“البقاليات” السورية في تركيا.. ملتقى لا يقتصر على بيع السلع
– حسام المحمود
وسّعت “البقاليات” السورية في تركيا مع مرور الوقت من قدراتها على تلبية احتياجات زبائنها، عبر انتقال أصحابها من بيع السلع السورية، وتلك التي لا يجدها السوريون إلا في محالهم، وصولًا إلى تقديم خدمات مأجورة لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بعمل “البقاليات”، مع فارق واضح في الأسعار بين المتاجر السورية والتركية للسلعة ذاتها.
وإذا كانت “البقالية” السورية بدأت عند اللجوء إلى تركيا قبل أكثر من عقد من الزمن، ببيع سلع سورية لا يستغني عنها كثير من اللاجئين، كالخبز والقهوة السورية والمتة، لكنها وسعت بعد قليل من إطار مبيعاتها بتقديم السلع التركية أيضًا، لكن بأسعار غير منافسة.
رصدت تفاوتًا في أسعار بعض المنتجات المعروضة في المتاجر التركية والسورية، وبدا واضحًا ارتفاع أسعار بعض هذه السلع في “البقاليات” السورية عما هي عليه في المتاجر التركية.
أحمد شاب سوري صاحب “بقالية” في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول، عزا هذه الحالة إلى آلية الحصول على المنتج، كون المتاجر التركية الكبيرة مثل “BIM” و”A101″ وغيرهما هي مؤسسات تجارية كبيرة متعددة الأفرع، تبيع المنتجات على امتداد الأراضي التركية، وهو ما يفسر حصولها على السلعة بأسعار أقل، لتبيعها للمشتري بأسعار تباركها الدولة، بينما يحصل الدكان السوري على منتجاته من تجار تجزئة يقدمون السلعة بسعر أعلى نسبيًا.
وبالنسبة لآلية مراقبة الأسعار من قبل الحكومة التركية، أوضح الشاب البائع أن زيارات الجهات الرقابية للمحال السورية تقتصر على زيارة أو اثنتين في العام لمراقبة الحالة العامة والنظافة ووجود أسعار معلنة للسلع، دون تدخل في التسعير أصلًا.
دفتر دَين وخدمات أخرى
في كثير من “البقاليات” السورية يظهر دفتر قديم متهالك مليء بالخطوط الفاصلة والتشطيبات والصفحات القديمة التي لم يحسم مصيرها بعد بجرة قلم، هذا دفتر الدَين الذي تعتمده “بقاليات” بعضها تنادي علانية بمنع الدَين، وتسلّم فيما بعد بحتمية هذه الحالة لجذب الزبائن.
ظروف العمل ومقتضيات فتح هذا الدفتر وإغلاقه تفاوتت بين سوريا وخارجها، فإذا كانت حسابات الدَين لدى “البقاليات” في سوريا تفتح من قبل أرباب منازل معروفي العناوين وكثيرًا ما يقيمون في الحي نفسه الذي توجد به “البقالية”، فإنها اليوم تفتح من قبل جيل أبناء في كثير من الأحيان، ينتظرون معاشاتهم الشهرية لتسديد ديونهم أو بعضها لدى صاحب “البقالية” التي تنحصر معرفته بالزبون المقترض بالاسم الأول ربما ورقم الهاتف المحمول، ما يحمل جرعة أعلى من المخاطرة بالتعرض لاحتيال تحدث عنه صاحب إحدى “البقاليات” ل، مشيرًا إلى اعتماده حذرًا أكبر في مسألة الدَين، وعدم القبول بعملية بيع على هذا الأساس إلا لزبائن محددين خبر سلوكهم الشرائي وشيئًا من قدراتهم المالية التي تبدو من أسلوب الشراء ونوعه وكميته ووتيرته الزمنية.
في هذه “البقاليات” أيضًا، التي تحوي كرسيًا لضيف أو زائر، تروى الأحاديث حول أوضاع السوريين في تركيا، ويتناقل السوريون جزءًا من هواجسهم حول السفر والرغبة بالهجرة، فالتصريف من الليرة التركية إلى الدولار، يقوم على رغبة بجمع مبلغ من المال بالقطع الأجنبي لتجهيز تكاليف السفر أو الهجرة من تركيا.
وإلى جانب دفتر الدَين الذي يشكل ربما نوعًا من المغريات لدى بعض الزبائن، تقدم هذه “البقاليات” خدمات تقوم عليها مهن معينة كتحويل الأموال إلى داخل سوريا، وتسليمها عبر مكاتب أو باليد، وتصريف العملة، وتحويلها من الليرة التركية إلى الدولار الأمريكي، واستخراج أوراق حكومية و”تتريك” هواتف محمولة (تسجيلها على شبكة الاتصالات التركية)، إلى جانب بيع الدخان المهرب منخفض السعر مقارنة بالتبغ التركي النظامي، وبيع الأعشاب والأدوات التكنولوجية كشواحن الهواتف وسماعاتها.
أسعار مبالغ بها
التفاوت في الأسعار وإن بدا مقبولًا نسبيًا في سياق محدد، لكنه بدا مبالغًا به في أسعار منتجات كمالية رصدت أسعارها لدى الطرفين، فمثلًا، تقدم المتاجر التركية عروضًا للعطورات وماكينات الحلاقة وكريمات العناية بالبشرة ليست ذات أساس طبي قد يتطلب وصفة خاصة، وعرضت هذه المتاجر هذه المنتجات بأسعار مقبولة أو منخفضة نسبيًا، لتقدم بعض “البقاليات” السورية السلعة ذاتها بسعر يفوق الضعفين أو الثلاثة عما هو عليه أصلًا.
إياد شاب سوري يقيم في اسطنبول، أوضح ل أن اعتماده كزبون سوري ينحصر بين المتاجر التركية الكبيرة المذكورة سابقًا، و”البقاليات” السورية الصغيرة، في ظل وجود فارق أسعار حاد بين الجانبين، يدفعه لشراء منتجات محددة فقط من “البقالية” السورية، كالخبز والقهوة السورية والمتة وزيت الزيتون السوري.
كما أشار الشاب إلى وجود عروض في المتاجر التركية وأسعار مشجعة تغيب عن “البقاليات” السورية، مع اعتماد أساسي على البقالية السورية في شراء الخبز مثلًا، أو أنواع بسيطة مقبولة السعر من المعجنات أو الحلويات السورية (المعمول).
“لم أشترِ في حياتي أرزًا أو سكرًا من بقالية سورية، والاعتماد الأساسي على المتاجر التركية”، أضاف إياد.
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أوضح في وقت سابق، ل، أن محتويات “البقالية” توسعت مع مرور الزمن، فإذا كانت تحتوي في السابق المنتجات الأساسية والغذائية، تضم اليوم أيضًا أصنافًا أخرى، جعلت الدكاكين السورية في تركيا أكثر من “بقاليات”، ويمكن تصنيفها تحت اسم “ماركت” أو “ميني ماركت”، كونها تحوي مواد ليست فقط غذائية أو مواد “البقالية” بمدلولها العام.
كما أن كثيرًا من المنتجات التي كانت تنتج في سوريا نقلت معاملها إلى تركيا، وهي تقدم منتجاتها بعد دفع الضرائب والواجبات الاقتصادية وغيرها ما جذب بعض الأتراك أيضًا للشراء من “البقاليات” السورية.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في تركيا الذي أعلن عنه وزير العمل والضمان الاجتماعي، فيدات إيشيكان، في 27 من كانون الأول 2023، بنسبة زيادة بلغت نحو 49%، 17002 ليرة تركية، بدلًا من 11402 ليرة.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة التركية 32.8 ليرة تركية للدولار الأمريكي الواحد، بحسب موقع “DOVIZ” المتخصص بأسعار صرف العملات.
ويبلغ عدد السوريين المقيمين في اسطنبول تحت “الحماية المؤقتة” نحو 530 ألف سوري، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية عن مديرية إدارة الهجرة في الولاية، في 21 من حزيران الحالي.
وكانت رئاسة الهجرة التركية أعلنت، في أيار الماضي، عن إحصائية لأعداد السوريين في تركيا، أظهرت انخفاض عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا والحاصلين على بطاقة “الحماية المؤقتة” إلى أدنى مستوى له منذ عام 2017، ليصل إلى إجمالي ثلاثة ملايين و115 ألفًا و536 شخصًا، وفق ما نقلت عنها منظمة” اللاجئين “التركية.
ويؤثر انخفاض قيمة العملة التركية على المستوى المعيشي للمواطنين الأتراك والسوريين في تركيا، ومناطق الشمال السوري التي تعتمد الليرة التركية عملة للتداول في الأسواق.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي