اخر الاخبار

التجار الصغار ضحايا السيارات المستوردة

– جنى العيسى

أنعشت حركة استيراد السيارات إلى سوريا سوق السيارات المحلية من ناحية توفر المعروض، ودخول سيارات كانت السوق محرومة منها خلال فترة حكم النظام المخلوع الذي أوقف استيرادها لمنع نزيف القطع الأجنبي.

القرار الذي أصدرته الإدارة السورية الجديدة قبل أشهر أثر أيضًا بشكل سلبي على بعض تجار السيارات الصغار في السوق، ممن لا تسمح لهم إمكانياتهم باستيراد سيارات أوروبية، فخسروا قيمة معروضاتهم التي انخفضت أسعارها إلى ما دون النصف، وانعدمت حركة الشراء للسيارات القديمة بعد دخول أحدث منها إلى البلاد.

نهاية كانون الثاني الماضي، سمحت وزارة النقل السورية باستيراد السيارات إلى سوريا وفق شروط، واشترط القرار استيراد جميع أنواع السيارات والمركبات إلى سوريا على ألا يكون مضى على تصنيعها أكثر من 15 سنة.

معاون وزير النقل، محمد الرحال، قال في وقت سابق ل، إن القرار جاء نظرًا إلى حاجة السوق المحلية لأنواع جديدة من السيارات بما يتناسب مع القطاعات المختلفة والمساهمة بأعمال التطوير العام الاقتصادي لمنشآت الأعمال الخاصة والعامة.

ومع سياسة تخفيض الضرائب المفروضة سابقًا على هذا النوع من التجارات، فإنه يلاحظ انخفاض بأسعار السيارات بالمجمل في الأسواق السورية، وهذا يترافق مع ازدياد الطلب بشكل كبير على السيارات عمومًا في الأراضي السورية، مع توفر سيارات صنعت منذ ما يزيد على 15 عامًا بكثرة بالسوق المحلية تناسب فئات المجتمع، بحسب حديث الرحال.

“أوروبية” عبر الشمال والأردن

أدى فتح باب الاستيراد إلى انخفاض أسعار السيارات المستوردة حديثًا أو الموجودة سابقًا، ما نشط حركة سوق السيارات في سوريا، وفق ما قاله محمود ناصر، صاحب معرض لبيع السيارات في محافظة ريف دمشق، ل.

حول مصدر السيارات المستوردة حديثًا، أوضح محمود ناصر أنها في معظمها سيارات أوروبية مستعملة قادمة عبر الأردن أو الشمال السوري، وجزء أقل منها قادمة من الإمارات العربية المتحدة، وتصل إلى البلاد عن طريق المعابر البرية.

حول أنواع السيارات الأكثر مبيعًا خلال هذه الفترة، قال محمود ناصر، إن معظم زبائن السوق حاليًا يرغبون بشراء السيارات التي تعتمد على المازوت نظرًا إلى قلة تكلفة تشغيلها مقارنة بتلك العاملة على البنزين.

تختلف أسعار السيارات المستوردة حديثًا المطروحة في الأسواق بحسب سنة صنع السيارة وقوة المحرك وبعض المواصفات الإضافية، إلا أنها لا تقل إجمالًا عن خمسة آلاف دولار أمريكي، ومن الممكن أن تصل إلى حد 15 ألف دولار أمريكي، بحسب جولة أجرتها على عدة معارض لبيع السيارات.

تجار متضررون

محمد القاسم (33 عامًا) صاحب متجر صغير لبيع السيارات في دمشق، تعرض لخسائر بقيمة تصل إلى مئات ملايين الليرة السورية نتيجة فتح باب استيراد السيارات، وانخفاض أسعار السيارات المعروضة لديه إلى ما دون النصف، بحسب ما قاله ل.

وأضاف محمد أن متجره الآن لا يحتوي إلا على سيارات معروضة من قبل سقوط النظام، اضطر إلى عرضها بسعر مخفض جدًا عن السعر الذي اشتراه فيه، تماشيًا مع الأسعار الرائجة في السوق.

لم يستطع محمد القاسم حتى الآن استيراد أي نوع من السيارات، بسبب التكاليف التي تترتب على ذلك والتي لا يملكها بعد تعرضه لخسارات كبيرة.

معرض لبيع السيارات المستعملة المستوردة حديثًا في مدينة الكسوة بريف دمشق- 10 من نيسان 2024 (/ جنى العيسى)

معرض لبيع السيارات المستعملة المستوردة حديثًا في مدينة الكسوة بريف دمشق- 10 من نيسان 2024 (/ جنى العيسى)

خسائر بآلاف الدولارات

بعد أن كان ثمن سيارته النظامية نوع “سكودا أكتافيا” (2008) يعادل نحو 30 ألف دولار قبل سقوط النظام بيوم واحد، انخفض سعرها بنحو 50% لذلك يسعى خالد النايف (55 عامًا) إلى تعويض شيء من خسارته.

قال خالد ل، وهو تاجر سيارات من القامشلي، إن أصحاب مكاتب السيارات خصوصًا من يتاجرون فقط بالسيارات السورية (المسجلة والمجمركة لدى النظام سابقًا) وليس سيارات الإدخال (سيارات أوروبية تدخل المنطقة من المعابر التي تسيطر عليها “قسد” أو من الشمال السوري) تكبدوا خسائر “فادحة” بآلاف الدولارات بعد الهبوط الحاد والمفاجئ في أسعار السيارات السورية.

وأضاف أن السيارات التي كان يصل ثمنها إلى 30 ألف دولار تقريبًا انخفض لنحو 15 ألف دولار، بعد أن أصبحت السيارات الحديثة متوفرة وبأسعار رخيصة مع إمكانية جمركة هذه السيارات بأسعار منخفضة.

البيع بالتقسيط

يسعى التاجر خالد مثل العديد من التجار الذين قابلتهم إلى تعويض جزء من خسارته من خلال بيع السيارات السورية بالتقسيط وبأسعار متوسطة، وهذا ما لم يكن متاحًا قبل سقوط النظام، ويقول التجار إن ذلك يهدف إلى “تعويض جزء من الخسائر” التي تكبدوها.

كما يواجه أصحاب السيارات التي كانت موجودة سابقًا بالإضافة إلى انخفاض قيمة سياراتهم صعوبة في بيعها بسبب تفضيل المشترين للسيارات المستوردة حديثًا والتي تأتي بأسعار أقل، هذا الوضع دفع العديد من التجار إلى التوقف عن العمل أو تقليص نشاطاتهم للحد الأدنى.

بحسب ما رصدته لمكاتب بيع وشراء السيارات، في مناطق شمال شرقي سوريا، تشهد السوق حالة من الركود في تجارة السيارات بنوعيها الإدخال والسورية، كما أن الأسعار المعروضة قد يكون بعضها غير حقيقي أو مبالغًا فيه لعدم “ثبات الأسواق بعد”.

رسوم إضافية شرقي سوريا

قبل سقوط النظام بنحو شهر، باع غازي محمد (40 عامًا) من بلدة القحطانية سيارته السورية نوع “كيا” (موديل 2008) بـ12 ألف دولار.

قال غازي ل، إنه لو تأخر شهرًا واحدًا لباع سيارته ربما بنصف هذا الثمن، لذلك يعتبر نفسه “محظوظًا” بعد أن اشترى بثمنها سيارة إدخال حديثة نوع “فان H1” يعمل فيها بتوصيل الركاب على خط القامشلي- المالكية.

وأضاف غازي أن العديد من السكان كانوا يفضلون السيارات السورية حتى وإن كانت من موديلات قديمة وغالية الثمن، لسهولة التحرك بها بين مناطق “الإدارة الذاتية” والنظام سابقًا، ولأنها تحافظ على أسعارها فيستطيع بيعها متى شاء، وكذلك البعض كان يخشى من شراء سيارات الإدخال خوفًا من “الملاحقات الأمنية ومصادرة السيارة وإتلافها في حال وقع بيد أحد الحواجز الأمنية للنظام”.

وبحسب ما رصدته، فإن هناك العديد من أصحاب سيارات الإدخال أيضًا باعوا سياراتهم خصوصًا من موديلات ما قبل 2008، واحتفظوا بثمنها بانتظار أن تصل سيارات أحدث وأرخص مع توسع سوق السيارات الأوروبية في سوريا.

عبد السلام حسين، صاحب مكتب سيارات من الحسكة، قال ل، إن “الإدارة الذاتية” تسمح بدخول السيارات النظامية (المسجلة لدى النظام)، في حين أن سيارات الإدخال الأوربي القادمة من مناطق الحكومة الحالية يسمح لها بالدخول لمدة شهر فقط، وتمنح “كرت زيارة” بقيمة عشرة دولارات، ولا يسمح لهذه السيارات بالجمركة أو التسجيل في مناطق “الإدارة الذاتية” إذا كانت من موديل 2016 وقبل، فعند تجاوز مدة الشهر يتم حجز السيارة، أما سيارات الإدخال موديل بعد 2016 فيحق لسكان المنطقة شراؤها من غير محافظات وتسجيلها لدى “الإدارة الذاتية” بعد دفع رسوم وضرائب معينة.

ليست أولوية

قد يشكل انخفاض أسعار السيارات رغبة لدى المواطنين في امتلاك سيارة، إلا أن الوقت ليس مناسبًا الآن لاستيراد السيارات لأنه ليس أولوية اليوم في سوريا، بحسب ما يرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.

وقال الباحث، في تسجيل مصور عبر قناته في “يوتيوب“، إن القرار ليس خاطئًا إلا أن توقيته غير مناسب، إذ من الأجدى اليوم تحفيز الإنتاج وتوجيه كل رؤوس الأموال نحو العمل والاستثمار، ومن الممكن لاحقًا بعد تحسن الاقتصاد العودة إلى الاستيراد، الأمر الذي يمكن أن يحقق مصالح الجميع دون استثناء في ذلك الوقت، بحسب رأيه.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *