تبحث إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خططاً لإنشاء “قوة تدخل سريع”، تتألف من مئات من عناصر الحرس الوطني، تكون مهمتها الانتشار السريع في المدن الأميركية التي تشهد احتجاجات أو اضطرابات، حسبما أفادت صحيفة “واشنطن بوست” نقلاً عن وثائق داخلية في وزارة الدفاع الأميركية. 

وتقضي الخطة بأن يكون 600 جندي في حالة تأهب دائم، بحيث يمكن نشرهم خلال ساعة واحدة فقط، وفق ما تشير الوثائق، وسيجري تقسيمهم إلى مجموعتين كل واحدة قوامها 300 جندي، يتمركزون في قواعد عسكرية بولايتي ألاباما، وأريزونا، وتتولى الأولى نطاق العمليات شرق نهر الميسيسيبي، والثانية غربه. 

وتُظهر تقديرات التكلفة الواردة في الوثائق أن تنفيذ هذه المهمة، إذا جرى اعتماد المقترح، قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات في حال تطلب الأمر وضع طائرات عسكرية وطاقمها في حالة جاهزية على مدار الساعة، أما نقل الجنود عبر شركات الطيران التجارية فيُعد أقل تكلفة، بحسب الوثائق. 

“مقترح غير مسبوق”

ويمثل هذا المقترح، الذي لم يُكشف عنه سابقاً، توسعاً محتملاً جديداً في استعداد ترمب لاستخدام القوات المسلحة على الأراضي الأميركية، ويعتمد على بند في القانون الأميركي يتيح للقائد الأعلى للقوات المسلحة تجاوز القيود المفروضة على استخدام الجيش داخل البلاد. 

وتحمل الوثائق، التي وُسمت بأنها “مسودة ما قبل القرار”، مناقشات شاملة حول التداعيات المجتمعية المحتملة لإنشاء مثل هذا البرنامج. 

ووفق التقرير، أعد هذه الوثائق مسؤولون في الحرس الوطني، وتحمل أختاماً زمنية تعود إلى أواخر يوليو الماضي وأوائل أغسطس الجاري، وتشير إلى أن السنة المالية 2027 ستكون أقرب موعد يمكن فيه إنشاء البرنامج وتمويله عبر العملية التقليدية لميزانية البنتاجون، مع بقاء إمكانية البدء به في وقت أبكر من خلال مصدر تمويل بديل. 

كما لا يُعرف ما إذا كان المقترح قد عُرض بالفعل على وزير الدفاع بيت هيجسيث، وامتنع متحدثون باسم وزارة الدفاع عن التعليق، فيما لم يرد مكتب الحرس الوطني على طلب “واشنطن بوست” للتعليق. 

ورغم أن معظم قيادات الحرس الوطني تملك فرق استجابة سريعة للاستخدام داخل ولاياتها، فإن المقترح الذي تدرسه إدارة ترمب ينص على نقل القوات من ولاية إلى أخرى. 

وكان الحرس الوطني قد اختبر هذه الفكرة قبل انتخابات 2020، بوضع 600 جندي في حالة تأهب في أريزونا وألاباما، استعداداً لاحتمال اندلاع أعمال عنف سياسي في البلاد، وجاء هذا الاختبار بعد أشهر من الاضطرابات التي عمت مدناً أميركية عدة إثر مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، وهو ما دفع إلى نشر الحرس الوطني في مواقع عديدة. 

وفي تلك الفترة، ومع اقتراب نهاية ولايته الأولى، سعى ترمب إلى نشر قوات قتالية من الجيش النظامي، فيما حثه وزير الدفاع آنذاك، مارك إسبر، ومسؤولون آخرون في البنتاجون على الاكتفاء بالحرس الوطني المدرب على التعامل مع الاضطرابات المدنية. 

لماذا الآن؟

ويُعد ترمب من الرؤساء القلائل الذين لجأوا إلى استدعاء الجيش لأغراض داخلية، وآخر مرة فعل ذلك كانت يوم الاثنين الماضي، عندما أجاز تعبئة 800 عنصر من الحرس الوطني في العاصمة واشنطن لدعم أنشطة إنفاذ القانون، والتي قال إنها ضرورية لمواجهة الجريمة العنيفة.

لكن بيانات شرطة العاصمة تشير إلى تراجع هذه الحوادث، فيما وصفت عمدة المدينة القرار بأنه “مُقلق وغير مسبوق”. 

وفي وقت سابق من هذا العام، وعلى الرغم من معارضة حاكم ولاية كاليفورنيا وديمقراطيين آخرين، أرسل ترمب أكثر من 5 آلاف عنصر من الحرس الوطني ومشاة البحرية النظاميين إلى لوس أنجلوس، بموجب صلاحية نادراً ما تُستخدم، تتيح للجيش التدخل لقمع التمرد. 

وقال مسؤولون في الإدارة حينها إن المهمة “ضرورية لحماية الموظفين والممتلكات الفيدرالية” وسط احتجاجات ضد سياسات ترمب المتعلقة بالهجرة، بينما وصف منتقدوه هذه الخطوة بأنها “غير ضرورية وتمثل تجاوزاً صارخاً للسلطات”، وسرعان ما وجد كثير من الجنود أنفسهم يؤدون مهام دعم غير مرتبطة بالمهمة، بينها مداهمة مزرعة للقنب على بعد أكثر من 100 ميل. 

كما أرسلت إدارة ترمب آلاف الجنود إلى الحدود الجنوبية في “عرض قوة” لردع الهجرة غير الشرعية. 

وأوضحت “واشنطن بوست” أن قوات الحرس الوطني يُمكن استدعاؤها لمهام فيدرالية داخل الولايات المتحدة بموجب سلطتين رئيسيتين: الأولى، وفق “الباب 10” من القانون، تضع القوات تحت سلطة الرئيس، حيث يمكنها دعم أنشطة إنفاذ القانون لكن دون القيام بعمليات اعتقال أو تحقيقات. 

أما الثانية، فهي “الباب 32″، وهي حالة مزدوجة فيدرالية-ولائية، تبقى فيها القوات تحت سيطرة حاكم الولاية، لكن بتمويل فيدرالي، ما يتيح لها مساحة أوسع للمشاركة في مهام إنفاذ القانون، وقد وصل عناصر من الحرس الوطني من ولايات أخرى إلى العاصمة واشنطن عام 2020 في ظل هذه الحالة، خلال احتجاجات العدالة العرقية. 

ويقضي المقترح الحالي بأن يتمكن الرئيس من استدعاء القوات إلى أي ولاية تشهد اضطرابات، وتقر الوثائق التي تفصل الخطة بإمكانية حدوث خلاف سياسي إذا رفض حاكم الولاية التعاون مع البنتاجون. 

أنشطة الجيش داخل الولايات المتحدة

وأعرب بعض الخبراء القانونيين عن قلقهم من المقترح، إذ قال جوزيف نون، المحامي في “مركز برينان للعدالة” المتخصص في القضايا القانونية المرتبطة بأنشطة الجيش داخل الولايات المتحدة، إن إدارة ترمب تعتمد على “نظرية قانونية هشة” تتيح للرئيس صلاحيات واسعة لحماية الممتلكات والوظائف الفيدرالية. 

ويرى نون أنه لا ينبغي تطبيع مشاركة الجيش بشكل روتيني في إنفاذ القانون، وأوضح أن الاستراتيجية تتعقد أكثر لأن أفراد الحرس الوطني في ولاية معينة لا يمكنهم العمل في ولاية أخرى دون الحصول على إذن مسبق.

كما حذر من أن أي قوة رد سريع للاضطرابات المدنية تخاطر بخفض العتبة اللازمة لنشر الحرس الوطني في المدن الأميركية. 

وأضاف نون: “عندما تكون هذه الأداة متاحة بين يديك، سترغب في استخدامها”، وأضاف: “هذا في الواقع يزيد من احتمالية نشر القوات محلياً، وإلا فلماذا يكون هناك قوة؟”. 

وترى ليندسي كوهن، الأستاذة المساعدة في شؤون الأمن القومي بكلية الحرب البحرية الأميركية، أن المقترح يمثل خروجاً كبيراً عن الاستخدام التقليدي للحرس الوطني، إذ رغم أنه من غير المألوف نشر هذه القوات في حالات الطوارئ داخل الولايات، بما في ذلك الاضطرابات المدنية، فإن الوضع الحالي “غريب للغاية لأنه، أساساً، لا شيء يحدث”. 

وأضافت: “الجريمة في تراجع، ولا توجد احتجاجات أو اضطرابات كبرى، ولا مقاومة كبيرة من الولايات، لسياسات الهجرة الفيدرالية”، وتابعت: “هناك القليل جداً من المؤشرات على احتمال وقوع أحداث كبيرة قريباً”. 

كما حذرت كوهن من أن المقترح قد يؤثر سلباً على موارد الحرس الوطني التي قد تكون ضرورية للتعامل مع الكوارث الطبيعية أو حالات الطوارئ الأخرى. 

انتقادات لإدارة ترمب

وتنص الخطة على تدوير عناصر من وحدات الحرس الوطني التابعة للجيش وسلاح الجو من عدة ولايات، بينها ألاباما وأريزونا وكاليفورنيا وإلينوي وماريلاند وميشيجان وميسيسيبي وميزوري ونبراسكا ونيو مكسيكو ونورث كارولاينا ونورث داكوتا وبنسلفانيا وساوث كارولاينا وتينيسي، بحسب الوثائق. 

وقال كارتر إليوت، المتحدث باسم حاكم ولاية ماريلاند الديمقراطي ويس مور، إن الحكام وقيادات الحرس الوطني هم الأقدر على تحديد كيفية دعم إنفاذ القانون في حالات الطوارئ، وأضاف: “هناك إجراء راسخ لطلب المساعدة الإضافية في أوقات الحاجة، وإدارة ترمب تتجاهل هذا المبدأ بوضوح وبخطورة”. 

وتضمنت إحدى مذكرات العمل الواردة في الوثائق، والمؤرخة في 22 يوليو، توصية بتوفير تدريب إضافي لشرطة الجيش والقوات الأمنية في سلاح الجو لتنفيذ المهمة، وتوضح أن المذكرة أُعدت لهيجسيث من قِبل إلبردج كولبي، مساعد وزارة الدفاع للسياسات. 

وسيتم تجهيز كل من المجموعتين المتمركزتين في المقرين بالأسلحة ومعدات مكافحة الشغب، وفق الوثائق، وسيكون أول 100 عنصر جاهزين للتحرك خلال ساعة، تليهم موجتان ثانية وثالثة خلال مهلة إنذار من ساعتين و12 ساعة على التوالي، أو يتم نشر الجميع فوراً عند وضعهم في حالة إنذار قصوى. 

كما تفيد الوثائق بأن فرق التدخل السريع ستعمل في إطار المهمة الموكولة لها لمدة 90 يوماً “لتفادي الإرهاق”. 

“آثار سلبية للخطة”

وتكشف الوثائق أيضاً عن مناقشات داخلية “صريحة على نحو غير معتاد” حول الآثار السلبية المحتملة إذا تم تنفيذ الخطة، ومنها أن المهام المفاجئة قد “تؤثر بشكل كبير على التطوع للخدمة”، ما قد يضر بقدرة الجيش على الاحتفاظ بالأفراد، مشيرة إلى أن عناصر الحرس وعائلاتهم وأرباب عملهم المدنيين “يتأثرون بشدة من عمليات الاستدعاء المفاجئة”. 

كما تبرز الوثائق مخاوف أخرى، من بينها:

  • انخفاض الجاهزية المحلية: قد يتراجع عدد عناصر الحرس المتاحين لحالات الطوارئ المحلية، مثل حرائق الغابات والأعاصير. 
  • إجهاد الأفراد والمعدات: تؤدي عمليات الانتشار الداخلية المتكررة إلى إرهاق الأفراد وتسريع اهتراء المعدات، خاصة تلك غير المصممة للمهام المدنية الطويلة. 
  • تعطيل التدريب: يمكن أن تؤدي المهام الداخلية المكثفة إلى تعطيل الجداول التدريبية وإضعاف القدرات الأساسية، ما يؤثر في الجاهزية القتالية. 
  • أعباء مالية ولوجستية: قد تؤدي العمليات المستمرة إلى استنزاف الميزانيات، وتطلب تمويلاً طارئاً أو التأثير في أنشطة مخططة أخرى. 
  • تأثير سياسي وشعبي: دعم الحرس الوطني لوزارة الأمن الداخلي قد يثير حساسيات سياسية وأسئلة حول التوازن المدني-العسكري، والجوانب القانونية لدور الحرس كقوة غير حزبية. 

كما أعرب مسؤولون عن قلقهم من أن النشر السريع قد يخلق “وضعاً عشوائياً” مع سعي الحكومات المحلية والولائية للتنسيق على عجل. 

ورفض أحد المسؤولين المذكورين في الوثائق فكرة الاعتماد على الطيران العسكري كوسيلة أساسية للنقل، مشيراً إلى العبء الكبير الناتج عن فحوص الصيانة اليومية للطائرات، ووضع طواقمها في حالة استعداد دائم.  

واقترح المسؤول بدلاً من ذلك التعاقد مع شركات مثل “ساوث ويست إيرلاينز” أو “أميركان إيرلاينز” عبر مراكز عملياتها في فينيكس وأتلانتا، وفق الوثائق. 

شاركها.