في خطوة تُعد الأكبر حتى الآن لمواجهة الهيمنة الصينية على سوق المعادن النادرة، استحوذت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، على حصة في شركة أميركية رائدة في هذا القطاع، في محاولة لتأمين إمدادات المغناطيسيات المُستخدَمة في الصناعات العسكرية والتقنية.

وذكرت “بلومبرغ” أن وزارة الدفاع وافقت على استثمار بقيمة 400 مليون دولار، مقابل حصة من الأسهم في شركة MP Materials، وهي الشركة التي أعادت تشغيل منجم كان مهجوراً في منطقة “ماونتن باس” بولاية كاليفورنيا.  

ويأتي هذا الاستثمار ضمن حزمة تمويل إجمالية تبلغ مليار دولار، بمشاركة كل من JPMorgan Chase & Co وGoldman Sachs Group Inc، سيتم استخدامها لإنشاء مصنع ضخم جديد لإنتاج مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة. 

وقفزت أسهم شركة MP Materials بنسبة وصلت إلى 60% في بورصة نيويورك، كما ارتفعت أسهم شركات أخرى عاملة في هذا القطاع، وسط توقعات أن تحصل هذه الصناعة على دعم حكومي مباشر.

كما ارتفعت أسهم شركة Lynas Rare Earths Ltd الأسترالية، التي تبني مصفاة في ولاية تكساس، بنسبة 20%، وهي أكبر قفزة لها منذ أكثر من خمس سنوات.

وقالت شركة Jefferies LLC، وهي مؤسسة استثمارية متخصصة في الاستشارات المالية، في مذكرة بحثية: “يعكس حجم التزام الولايات المتحدة الأهمية الاستراتيجية لمغناطسيات المعادن النادرة، كما أنه يواجه بشكل مباشر الهيمنة الصينية في هذا المجال”. 

ورقة ضغط صينية

ولطالما اعتمدت الولايات المتحدة على الصين في استيراد المعادن النادرة، وهي ورقة ضغط استغلتها بكين خلال الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث فرضت قيوداً على تصدير هذه المواد رداً على التعريفات الجمركية الأميركية، وهو ما أعطى دفعة قوية لجهود الولايات المتحدة لتأسيس بديل محلي، بحسب “بلومبرغ”.

وتُنتج الصين نحو 90% من مغناطسيات المعادن النادرة الدائمة على مستوى العالم، وهي مكونات صغيرة الحجم وعالية الكفاءة تُستخدم في السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والطائرات المقاتلة. وكانت شركة Ford Motor اضطرت إلى خفض الإنتاج في أحد مصانعها بسبب القيود الصينية، التي ساهمت أيضاً في تعميق التوتر بين بكين والاتحاد الأوروبي. 

وتُدير MP Materials منجم المعادن النادرة الوحيد في الولايات المتحدة، وتقود حالياً مشروع تطوير مصنع لإنتاج المغناطيس. ووفقاً لبيان صادر عن الشركة، فإن التمويل الجديد سيُوجَّه لإنشاء مصنع ثانٍ يُعرف باسم “المنشأة 10X”، في موقع سيتم اختياره قريباً. 

وأضافت الشركة أن المنشأة الجديدة، المتوقع أن تبدأ التشغيل التجريبي في عام 2028، سترفع الطاقة الإنتاجية الأميركية من مغناطسيات المعادن النادرة إلى 10 آلاف طن سنوياً. 

وبموجب الاتفاق، سيحصل البنتاجون على حصة تبلغ 15% من أسهم الشركة، ليُصبح بذلك أكبر مساهم فيها. كما وافقت وزارة الدفاع على شراء كامل إنتاج المصنع الجديد من مادتي النيوديميوم والبراسيوديميوم، وهي عناصر حيوية تُستخدم في تصنيع أنظمة الأسلحة والمركبات الكهربائية، بسعر لا يقل عن 110 دولارات للكيلوجرام الواحد، بما يضمن حماية الشركة من الخسائر في حال تراجع الأسعار أو تزايد العرض العالمي المفاجئ.

آفاق جديدة 

وبحسب محللي Jefferies، فإن “بعض النقاد يرون أن مثل هذا التدخل الحكومي قد يؤدي إلى تشويه الأسواق، غير أن صناع القرار في الولايات المتحدة يعتبرونه تصحيحاً لنظام مشوَّه أصلًا”.

وأضافت مذكرة Jefferies، أن هذا النموذج قد يشكّل “الأساس الجديد لاقتصاديات المعادن النادرة في الغرب، مما يُحفّز المزيد من الاستثمارات على امتداد سلسلة التوريد”.

وذكرت “بلومبرغ”، أن المشاركة المباشرة لوزارة الدفاع، إلى جانب ترتيبات التوريد، قد تفتح آفاقاً جديدة لصناعات المعادن النادرة وغيرها من المعادن الحيوية في الولايات المتحدة. 

وفي مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ”، قال جيم ليتنسكي، الرئيس التنفيذي لشركة MP Materials: “أعتقد أن هذا الوضع غير مسبوق وفريد من نوعه”.

وأضاف: “وزارة الدفاع والإدارة الأميركية تدركان أننا بحاجة إلى النظر إلى سلسلة الإمداد بشكل شامل، ونأمل أن يشكّل هذا نموذجاً يُحتذى به في سيناريوهات مستقبلية تتطلب إعادة بناء صناعات استراتيجية”.

وتابع: “هذه المبادرة تمثل خطوة حاسمة من إدارة ترمب لتسريع استقلال سلسلة الإمداد الأميركية”. 

تدخل حكومي نادر

من جانبها، ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن الصفقة، التي وصفتها بـ”غير العادية”، تأتي في إطار جهود إدارة ترمب لكسر الهيمنة الصينية على المعادن الحيوية وتعزيز سلاسل التوريد المحلية. 

ووفق الصحيفة، فإنه نادراً ما تقوم الحكومة الأميركية باستثمارات مباشرة في شركات خاصة، لكن ذلك يحدث أحياناً لدعم تطوير تقنيات حيوية للأمن القومي أو لإنقاذ شركات تُصنَف على أنها ذات أهمية نظامية (أي تلك التي قد يؤدي انهيارها إلى اضطراب اقتصادي أو مالي واسع النطاق، مثل البنوك الكبرى أو شركات الطاقة العملاقة)، كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية. 

وأشارت الصحيفة، إلى أن مغناطيسات المعادن النادرة تُعد مكوناً أساسياً في العديد من أنظمة التسليح، إذ تُستخدم في مقاتلات F-35 من طراز “لايتنينج 2″، والطائرات المُسيّرة من طراز “بريديتور”، والغواصات من فئتي “فرجينيا” و”كولومبيا”.

وتحتاج طائرة F-35 الواحدة إلى نحو 900 رطل من هذه المعادن النادرة، كما تُستخدم في صواريخ “توماهوك”، والقنابل الموجهة التي طوَّرها سلاح الجو والبحرية الأميركية بشكل مشترك. 

وتنظر واشنطن إلى اعتمادها على الصين في هذا المجال باعتباره تهديداً للأمن القومي، خاصةً في ظل الهيمنة الصينية على عمليات استخراج وتكرير المعادن النادرة، إذ تسيطر بكين على نحو 55% من القدرة العالمية على التعدين، و85% من قدرات التكرير والمعالجة.

وفي أبريل الماضي، فرضت الحكومة الصينية قيوداً على تصدير سبعة عناصر من المعادن النادرة والمغناطيسات الدائمة، ما أدى إلى اضطرابات كبيرة في قطاعات السيارات والدفاع والتكنولوجيا، وتراجع صادرات المغناطيسات بنسبة 75%. وفي ذلك الوقت، صرّح وزير الداخلية الأميركي دوج بورجوم بأن البيت الأبيض يدرس الاستثمار في منتجين محليين لهذه المعادن الحيوية. 

وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن البنتاجون ضخّ أكثر من 430 مليون دولار منذ عام 2020 لتأسيس سلسلة إمداد محلية للمعادن النادرة، تشمل عمليات فصل وتكرير المعادن المُستخرَجة داخل الولايات المتحدة، وتحويلها إلى معادن جاهزة للاستخدام. 

وتتضمن الصفقة أيضاً بنود اتفاق توريد مُلزم، تضمن بموجبه وزارة الدفاع الأميركية شراء كامل إنتاج المصنع من المغناطيسات لمدة عشر سنوات مقبلة، كما ستقوم شركة MP Materials بتحديث مرافقها في منجم “ماونتن باس”، وهو المشروع الذي تلقى دعماً سابقاً من البنتاجون بقيمة 45 مليون دولار بين عامي 2020 و2022، لإعادة تشغيله بعد إفلاسه عام 2015.

شاركها.