أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب جدلاً واسعاً، بعدما أعلن استئناف الولايات المتحدة تجاربها النووية، في خطوة ربما تُحدث تحوّلاً جذرياً في سياسة أميركية ظلت مستقرة لعقود، فيما يواصل خصوم واشنطن توسيع ترساناتهم النووية وإجراء تجارب جديدة.

وعاد ملف الأسلحة النووية، الذي كان يُنظر إليه سابقاً باعتباره من مخلفات حقبة الحرب الباردة، إلى الواجهة مجدداً، مع إطلاق موسكو تهديدات نووية متكررة، بالتزامن مع حرب أوكرانيا.

وأعلنت روسيا، الأسبوع الماضي، اختبار صاروخ جديد، يعمل بالطاقة النووية يمكنه حمل رؤوس نووية، يُعرف باسم “بوريفيستنيك” (Burevestnik)، ويحمل الاسم الرمزي Skyfall لدى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بالإضافة إلى اختبار طائرة مسيّرة مسلحة نووياً تحت الماء.

روسيا تحذر من “تدهور استراتيجي”

في المقابل، قال سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرجي شويجو، إن تصريحات الرئيس ترمب بشأن التجارب النووية “تؤثر على الاستقرار الاستراتيجي، ولا نرغب في أن نشهد مزيداً من التدهور في هذا الصدد”.

وأضاف شويجو خلال مؤتمر صحافي على هامش مهرجان “شعوب روسيا ورابطة الدول المستقلة”، الجمعة، أن التجارب النووية “لم تتوقف في أي بلد، ولا ليوم واحد أو لساعة واحدة. ومع ذلك، فقد أُجريت باستخدام تقنيات حاسوبية، ولم تكن اختبارات مادية، بل على شكل نماذج رياضية”، مؤكداً في الوقت نفسه على أن مثل هذه الاختبارات ضرورية.

وأشار سكرتير مجلس الأمن الروسي، إلى أن “مثل هذه الاختبارات تجرى؛ لأن كل هذا يتطلب اهتماما مستمراً وتحسيناً مستمراً”.

أما الصين، فتعمل على بناء مزيد من صوامع الصواريخ النووية الأرضية، في حين كشفت كوريا الشمالية مؤخراً عن صاروخ باليستي عابر للقارات جديد تخطط لاختباره، ضمن ترسانة نووية يُعتقد أنها قادرة على الوصول إلى الأراضي الأميركية.

وحسبما ترى “أسوشيتد برس”، فإن تصاعد التهديدات النووية، بدأ يجد طريقه أيضاً إلى الثقافة الشعبية، من خلال أعمال سينمائية مثل الفيلم الأميركي الجديد A House of Dynamite.

تصريحات الرئيس الأميركي ترمب، بشأن التجارب النووية جاءت في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”، قبيل لقائه بنظيره الصيني شي جين بينج، إذ كتب الرئيس الأميركي: “بسبب عمليات الاختبار التي تُجريها دول أخرى، أصدرت تعليماتي لوزارة الحرب بالبدء في اختبار أسلحتنا النووية بالمثل. هذه العملية ستبدأ فوراً”.

لكن هذا الإعلان، أثار تساؤلات فورية، إذ إن الجهة المسؤولة عن الترسانة النووية الأميركية ليست وزارة الحرب “البنتاجون”، بل وزارة الطاقة ووكالتها التابعة شبه المستقلة، الإدارة الوطنية للأمن النووي NNSA، التي تتولى منذ تأسيس وزارة الطاقة عام 1977 مسؤولية الاختبارات النووية.

وأشار ترمب في منشوره أيضاً، إلى أن الولايات المتحدة “تمتلك أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى”، غير أن تقديرات جمعية الحد من التسلح، ومقرها واشنطن، تفيد بأن روسيا تملك نحو 5580 رأساً نووياً، مقابل 5225 رأساً للولايات المتحدة، وتشمل هذه الأرقام الرؤوس النووية “المتقاعدة” التي لا تزال في انتظار تفكيكها.

أما معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI، فذكر أن الولايات المتحدة تحتفظ بـ1770 رأساً منشوراً، و1930 رأساً احتياطياً، مقابل 1718 رأساً منشوراً و2591 رأساً احتياطياً لدى روسيا، وهو ما يجعل البلدين معاً يمتلكان نحو 90% من الرؤوس النووية في العالم.

الاختبارات النووية الأميركية

ومنذ أول تفجير نووي أميركي في عام 1945 والمعروف باسم Trinity، وحتى عام 1992، أجرت الولايات المتحدة 1030 تجربة نووية، وهو أعلى رقم مسجّل في العالم. ولا تشمل هذه الأرقام القنبلتين النوويتين اللتين استُخدمتا ضد اليابان في هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية.

وبدأت الاختبارات النووية الأميركية في الغلاف الجوي، قبل أن تُنقل لاحقاً إلى باطن الأرض للحد من التلوث الإشعاعي. ويُطلق العلماء على كل تجربة اسم “طلقة”.

وكان آخر اختبار نووي أميركي قد أُطلق عليه اسم “ديفايدر”، ضمن عملية “جولين”، وأُجري في سبتمبر 1992 في موقع نيفادا للأمن القومي، الواقع على بُعد نحو 105 كيلومترات من مدينة لاس فيجاس.

وأوقفت واشنطن، تجاربها النووية، في نهاية الحرب الباردة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتوقيعها معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية CTBT في عام 1996.

مع ذلك، أجرت دول مثل الهند وكوريا الشمالية وباكستان تجارب نووية لاحقاً، في حين تمتلك كل من بريطانيا وفرنسا أسلحة نووية، ويُعتقد منذ زمن طويل أن إسرائيل تمتلك قنابل ذرية أيضاً.

وتمتلك الولايات المتحدة، استناداً إلى بياناتها الواسعة من التجارب السابقة، قدرات محاكاة حاسوبية متقدمة وتقنيات متطورة، تتيح تقييم فعالية الأسلحة النووية دون الحاجة لإجراء تفجيرات فعلية. 

وقد دعم جميع الرؤساء الأميركيين منذ عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، خطط تحديث الترسانة النووية الأميركية، التي يُتوقع أن تصل تكلفتها إلى نحو تريليون دولار خلال العقد المقبل، وفق تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس الأميركي.

وتعتمد واشنطن في ردع أي هجوم نووي محتمل على ما يُعرف بـ “الثالوث النووي”، الذي يتكوّن من صواريخ أرضية، وقنابل نووية محمولة جواً، وصواريخ نووية تُطلق من غواصات في البحر.

مخاوف من سباق جديد للتسلح النووي

وحذّر خبراء في مجال منع الانتشار النووي، من أن أي مبرر علمي محتمل قد يطغى عليه رد الفعل الدولي الغاضب، ما قد يؤدي إلى إشعال سباق تسلح نووي جديد.

وكتب خبراء في نشرة “علماء الذرة” في فبراير الماضي: “قد يكون استئناف برنامج التجارب النووية الأميركي أحد أكثر القرارات تأثيراً لإدارة ترمب، إذ قد يشعل سلسلة من الأحداث غير المنضبطة، مع احتمال أن ترد دول أخرى بإجراء تجاربها الخاصة، مما قد يزعزع الأمن العالمي، ويعجّل باندلاع سباق تسلح نووي جديد”.

وأضاف الخبراء: “الهدف من إجراء اختبار نووي سريع، لا يمكن أن يكون علمياً، بل سياسياً بحتاً، وسيمنح روسيا والصين وغيرها من القوى النووية الضوء الأخضر لاستئناف برامجها التجريبية دون أي تكلفة سياسية أو اقتصادية تُذكر”.

شاركها.