واجه قادة الحزب الجمهوري في الكونجرس الأميركي صعوبة في إقناع بعض أعضاء حزبهم بدعم مشروع التخفيضات الضريبية والإنفاق المعروف باسم “القانون الكبير والجميل”، قبل تمريره والتصديق عليه، ولكنهم يواجهون الآن مهمة أكبر صعوبة في تسويقه لدى الرأي العام، لاسيما مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي المقررة في العام 2026.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن مشروع القانون لا يحظى بشعبية كبيرة، إذ فاقت نسبة المعارضين نسبة المؤيدين بأكثر من 20 نقطة مئوية في استطلاعين أجرتهما قناة “فوكس نيوز” وجامعة “كوينيبياك” مؤخراً، حسبما نقلت “وول ستريت جورنال”.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن بعض النواب الجمهوريين، الذين سيخوضون انتخابات صعبة العام المقبل يمثلون دوائر انتخابية تُعدّ من بين الأكثر اعتماداً على برنامج “ميديكيد”، وهو برنامج التأمين الصحي المخصص لذوي الدخل المحدود وذوي الاحتياجات الخاصة. وسيتوجب عليهم الدفاع عن التخفيضات الكبيرة التي يتضمنها مشروع القانون في ميزانية “ميديكيد”، بالإضافة إلى التخفيضات التي تطال المستشفيات الريفية وبرامج المساعدات الغذائية، المعروفة سابقاً باسم “قسائم الغذاء”.
وتساعد هذه التخفيضات في تمويل التخفيضات الضريبية، التي طالب بها الرئيس ترمب خلال حملته الانتخابية لعام.
وحذّرت شركة “فابريزيو وورد”، وهي جهة استطلاع مرتبطة بالحزب الجمهوري، من أن “أي مرشح جمهوري يصوّت لصالح خفض تمويل برنامج ميديكيد من أجل تمويل تخفيضات ضريبية سيخسر بفارق 21 نقطة”، وذلك بعد أن أجرت استطلاعاً في دوائر انتخابية تنافسية بمجلس النواب في شهر مايو.
نقاط قوة الجمهوريين
وذكرت “وول ستريت جورنال”، أن مصير السيطرة على الكونجرس في انتخابات العام المقبل، قد يتوقف جزئياً على الطريقة التي سيقيم بها الناخبون مشروع القانون.
ومع استعداد الحزبين لإنفاق ملايين الدولارات للتأثير على الرأي العام، يمتلك الجمهوريون بعض نقاط القوة؛ فرغم أن الناخبين قد يتشككون في مشروع القانون، إلا أن كثيرين لا يعرفون الكثير عنه، ما يعني أنهم قد يكونوا منفتحين على الاقتناع به. كما أن بعض عناصره تحظى بشعبية، وفق “وول ستريت جورنال”.
ففي حين أن 27% فقط من البالغين، قالوا في استطلاع أجرته مؤسسة “بيو” إن مشروع القانون سيوفر لهم ولو قدراً ضئيلاً من المساعدة، فإن استطلاعات أخرى تُظهر أن بعض الأحكام الضريبية، مثل مقترحات ترمب البارزة لإنهاء الضرائب الفيدرالية على الإكراميات والعمل الإضافي، تحظى بدعم واسع جداً.
ويحظى برنامج “ميديكيد” بشعبية واسعة، إذ يحصل نحو واحد من كل خمسة أميركيين على التغطية الصحية من خلاله. لكن بعض بنود مشروع القانون تحظى أيضاً بتأييد شعبي، مثل تلك التي تُلزم العديد من المستفيدين بإثبات أنهم يعملون، أو يبحثون عن عمل، أو يشاركون في برامج تدريبية من أجل الحفاظ على مزايا ميديكيد.
كما يوجّه مشروع القانون إنفاقاً جديداً نحو الجيش وتعزيز تطبيق قوانين الهجرة، وهما من أولويات ترمب الرئيسية. وتُعدّ هذه البنود كلها فرصاً دعائية يمكن للجمهوريين استغلالها في خطابهم السياسي.
وقال كريس جوستافسون، مدير الاتصال في منظمة “وان نايشن” (One Nation)، وهي لجنة عمل سياسي كبرى مرتبطة بقادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ: “أكبر قضيتين في الخريف الماضي كانتا أمن الحدود وتكاليف المعيشة. وإذا كنا نتحدث عن الوفاء بالوعود الانتخابية، فإن هاتين القضيتين تمت معالجتهما في هذا القانون.
في المقابل، قال بريندان باك، وهو مستشار اتصالات سابق لرئيسي جمهوريين سابقين لمجلس النواب إن الناخبين نادراً ما يثنون على الكونجرس عند تمريره لتشريعات كبرى. فقد خسر الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب عام 2010 بعد تمريرهم قانون الرعاية الصحية المعروف بـ”أوباما كير”، وخسرها الجمهوريون عام 2018 بعد إقرارهم لتخفيضات ضريبية كبيرة خلال الولاية الأولى لترمب.
وأضاف باك: “أعتقد أن السؤال هو: إلى أي مدى يُشكّل هذا القانون، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، أولوية في أذهان الناخبين؟ ولا أظن أن هناك دلائل كثيرة على أنه حاضر بقوة في أذهانهم”.
العامل الأهم، بحسبه، سيكون كيف سيشعر الناخبون بتأثيرات هذا القانون: هل ستنخفض ضرائبهم فعلاً؟ وهل ستتحقق التقديرات المحايدة التي تفيد بأن ما يصل إلى 11 مليون شخص، قد يفقدون تغطيتهم ضمن برنامج “ميديكيد”؟
ومن التحديات التي تواجه الجمهوريين أن عدداً قليلاً نسبياً من الناس سيستفيد من بنود مثل “إلغاء الضرائب على الإكراميات”، في حين أن البند الأوسع انتشاراً في القانون، وهو تمديد التخفيضات الضريبية، التي أُقرت سنة 2017، لا “يُحدث تغييراً ملموساً يشعر به أغلب الناخبين”.
وقال باك: “في الغالب، هذه ليست تخفيضات ضريبية فعلية مقارنة بما كان الناس يدفعونه طيلة السنوات السبع أو الثماني الماضية. هناك نوع من المجازفة في أن الجمهوريين قد يكونون يبالغون في الوعود بشأن تخفيضات ضريبية لن تتحقق فعلياً لمعظم الناس”.
الديمقراطيون يتجهزون
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن حسابات الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) باتت تظهر مبكراً من خلال سباق مجلس الشيوخ في ألاسكا لعام 2026.
السيناتور دان سوليفان لا يُعتبر من بين الجمهوريين المعرضين لخطر الهزيمة في انتخابات العام المقبل. ومع ذلك، فإن مجموعة مدعومة من حلفاء زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، تنفق هذا الصيف 700 ألف دولار على إعلانات تهاجم سوليفان لدعمه مشروع القانون.
ويُعتبر هذا الاستثمار المبكر من الديمقراطيين دليلاً على قناعتهم بأن التشريع سيثير غضباً شعبياً كافياً لتهديد مقاعد جمهورية كانت تُعدّ آمنة نسبياً، خاصة في دوائر انتخابية وولايات مثل ألاسكا، التي يُحتمل أن تتأثر بشكل كبير من تخفيضات برنامج “ميديكيد”.
ويقول أحد الإعلانات الديمقراطية: “دان سوليفان صوّت لصالح خفض ميديكيد لتمويل مزيد من التخفيضات الضريبية للأثرياء”.
ورفض السيناتور دان سوليفان تلك الإعلانات واعتبرها تهويلاً وإثارة للخوف. وقال إنه دافع من أجل إدراج صندوق بقيمة 50 مليار دولار لدعم المستشفيات الريفية ضمن مشروع القانون، وأعرب عن ثقته بأن ألاسكا ستحصل على أكثر من 200 مليون دولار سنوياً من هذا الصندوق على مدى خمس سنوات.
وفي مقابلة، قال سوليفان إن ألاسكا ستستفيد من نحو 25 مليار دولار خصصها لحرس السواحل، وهو مبلغ يشمل تمويل كاسحات جليد جديدة، بينها 300 مليون دولار لإنشاء قاعدة في مدينة جونو. كما أشار إلى أنه ناضل لإعفاء ألاسكا مؤقتاً من بعض تخفيضات برنامج المساعدات الغذائية، وسعى إلى إدراج نصوص قانونية تفتح مزيداً من الأراضي الفيدرالية في ألاسكا أمام مشاريع استخراج النفط والغاز.
وقال سوليفان: “أعتقد أنه يمكن القول بثقة إن ألاسكا كانت أكثر الولايات استفادة”.
في المقابل، يخبر الديمقراطيون الناخبين أن التغييرات التي مست “ميديكيد” تُعرّض المستشفيات الريفية، التي تعاني أصلاً من أوضاع مالية هشة، لخطر أكبر.
وتقول إحدى الإعلانات التي يبثها اللجنة الديمقراطية لمجلس الشيوخ ضد السيناتورة الجمهورية جوني إرنست في ولاية أيوا: “سيتم إجبار المستشفيات الريفية على الإغلاق، وكل ذلك لتمويل تخفيضات ضريبية للمليارديرات”.
وعمل الجمهوريون في مجلس الشيوخ على تعزيز صندوق دعم المستشفيات الريفية بهدف تخفيف أثر تخفيضات “ميديكيد”، لكن تحليلاً أجرته مؤسسة “كايسر فاميلي” يُظهر أن مشروع القانون ككل يتضمن تخفيضات كبيرة.
في المقابل، يرد الجمهوريون بالقول إن الديمقراطيين صوّتوا لزيادة الضرائب عبر رفضهم مشروع القانون. ويقول إعلان جمهوري ضد السيناتور الديمقراطي جون أوسوف من جورجيا، بُثّ قبيل تصويت مجلس الشيوخ على مشروع القانون: “هو يصوّت بنعم لصالح ضرائب أعلى”.
ويحاول الجمهوريون الاستفادة من الدروس التي تعلموها خلال الولاية الأولى لترمب، حين دفعوا بتخفيضات ضريبية كبرى في الكونجرس، لكنهم لم يجنوا مكاسب سياسية تُذكر.
فقد ظل القانون غير محبوب، وخسر الجمهوريون أكثر من 40 مقعداً في مجلس النواب خلال انتخابات 2018.
وقال ديف وينستون، وهو مستشار استراتيجي جمهوري يقدم المشورة لقادة الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ: “الناس لم يكونوا يعرفون ما الذي يتضمنه القانون. كل ما سمعوه هو أنه لصالح الأثرياء والشركات الكبرى.
وأضاف وينستون أن الجمهوريين يمكنهم بناء الدعم لهذا التشريع من خلال توضيح كيفية تأثيره بشكل دقيق على فواتير الضرائب الفردية. لكنه حذر من أن الجمهوريين يرتكبون خطأً عندما يصورون القانون باعتباره أكبر تخفيض ضريبي على الإطلاق، وهو التعبير الذي استخدمه البيت الأبيض وقادة الحزب الجمهوري، لكنه يرى أن الناخبين يتجاهلون هذا الكلام على أنه مبالغة.
بدلاً من ذلك، قال وينستون إن على الجمهوريين التركيز على حقيقة أن حوالي 90% من الناس يستخدمون الخصم القياسي، والذي كان من المقرر أن ينخفض من 30 ألف دولار إلى 16 ألف دولار للزوجين في العام المقبل لو لم يمرّر القانون، مما يعني أن جزءاً أكبر من دخلهم سيكون خاضعاً للضرائب.
وأضاف: “إذا شرحت لهم حسابات ما سيواجهونه في عام 2026 بدون القانون، فهذه هو الحجة الأكثر إقناعاً”.