اخر الاخبار

‎الجزائر.. تعيين لجنة لصياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار

أعلن مجلس النواب الجزائري عن تشكيل لجنة خاصة تتولى صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في خطوة تعكس التزام الجزائر بمسألة الذاكرة الوطنية والاعتراف بالجرائم الاستعمارية.

‎وتألفت اللجنة من 6 أعضاء يمثلون مختلف المجموعات البرلمانية، من بينها حزب “جبهة التحرير الوطني”، و”التجمع الوطني الديمقراطي”، و”حركة البناء الوطني”، وحركة “مجتمع السلم”، إضافة إلى النواب المستقلين وتكتل غير المنتمين.

ويهدف قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، الذي طُرح عام 2006 كرد فعل على قانون “تمجيد الاستعمار” إلى “كشف الجرائم الاستعمارية” التي امتدت على مدار 132 عاماً، وإبرازها أمام الرأي العام المحلي والدولي.

وبحسب السلطات الجزائرية، أودى الاستعمار الفرنسي منذ 1832 بحياة أكثر من 5.6 مليون شخص،  إلى جانب الآثار المدمّرة التي لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم، خصوصاً تلك التي سببتها التفجيرات النووية التي أجريت في منطقة رقّان بولاية أدرار.

الذاكرة ليست ورقة ضغط

‎أكد رئيس مجلس النواب الجزائري إبراهيم بوغالي أن مسألة الذاكرة الوطنية “ليست ورقة ضغط أو مساومة، كما يُروّج لها البعض، وإنما التزام أخلاقي وتاريخي”.

‎وأضاف أن الرئيس عبد المجيد تبون شدّد على أن “ملف الذاكرة لا يخضع للتقادم أو التناسي، ولا يقبل التنازل أو المساومة، وسيظل في صميم انشغالات الدولة، حتى تتم معالجته بموضوعية وإنصاف للتاريخ”.

‎وأشار بوغالي إلى أن مسألة تجريم الاستعمار حظيت باهتمام المشرّع الجزائري منذ الفترة التشريعية الرابعة، حيث قُدّمت 5 مقترحات قانونية من مختلف التشكيلات السياسية الممثلة في المجلس الشعبي الوطني، لافتاً إلى أن هذه القضية “استأثرت باهتمام القارة الإفريقية، التي عانت بشدة من الانتهاكات الاستعمارية واستباحة كرامة الإنسان”.

وشهدت الدورة العادية الـ38 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، التي عُقدت يومي 15 و16 فبراير الماضي في أديس أبابا، تركيز المشاركين على تعزيز العدالة ودفع التعويضات للأفارقة، حيث تم تكليف الجزائر، إلى جانب جنوب إفريقيا وتوغو وغانا، بتنفيذ المبادرة الإفريقية لتجريم الاستعمار والمطالبة بتعويضات عن الظلم الاستعماري الذي عانت منه الشعوب الإفريقية.

سياق مناسب

‎أكد بلخير زكرياء عضو لجنة صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، أن اللجنة ستعتمد على جميع المبادرات السابقة من أجل “إدراج الرصيد النضالي والتاريخي، وإشراك مختلف الأطياف السياسية، وتغطية جميع الحقب التاريخية، بهدف صياغة قانون بالغ الأهمية والحساسية”.

‎وأوضح بلخير أن السياق الذي يتم فيه إعداد هذا المشروع يُعد “الأفضل من الناحية الزمنية والمكانية والتاريخية لتمريره”، مشيراً إلى أن “السلطة الحالية تعمل على استكمال السيادة الوطنية وتعزيز تنفيذ إرادة الجزائريين”.

كما اعتبر أن “تجريم الاستعمار ليس مجرد شعار، بل هو مبدأ تم إقراره في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، مؤكداً أن الجزائر ستستند إلى هذه الاتفاقيات، وستبحث عن الوسائل القانونية التي تمكن من إيجاد آليات فعلية لاسترداد الممتلكات واسترجاع الحقوق.

‎بدورها، وصفت بيدة فاطمة، وهي عضو في اللجنة نفسها، هذه الخطوة البرلمانية بأنها “تاريخية” في مسعاها لنيل الاعتراف بالمعاناة التي تكبدها الجزائريون تحت وطأة الاستعمار الفرنسي لأكثر من 130 عاماً.

وأشارت فاطمة إلى أن الاستعمار الفرنسي خلّف “آثاراً سلبية عميقة” على مختلف الأصعدة، وهو ما دفع البرلمان الجزائري إلى طرح هذا القانون تضامناً مع جميع الشعوب التي عانت من الاستعمار، والتزاماً بمبدأ العدالة التاريخية.

وأكد فاتح بو طبيق، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب “جبهة المستقبل”، أن الهدف من تجريم الاستعمار يتمثل في وضع آليات قانونية لإثبات المسؤولية التاريخية، ما “سيضع فرنسا أمام تحدٍ حقيقي في التعامل مع سيادة وكرامة بلد مستقل، دفع ثمن حريته دماء الشهداء”.

وأشار بو طبيق إلى أن “المسؤولية الجنائية للمستعمر ستدعم السيادة الوطنية من دون شك، كما ستضع المسؤولين الفرنسيين أمام تحدٍ آخر يتمثل في جبر الضرر وتعويض الضحايا”.

وأوضح أن هناك إمكانية إلى اللجوء للآليات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، في حال اقتضت الضرورة، من أجل “محاسبة المستعمر على الجرائم المرتكبة”.

توتر متصاعد

تأتي تحركات البرلمان الجزائري، في وقت تشهدُ العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة ديبلوماسية غير مسبوقة، بسبب التغير في الموقف الفرنسي إزاء قضية الصحراء.

وتفاقمت الأزمةُ بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، بسبب قضية الكاتب الفرنكو-جزائري بوعلام صنصال الذي التمس بشأنه القضاء الجزائري عقوبة سجن لمدة 10 سنوات، بسبب تصريحات تراها السلطات الجزائرية مساساً بالوحدة الترابية الجزائرية.

كما برز مؤخراً ملف المهاجرين الجزائريين على التراب الفرنسي، والذين أعدت باريس قائمة لإعادة ترحيلهم، لكنها اصطدمت بالرفض الجزائري.

‎وفي وقت سابق السبت، قال الرئيس عبد المجيد تبون إن الخلاف بين الجزائر وفرنسا “مفتعل بالكامل”، واصفاً ما يحدث حول هذه المسألة “بالفوضى والجلبة السياسية”.

وأضاف تبون، في لقائه الإعلامي الدوري: “نعتبر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو المرجع الوحيد، ونحن نعمل سوياً”.

وأكد أنه “بالفعل كان هناك سوء تفاهم، لكنه يبقى رئيس الجمهورية الفرنسية، وبالنسبة لي فإن تسوية الخلافات يجب أن تكون سواء معه أو مع الشخص الذي يفوضه، أي وزيره للشؤون الخارجية، وهو الصواب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *