في يونيو 2017 بإنشاء “المشروع الوطني للطاقة الذرية”.
ويهدف مشروع السعودية، التي وقعت عام 1988 على اتفاقية منع انتشار الطاقة النووية، إلى بناء قطاع آمن وفعال للطاقة البديلة في المملكة، وتلبية الطلب المتزايد على مصادر الطاقة، وتحقيق الاستدامة الشاملة، بحسب المنصة الرقمية للموسوعة السعودية “سعوديبيديا”.
مكونات المشروع السعودي للطاقة الذرية
- المفاعلات النووية الكبيرة لدعم الحمل الأساسي في الشبكة الكهربائية طوال أيام السنة، إذ ينتج المفاعل الواحد منها قدرة كهربائية تتراوح بين 1200 إلى 1600 ميجاوات.
- توطين تقنيات وبناء المفاعلات الذرية الصغيرة المدمجة في مناطق معزولة عن الشبكة الكهربائية مثل المفاعلات النووية المدمجة الصغيرة عالية الحرارة والمبردة بالغاز (HTGR)، ومفاعلات تقنية “سمارت” التي يتلاءم استخدامها مع الصناعات البتروكيميائية والتطبيقات الحرارية وتحلية المياه.
-
دورة الوقود النووي، وهي الخطوة الأولى للسعودية في الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي، وتحتوي على برنامجين:
البرنامج الأول: مختص بتدريب وتطوير الموارد البشرية، وتأهيل علماء سعوديين مختصين في اكتشاف اليورانيوم، والاستفادة من خبراتهم المكتسبة في تطوير موارد المملكة الطبيعية، مما يسهم في خلق العديد من فرص العمل والاستثمار، وتوطين قطاع تقنيات إنتاج أكسيد اليورانيوم.
البرنامج الثاني: يقوم على التنقيب عن خامات اليورانيوم والثوريوم واستكشافها في السعودية.
- التنظيم والرقابة، ويتمثل في إنشاء هيئة الرقابة النووية والإشعاعية عام 2018 كهيئة مستقلة في المملكة مختصة بالتحقق من جوانب الأمن والسلامة الخاصة بالطاقة النووية والإشعاعات، والمنشآت النووية عبر عمليات التنظيم والرقابة والحوكمة لضمان الالتزام الوطني تجاه المجتمع والبيئة والالتزامات الدولية.
تخصيب وإنتاج وبيع
وتخطط السعودية لاستثمار جميع المعادن، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وبيعه، وتطمح إلى الوصول إلى 130 جيجاواط من الطاقة المتجددة؛ لكي يكون لديها 20% من الطاقة احتياطياً.
وأفاد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، في يناير 2023، بأن بلاده تسعى لبناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء، مشيراً حينها إلى وجود خطة لبناء مفاعلين لفهم التقنية قبل التوسع فيها.
وتحظى السعودية بأنشطة استكشاف دَلِتْ على وجود خامات يورانيوم في مناطق جغرافية متعددة داخل المملكة، من بينها جبل صايد في المدينة المنورة وجبل قرية في الشمال، وفقاً لما أكده وزير الطاقة، الذي أوضح أن “السعودية لديها جبلان يحتويان على العديد من المعادن النادرة مثل اليورانيوم”.
وفي كلمة أمام المؤتمر العام الـ67 للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا عام 2023، قال وزير الطاقة السعودي إن بلاده تعمل على تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في مختلف المجالات بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك مشروع المملكة الوطني للطاقة النووية، الذي يتضمن إنشاء أول محطة نووية في البلاد.
وتشدد السعودية على حق الدول في الاستفادة من التقنية النووية السلمية، بما فيها دورة الوقود النووي، واستغلال ثرواتها الطبيعية من خامات اليورانيوم تجارياً، بما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وعملت الرياض مؤخراً على استكمال المقومات الأساسية للاستعداد الإداري المتعلقة بالعمل الرقابي، والوفاء بمتطلبات تحقيق الالتزامات في اتفاق الضمانات الشاملة، والإجراءات التابعة له.
وخلال المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عام 2024، أعلن وزير الطاقة السعودي أن المملكة ستنتقل من نظام “بروتوكول الكميات الصغيرة” إلى تطبيق “اتفاق الضمانات الشاملة” للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يسمح برقابة أوسع على منشآتها النووية.
