دعا القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الولايات المتحدة وحلفاء بلاده الإقليميين إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل 2023، مؤكداً أن “أي سلام دائم يستلزم تفكيك قوات الدعم السريع”.
وقال البرهان في مقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، الثلاثاء، إن السودانيين ينظرون بإيجابية إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير الخارجية ماركو روبيو الأخيرة بشأن الحرب، معتبراً أنها “سمّت الأشياء بمسمياتها، وحددت الطرف المسؤول عن اندلاع الصراع”.
وأضاف أن الشعب السوداني ينتظر من واشنطن “البناء على هذا الوضوح واتخاذ الخطوة التالية”، مشيراً إلى أن هناك قناعة واسعة بأن الإدارة الأميركية الحالية تمتلك “الصرامة الكافية” لمواجهة الأطراف الخارجية التي تساهم في إطالة أمد الحرب.
وتابع: “على نفس المنوال، كانت التصريحات الإيجابية للرئيس دونالد ترمب عقب لقاءاته مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مُشجعة”.
ورحب في هذا الإطار بـ”الجهود الصادقة التي تبذلها الولايات المتحدة والسعودية لضمان سلام عادل ومنصف في السودان”، وقال: “نُقدّر حرصهما المُستمر والتزامهما بالعمل على وقف إراقة الدماء”.
“شرارة الحرب”
وذكر البرهان أن جذور النزاع تعود إلى “تمرد قوات الدعم السريع على الدولة” في أبريل 2023، مضيفاً أنها “حشدت قواتها سراً حول الخرطوم، وسيطرت على مواقع استراتيجية قبل مهاجمة مقار الحكومة والجيش”.
وقال: “في أبريل 2023، انقلبت قوات الدعم السريع على الجيش الوطني الذي تعهدت بالانضمام إليه: سرّبت قواتها سرّاً في محيط الخرطوم ومدن رئيسية، واستولت على مواقع استراتيجية، وهاجمت منشآت حكومية وعسكرية. وكانت تلك الخيانة هي الشرارة التي دفعت السودان إلى الحرب”.
وأردف: “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وجهات أخرى وثّقت عمليات قتل جماعي وعنف جنسي وترويع للمدنيين السودانيين ارتكبتها هذه الميليشيا. وعندما سيطرت قواتها على مدينة الفاشر أواخر أكتوبر، أفادت التقارير بأنها ذبحت آلاف المدنيين. وقال مدير مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل إن مصادر ميدانية قدّرت عدد الضحايا بـ10 آلاف قبل أن تُقطع الاتصالات بالموقع—أي ما يقارب 5 أضعاف عدد من قُتلوا في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، في مقياسٍ قاتم لما خلّفه هذا العنف من هول”.
وقال البرهان إن “الفرصة الوحيدة التي قد تبقى مفتوحة أمام أفراد قوات الدعم السريع هي إمكانية دمج عناصر من الميليشيا في الجيش الوطني، ولكن وفق معايير مهنية صارمة”.
وأضاف: “يتطلع الشعب السوداني الآن إلى واشنطن لاتخاذ الخطوة التالية: البناء على صدق الرئيس الأميركي والعمل معنا ومع من يسعون بصدق إلى السلام في المنطقة لإنهاء هذه الحرب. يُجمع السودانيون على أن الرئيس دونالد ترمب قائدٌ يتحدث مباشرةً ويتصرف بحزم. يعتقد الكثيرون أنه عازم على مواجهة الجهات الخارجية التي تُطيل معاناتنا”.
مخاطر الحرب
وحذر البرهان من أن ساحة المعركة “لن تبقى محصورة في حدودنا”، مشيراً إلى أنها تهدد استقرار البحر الأحمر شرقاً ومنطقة الساحل الهشة غرباً.
وأضاف: “تشكل الحرب خطراً مباشراً على المصالح الأميركية، لقد جعلت قوات الدعم السريع عداءها لأميركا جلياً لا لبس فيه”.
وقال: “في وقت مبكر من الحرب، أفادت شبكة NBC باستهداف موكب دبلوماسي أميركي على أيدي مقاتلين مرتبطين بالدعم السريع. وفي سبتمبر 2024، توفي حارس في السفارة الأميركية أثناء احتجاز قوات الدعم السريع له، وفقاً لمكتب الشؤون الإفريقية في الولايات المتحدة. هذه ليست أفعال طرف يبحث عن السلام أو يحترم الأعراف الدولية”.
وأفاد البرهان بأن السودان “لا يطلب صدقة، أو من جهات خارجية أن تختار بين قادة مُحددين، بل نطلب من العالم أن يختار بين الاستقرار والعنف، بين دولة ذات سيادة تحاول حماية مواطنيها وميليشيا إبادة جماعية عازمة على تدمير المجتمعات”.
وزاد: “عندما تنتهي الحرب، ويجب أن تنتهي، يريد السودان أن يكون شريكاً قوياً للولايات المتحدة. نريد المساعدة في حماية الاستقرار الإقليمي، ومحاربة الإرهاب، وإعادة بناء مدننا وبلداتنا المُدمرة. سيكون للشركات الأميركية دورٌ مهمٌ في إعادة الإعمار والاستثمار والتنمية طويلة الأجل”.
وقال رئيس مجلس السيادة السوداني في المقال: “نريد أن يستعيد السودان دوره كقوة إقليمية إيجابية. تحت قيادتي، اتخذ السودان خطوةً تاريخيةً في عام 2021 بالانضمام إلى اتفاقات أبراهام. نؤمن بأن السلام والتعاون هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي. ولا تزال هذه الرؤية نبراساً لنا”.
وتابع: “لا يمكن تحقيق سلام حقيقي في السودان بالوسائل العسكرية وحدها. فلا بد أن يقوم على الديمقراطية وسيادة القانون وحماية حقوق شعبنا. ولا تزال القوات المسلحة السودانية ملتزمة بالانتقال نحو الحكم المدني—وهو مسار أوقفته الحرب، لكنه لم يُهمل. إن شعبنا يستحق أن يختار قادته، وأن يصوغ مستقبله”.
وأضاف أن السودان يقف عند مفترق طرق، إذ أن أحد المسارين يؤدي إلى الانهيار والفوضى الإقليمية، والآخر يقود إلى التعافي وتحقيق وعد طال انتظاره بالديمقراطية والاستقرار.
وقال في هذا السياق: “لا يمكننا السير في هذا الطريق وحدنا. نحن بحاجة إلى شركاء يدركون المخاطر، ومستعدون لمواجهة الحقائق المزعجة. يقف السودان على أهبة الاستعداد للعمل البناء مع إدارة الرئيس ترمب ومع كل من يسعى بصدق إلى السلام (…) لا يمكن بناء السلام على الأوهام، بل يجب أن يُبنى على الحقيقة، وفي هذه اللحظة، الحقيقة هي أقوى حليف للسودان”.
