التداول الرقمي في سوريا.. فرصة استثمارية محفوفة بالمخاطر

– مارينا مرهج
بدأ عبد الله سليمان، الشاب الثلاثيني، رحلته في عالم العملات الرقمية عام 2020، مع ألعاب “P2E” أي اللعب مقابل الربح، والتي تقدم مكافآت صغيرة على شكل عملات رقمية، يقوم بسحبها إلى محفظته الرقمية، ومن ثم بيعها، والحصول على أموال رسمية يمكنه التعامل بها خلال حياته الطبيعية.
“لم يكن الأمر مهمًا في البداية”، بحسب ما رواه عبد الله ل، لكنه أخذ منحًا مغايرًا من خلال التفاعل بشكل أكبر داخل قنوات التواصل الاجتماعي المختصة بالعملات الرقمية، وإدراك القيمة الحقيقية لهذه العملات، ومجالات الاستثمار بها والاستفادة منها.
ويعد تداول العملات الرقمية أحد أساليب الوقوف في وجه التحديات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها السوريون، إذ يشكل فرصة استثمارية مثيرة للحصول على أرباح مجزية من خلال منصات التداول الرقمي.
وتوفر العملات الرقمية ومنصاتها طريقة لتخزين الأموال، وإدارتها والاستثمار بها، لتحقيق أرباح سواء على المدى القصير والطويل، عوضًا عن سهولة التحويل بين المنصات، التي استخدمها كثير من السوريين بديلًا عن الطرق التقليدية لتحويل الأموال من خارج سوريا وبالعكس.
مقدمة في العملات الرقمية
يُطلق اسم العملات الرقمية على مجموعة من الأصول الرقمية المشفرة لضروريات الأمان، يتم تداولها عن طريق شبكات الإنترنت، وتعمل باستخدام تقنية “بلوك تشين” (Blockchain) التي تسمح بنقل وتداول الأموال عبر الإنترنت.
تقنية “Blockchain” أو “سلسلة الكتل” هي آلية متقدمة لقواعد البيانات، تسمح بمشاركة المعلومات بشكل شفاف داخل شبكة أعمال، تخزن قاعدة بيانات “سلسلة الكتل” البيانات في كتل مرتبطة ببعضها.
وتعد البيانات متسقة زمنيًا لأنه لا يمكنك حذف السلسلة أو تعديلها من دون توافق من الشبكة.
ونتيجة لذلك، يمكنك استخدام تقنية “سلسلة الكتل” لإنشاء سجل حسابات غير قابل للتغيير أو ثابت، لتتبع الطلبات والمدفوعات والحسابات والمعاملات الأخرى. يحتوي النظام على آليات مدمجة تمنع إدخالات المعاملات غير المصرح بها وتُنشئ تناسقًا في طريقة العرض المشتركة لهذه المعاملات.
تتم عملية تداول العملات الرقمية عبر منصات تداول إلكترونية تسمح للمستثمرين بشراء وبيع العملات الرقمية المختلفة، ويتم تنفيذ عمليات التداول من خلال إدخال طلبات الشراء أو البيع ومطابقتها مع عروض من المستثمرين الآخرين على المنصة، وتُحسَب الأرباح والخسائر عندما يتم بيع العملة الرقمية بأرخص سعر من سعر الشراء، ويتم إيداع الأموال المكتسبة في حساب المستثمر، ويجب الانتباه إلى تقلبات أسعار العملات الرقمية واتباع استراتيجية تداول مناسبة لتحقيق الأرباح المرجوة.
وتنقسم أنواع محافظ العملات الرقمية المتاحة في سوريا، بين محافظ ساخنة (Hot Wallets)، تتطلب الاتصال بشبكة الإنترنت، وتتيح الوصول السريع إلى العملات الرقمية، ومحافظ باردة (Cold Walletts)، لا تتصل بالإنترنت وتعد أكثر أمانًا.
وبحسب مسؤول في موقع “ساتوشيات” (أحد مواقع التداول الرقمي المعتمدة والموثوقة من قبل المستثمرين في سوريا) ل، هناك فقط منصتان للتداول الرقمي يمكن الوثوق والعمل من خلالهما في سوريا، هما “coinex” و”weex“.
ويمكن للمستثمر اختيار منصة التداول التي تلبي احتياجاته، ومن ثم تنزيل التطبيق الخاص بها على هاتفه الذكي، أو الكمبيوتر الخاص به.

نظرة عامة لأعلى 20 عملة رقمية (منصة TradingView)
البدء بالتداول والربح
دفع الفضول عبد الله سليمان لقراءة مقالات ومشاهدة فيديوهات تعليمية، ليستطيع فهم المصطلحات الشائعة في عالم التداول الرقمي ومجالاته، والأخبار المتداولة حول التطورات التي يشهدها بشكل متسارع، وتأثير المتغيرات السياسية والاقتصادية على قيمة العملات الرقمية، قبل الخوض في تجربته الخاصة.
هناك خطوات بسيطة يجب القيام للبدء في تداول العملات الرقمية:
- اختيار منصة التداول الرقمي، لحفظ العملات الرقمية داخلها واستثمارها، ثم إنشاء حساب عليها.
- إيداع الأموال داخل المنصة، ويمكن القيام بذلك عبر وسطاء يتم شراء العملات الرقمية من خلالهم، أو عن طريق التحويل من منصة صديق.
- اختيار الاستراتيجية التي سيتم التداول والربح من خلالها.
حقق عبد الله أرباحًا كبيرة نتيجة صفقات البيع والشراء التي كان يجريها بشكل حذر في البداية، ليزداد حماسة للمغامرة بمبالغ أكبر وصفقات غير مدروسة بدقة من قبله، علمته الخسارة منها دروسًا قاسية، دفعته لتطوير استراتيجياته، وإدراك أهمية إدارة المخاطر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات.
“أدرك اليوم أن النجاح في سوق التداولات الرقمية لا يعتمد على الحظ، بقدر اعتماده على المعرفة والصبر وإدارة المخاطر، وأسعى لتحقيق المزيد من الإنجازات ضمن هذا العالم الافتراضي الواسع والسريع التغير”، بهذه العبارة اختتم عبد الله سليمان الحديث عن تجربته في سوق العملات الرقمية.
استراتيجيات التداول الرقمي
تتعدد طرق التداول والربح عن طريق العملات الرقمية بين:
التداول اليومي: هو إحدى أشهر طرق الربح من العملات الرقمية، ويعتمد على شراء العملات الرقمية عند انخفاض أسعارها وبيعها عند ارتفاعها، خلال فترة زمنية قصيرة، مثل بضع ساعات أو أيام، ويهدف هذا النوع من التداول إلى استغلال تقلبات السوق اليومية وتحقيق أرباح سريعة، ويتطلب القدرة على تحليل الرسوم البيانية، وتعقب اتجاهات السوق واتخاذ القرارات السريعة، كما يجب أن يكون المتداولون مستعدين لتحمل المخاطر المرتفعة وتنفيذ الصفقات بسرعة لتحقيق أقصى استفادة من هذه الاستراتيجية، إلا أنه خيار مناسب للأفراد الذين يرغبون في تحقيق أرباح سريعة.
الاستثمار طويل الأجل: يعتمد على شراء العملات والاحتفاظ بها لفترة زمنية طويلة، عادة عدة أشهر أو سنوات، ويهدف هذا النوع من التداول إلى استثمار العملات الرقمية بناء على توقعات طويلة الأمد لارتفاع قيمتها، ويتطلب هذا النوع من التداول إجراء تحليلات أساسية وتقنية لتقييم الفرص الاستثمارية المستقبلية للعملة الرقمية، ويجب أن يكون المستثمرون مستعدين لتحمل المخاطر لفترات طويلة، وعدم الاستجابة للتقلبات القصيرة في السوق.
التعدين: القائمون بالتعدين هم أهم جزء من أي شبكة للعملة الرقمية، من خلال حل معادلات رياضية معقدة باستخدام أجهزة حاسوب ذات طاقة عالية.
يحصل المشاركون في هذه العملية على مكافآت بالعملات الرقمية، وكلما زادت شعبية عملة رقمية معينة، يزداد عدد الأشخاص الذين يريدون تعدينها، وتصبح العملية أكثر صعوبة، وبالرغم أن التعدين يتطلب استثمارات كبيرة في المعدات والكهرباء، فإنه لا يزال وسيلة مربحة خصوصًا مع العملات الأكثر شيوعًا.
الاستفادة من التمويل اللامركزي (DEFI): تقدم منصات التمويل اللامركزي فرصًا للربح من العملات الرقمية من خلال الإقراض والاقتراض، والحصول على فائدة من خلال المشاركة في أسواق السيولة، ويعتبر “DeFi” من أكثر المجالات الواعدة في سوق العملات الرقمية.
العروض الأولية للعملات (ICOs): العروض الأولية للعملات هي عملية طرح عملة جديدة للبيع بهدف جمع التمويل لمشروع معين. الاستثمار في “ICOs” يمكن أن يكون فرصة ذهبية للربح إذا تم اختيار المشاريع الناجحة بعناية. يجب أن يكون المستثمر حذرًا ويتأكد من أن المشروع المطروح موثوق وله خطة تطوير واضحة.
عملية محفوفة بالمخاطر
تدور مجريات التداول الرقمي في سوريا بمساحات خالية من القوانين، وغياب أي نواظم ثابتة وواضحة، إذ إن القوانين السورية لا تضمن الدفاع عن حقوق أي من المتعاملين، وبالتالي يغدو الأمر مغامرة غير محسوبة النتائج.
ويضع المستثمرون في مجال العملات الرقمية أنفسهم أمام مخاطرة كبيرة، نتيجة الوعود بأرباح كبيرة تنتظرهم حين دخول هذا العالم، بالتزامن مع نقص الخبرة المالية والتقنية لديهم.
وتتركز المخاطرة بشكل أساسي على التقلبات السريعة والحادة في قيمة العملات الرقمية، وندرة مصادر المعلومات والمنصات الموثوقة، مما يعرض الأفراد للاحتيال والخسارة وسرقة أموالهم من قبل وسطاء ومنصات مشبوهة و”هكرز”، إضافة إلى المخاطر النفسية التي تدفع بالمستثمرين لاتخاذ قرارات متسرعة، بحسب ما أوضحه المسؤول في موقع “ساتوشيات”.
وكانت منصة “Binance” (واحدة من أبرز المنصات الرائدة في مجال سوق العملات الرقمية)، وضعت قوانين صارمة لإغلاق حسابات جميع حاملي الجنسية السورية في مختلف دول العالم، بالاستناد إلى توصيات واردة من العديد من الجهات، أبرزها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية.
وأوضح مسؤول في قسم الدعم للشركة في وقت سابق ل، أن المنصة حريصة على الوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين، لكن التزامها بالتوصيات ضرورة لضمان عدم تقييد خدماتها في العديد من البلدان، مشيرًا إلى أن مخالفة التوصيات الواردة حول حسابات السوريين يمكن أن تقيّد الوصول إلى المنصة.
وسمحت المنصة للمتداولين السوريين بسحب أموالهم أو تحويلها إلى منصات أخرى خلال مدة أقصاها سبعة أيام بدءًا من 28 من نيسان 2022.
تحذيرات حكومية
حذرت هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، بتعميم لها في 11 من شباط الماضي تداولته منصات إعلامية، من مخاطر التداول في “الفوركس” والعملات الرقمية، مشيرة إلى العواقب الخطيرة التي قد تلحق بمدخرات المواطنين نتيجة التعامل مع هذه المنصات غير المرخصة.
وجاء البيان للتأكيد على عدم قانونية الأنشطة المتعلقة بالتداول الرقمي، بعد نشر وسائل إعلامية معلومات حول انتشار منصات وكوات خاصة بتداول العملات المشفرة.
وأكدت الهيئة أن الجهات التي تروج لمثل هذه الاستثمارات تعمل من دون ترخيص رسمي، لافتة إلى أن القوانين النافذة في البلاد لا تجيز هذا النوع من التداول، ما يعرض المشاركين فيه لمخاطر مالية جسيمة.
كما شددت الهيئة على أن الاستثمار في العملات الرقمية محفوف بالمخاطر، محذرة من عمليات الاحتيال التي قد يقع ضحيتها المواطنون، بالإضافة إلى التأكيد على أن ممارسة هذا النشاط من دون ترخيص يعرض القائمين عليه للمساءلة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي