اخر الاخبار

التواصل بين سوريا وإسرائيل من المحرّمات إلى العلن لأول مرة.. ماذا يجري خلف الكواليس ؟

تشهد الساحة الإقليمية تطورات لافتة في العلاقة المعقدة بين سوريا وإسرائيل، في ظل متغيرات سياسية داخل سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وتحركات دبلوماسية تقودها أطراف إقليمية تهدف إلى تهدئة التوترات وفتح قنوات تواصل بين الطرفين. ولأول مرة، تخرج الأخبار حول المفاوضات بين الجانبين إلى العلن بعد أن كانت من المحرّمات في عهد الأسد، رغم وجودها غير المعلن.

 

مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء

أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وجود مفاوضات غير مباشرة جارية بين سوريا وإسرائيل عبر وسطاء، وهو أول تأكيد رسمي يخرج من رئيس سوري، وقد لاقى ذلك ترحيباً بهذه الشفافية.

وأوضح الشرع أن هذه المفاوضات تهدف إلى “تهدئة الأوضاع وعدم فقدان السيطرة”، رغم استمرار الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

 

وجاءت هذه التصريحات خلال أول زيارة للرئيس السوري إلى دولة غربية منذ توليه الحكم عقب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يعكس توجهاً جديداً في السياسة السورية نحو الانفتاح الدبلوماسي.

 

وذكرت وكالة “رويترز” وصحيفة “هآرتس” أن دولة الإمارات العربية المتحدة لعبت دوراً محورياً في إنشاء قناة خلفية غير رسمية للتواصل بين سوريا وإسرائيل. وبدأت هذه الاتصالات عقب زيارة الرئيس الشرع إلى الإمارات في 13 أبريل/نيسان الماضي.

 

وتتركز هذه المحادثات، وفق مصادر سورية وإقليمية، على القضايا الأمنية والاستخباراتية وبناء الثقة، بعيداً عن القضايا العسكرية المباشرة.

وأكد مسؤول أمني سوري أن الاجتماعات ركّزت على ملفات مكافحة الإرهاب، بمشاركة مسؤولين إماراتيين وعناصر استخباراتية من الطرفين، إضافة إلى بعض المسؤولين الإسرائيليين السابقين.

زيارة سرية لوفد سوري إلى إسرائيل

من جانبها، كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن زيارة سرية قام بها وفد سوري رسمي إلى إسرائيل أواخر شهر أبريل/نيسان. وضم الوفد شخصيات من محافظة القنيطرة ومسؤولاً بارزاً في مجال الدفاع، حيث أجروا اجتماعات مع مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

 

وتزامنت الزيارة مع رحلة دينية علنية لوفد من طائفة الموحدين الدروز إلى مقام النبي شعيب شمالي فلسطين المحتلة، ما أضفى على الزيارة الرسمية طابعاً مزدوجاً بين السرية والعلنية في التحرك السوري الجديد تجاه إسرائيل.

 

محادثات تركيةإسرائيلية حول سوريا بوساطة أذربيجان

بالتوازي مع التحركات السورية، عُقدت في باكو، عاصمة أذربيجان، للمرة الثالثة، محادثات بين تركيا وإسرائيل حول الملف السوري. وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن إسرائيل طرحت مطلبين رئيسيين خلال هذه المحادثات: منع وجود قوات عسكرية تهدد أمنها بالقرب من حدودها، ومنع انتشار أسلحة استراتيجية على الأراضي السورية.

 

وتأتي هذه الوساطة الأذربيجانية في سياق محاولات تهدئة الأجواء في سوريا عبر قنوات متعددة، لا سيما مع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي.

 

من المحرّمات إلى العلن

وتُعد هذه الأنباء سابقة تاريخية في سوريا، حيث ظل الأسد ووالده يفاوضون الإسرائيليين لسنوات عبر قنوات سرّية وغير معلنة، دون الكشف عن تفاصيل ما يدور بينهما.

وفي حديث لوكالة “ستيب نيوز“، قال الدكتور عبد الباسط سيدا، السياسي السوري: “لا نستبعد وجود قنوات تواصل ومفاوضات بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل”، مشيراً إلى أن السياقات الإقليمية تدفع نحو هذا التوجه.

من جانبه، يرى الدكتور سمير العبد الله، مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في حديثه مع “ستيب نيوز“، أن المعطيات الحالية تشير إلى أن المفاوضات بين الحكومة السورية وإسرائيل ما زالت في مراحلها الأولية، وتُدار عبر وساطات إقليمية ودولية غير معلنة.

ويقول: “طرحت عدة دول نفسها كوسطاء في هذا المسار، في مقدمتها روسيا، والإمارات العربية المتحدة، وأذربيجان، خصوصًا بعد التصعيد الإسرائيلي المتكرر داخل الأراضي السورية، وتزايد تدخل تل أبيب في الشأن السوري الداخلي”.

ويضيف: “تُركّز المباحثات غير المباشرة، بحسب التسريبات، على إعادة ترتيب الأوضاع الأمنية في الجنوب السوري، وعلى موقع ودور تركيا في المشهد السوري، في ظل تداخل الملفات الأمنية والسياسية على الأرض”.

 

اتفاق وتفاهمات مرهونة وملف الجولان حاضر

يُعد ملف الجولان المحتل واحداً من أبرز الملفات التي تعيق أي تفاهم بين إسرائيل وسوريا، حيث تؤكد دمشق والأمم المتحدة أنه أرض محتلة، بينما تُصرّ إسرائيل على أحقيتها به.

يقول سيدا: “هناك اتفاقية هدنة سابقة بين سوريا وإسرائيل موقعة منذ عام 1974، لم تتنصل منها الحكومة الجديدة، وأعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة ودولاً أوروبية ستدفع بالأمور نحو المزيد من التفاهمات والتوافقات”.

ويشير إلى أن هناك قرارات أممية تؤكد سورية الجولان، وهذا الموضوع لا بد أن يُحسم وفق الشرعية الدولية، ومن الواضح أن قوى إقليمية تحاول إقناع الطرفين السوري والإسرائيلي بأهمية التوصل إلى اتفاق.

ويؤكد سيدا أن ترامب يعتبر أن الاتفاق الإبراهيمي من إنجازاته التي يفتخر بها، ويضيف: “سيحاول في زيارته المرتقبة للمنطقة إقناع دول أخرى بالانضمام إلى هذه الاتفاقية، لا سيما سوريا، باعتبارها من الدول التي لم تُطبع علاقاتها مع إسرائيل حتى الآن”.

 

ويشدد على أنه من الطبيعي أن تكون هناك خطوات مقابلة من الجانب الأمريكي لصالح الجانب السوري، من بينها رفع العقوبات أو التخفيف منها، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية وغير ذلك.

 

وبدوره، يرى الدكتور سمير العبد الله أن ملف الجولان مؤجّل حالياً ضمن المفاوضات التمهيدية، ويقول: “من غير المرجّح أن يُطرح ملف الجولان على الطاولة في هذه المرحلة التمهيدية، إلا إذا تجاوزت المفاوضات المرحلة الأمنية وانتقلت إلى مسار سلام فعلي بين الطرفين. في هذه الحالة، قد تُعاد مسألة الجولان إلى الواجهة ضمن صياغة إقليمية أوسع تشمل إحياء اتفاقيات التطبيع (الإبراهيمية)، التي قد تُطرح على جميع الدول العربية غير المطبّعة حالياً، بما في ذلك سوريا”.

 

ويضيف: “من المرجّح أن يكون الموقف السوري مرتبطًا، إلى حد كبير، بمواقف الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وفي المقابل، من غير المتوقع أن تُوقف إسرائيل تدخلها في الشأن السوري إلا إذا حصلت على ضمانات أمنية واضحة، نظرًا لأن هذا التدخل يمثل بالنسبة لها ورقة ضغط استراتيجية لن تتخلى عنها دون مقابل”.

 

المصالح أهم من الشعارات

ويتفق الخبيران على أن المصالح الوطنية أهم من رفع شعارات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا يبدو أن هناك أي معارضة لاتفاق يضمن حقوق سوريا الوطنية.

ويقول الدكتور عبد الباسط سيدا: “إسرائيل تطرح علناً موضوع تغيير ملامح أو خريطة الشرق الأوسط، وهي بذلك تمارس صيغة من الضغط لرفع سقف التوافقات وفرض الشروط. هذه المسائل غير واضحة المعالم، لكنها من دون شك ستكون موضوعاً للمفاوضات غير المباشرة، وربما المباشرة إذا ما توصل الطرفان إلى المزيد من التفاهمات”.

ويضيف: “أعتقد أنه لا توجد دولة عربية واحدة ليست لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة، علنية أو سرية، مع الجانب الإسرائيلي. لذلك، فإن التعامل الواضح الصريح على قاعدة مراعاة المصالح الوطنية بعين الاعتبار أفضل من سياسة رفع الشعارات الكبرى إعلامياً، والتصرف بعكسها في الغرف المغلقة”.

ويشير إلى أن موضوع النزاع العربي الإسرائيلي قد آن الأوان للتعامل معه بحكمة وبُعد نظر.

 

ويتفق سمير العبد الله مع سيدا، موضحاً أنه مع “اقتراب زيارة ترامب المرتقبة للمنطقة، والتي يُقال إنه يسعى خلالها لإبرام ‘صفقات كبرى’، لا سيما على صعيد التطبيع، تبدو هذه الملفات مرشحة للحركة، لكن دون توقع حدوث اختراقات حقيقية في هذه المرحلة”.

ويقول: “المرجّح هو أن يتم الإعلان عن خطوات رمزية أو تفاهمات أولية، تُمهّد لمسار تفاوضي أوسع في المستقبل القريب، لكن دون الدخول في تسويات جوهرية بعد”.

 

الحل العادل ليس استسلاماً

يوضح سيدا أنه بعد كل الخسائر التي كانت على مختلف المستويات، فإن الوصول إلى حل عادل للقضايا المختلف عليها لا يعني استسلاماً أو تنازلاً.

ويقول: “هذا سيقطع الطريق على حملات التجييش الشعبوية التي كانت غالباً غطاءً لعملية الانقضاض على الداخل الوطني، والمزايدة على أصحاب القضية الفلسطينية الأساسيين، لغايات تمحورت حول الرغبة في القيام بدور إقليمي، بغية البقاء في السلطة وبأي ثمن، مثلما فعل حافظ الأسد وابنه بشار لاحقاً”.

 

ويؤكد الخبيران أن المرحلة المقبلة قد تشهد توسيع نطاق المحادثات بين سوريا وإسرائيل لتشمل ملفات أعمق، إذا ما استمرت القنوات الخلفية في تحقيق اختراقات ملموسة على الصعيد الأمني والسياسي. وتبرز زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كواحدة من أبرز الأحداث التي قد تحمل معها حلولاً في المنطقة، وربما صفقات سياسية كبيرة، علاوة على بعدها الاقتصادي.

 

التواصل بين سوريا وإسرائيل من المحرّمات إلى العلن لأول مرة.. ماذا يجري خلف الكواليس
التواصل بين سوريا وإسرائيل من المحرّمات إلى العلن لأول مرة.. ماذا يجري خلف الكواليس

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *