يخوض الجيش الأميركي واحدة من أبرز محاولاته حتى الآن في مجال الطاقة النووية الحديثة، عبر برنامج يستهدف تركيب مفاعلات نووية صغيرة في قواعده المنتشرة في المناطق التي تعجز شبكات الكهرباء المجهدة عن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، والذي يهدف جزئياً إلى تعزيز استعدادات الولايات المتحدة لاحتمال اندلاع حرب مع الصين في منطقة المحيط الهادئ أو نزاع في القطب الشمالي، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وكشف الجيش الأميركي عن برنامج جديد يحمل اسم “جانوس” (Janus)، يهدف إلى تزويد قواعده العسكرية بمفاعلات نووية مصغرة بحلول عام 2028.
وأوضح الجيش الأميركي أن هذه المفاعلات ستساعد في إبقاء الأسلحة مزودة بالطاقة وضمان استمرار العمليات الحيوية في القواعد العسكرية عند تعطل مصادر الطاقة الأخرى بسبب سوء الأحوال الجوية أو الهجمات الإلكترونية أو أي اضطرابات في شبكة الكهرباء.
وتولد هذه المفاعلات أقل من 20 ميجاواط من الكهرباء، وهي كمية تكفي عادة لتشغيل بلدة صغيرة، وتشكل جزءاً بسيطاً من إنتاج الطاقة الذي توفره المفاعلات النووية الحديثة الأكبر حجماً، غير أن ميزة هذه المفاعلات تكمن في صغر حجمها، إذ يمكن نقلها بسهولة على متن سفن الحاويات أو الطائرات.
من سيشغل هذه المفاعلات؟
قال جيف واكسمان، النائب الأول لمساعد وزير الجيش: “ما تعنيه المرونة بالنسبة لنا هو أن نحصل على الطاقة على مدار الساعة، مهما كانت الظروف”، موضحاً أن الجيش يعمل حالياً على اختيار 9 قواعد للمراحل الأولى من البرنامج، على أن يتم خلال العام المقبل اختيار الشركات المنفذة لبناء مفاعلين صغيرين في كل قاعدة.
ويُنظر إلى اهتمام الجيش بالمشروع كفرصة واعدة لشركات الطاقة النووية الناشئة التي جمعت مليارات الدولارات لتمويل مشاريع تشمل المفاعلات الصغيرة وتخصيب اليورانيوم وتطوير تقنيات وقود جديدة، رغم أن العديد من هذه الشركات ما زال أمامها سنوات قبل الانتهاء من إنتاجها التجاري.
من جانله، قال إيزايا تايلور، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة Valar Atomics الناشئة في مجال المفاعلات المصغرة: “السباق اليوم يتمحور حول تطوير القدرات فعلياً. نحن جميعاً نحاول معرفة من سيتمكن من تشغيل هذه المفاعلات أولاً”.
وستتولى شركات تجارية امتلاك المفاعلات وتشغيلها، في حين سيساعد الجيش ووزارة الطاقة في الجوانب التقنية وتوفير وقود اليورانيوم.
تعزيز الاستعدادات الأميركية
وقال مسؤولون في الجيش الأميركي إن برنامج “جانوس” يأتي امتداداً لجهود استمرت أكثر من 6 سنوات بين الجيش ووحدة الابتكار الدفاعي التابعة للبنتاجون، وهي الجهة المسؤولة عن التعاون مع شركات التكنولوجيا الناشئة، بهدف تطوير مفاعلات نووية صغيرة وسهلة النقل لاستخدامها في القواعد داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وأوضح المسؤولون أن البرنامج يهدف جزئياً إلى تعزيز استعدادات الولايات المتحدة لاحتمال اندلاع حرب مع الصين في منطقة المحيط الهادئ أو نزاع في القطب الشمالي، وهي سيناريوهات قد تفرض تحديات كبيرة في مجال النقل والإمداد، بما في ذلك تأمين مصادر الطاقة.
وكانت قواعد عسكرية في تكساس وكاليفورنيا قد فقدت التيار الكهربائي خلال العواصف الثلجية، فيما تعتمد قواعد أخرى على شبكات المرافق العامة المتهالكة والوقود الأحفوري كمصدر احتياطي للطاقة. وتُعد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدائل غير مستقرة.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن العديد من الأسلحة الحديثة التي يستخدمها الجيش، بما في ذلك الطائرات المسيّرة وأنظمة التصدي للمسيّرات والرادارات، تحتاج إلى كميات أكبر من الطاقة.
طلب متزايد على الطاقة
وتشهد احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة قفزة كبيرة، مدفوعة جزئياً بمساعي شركات التكنولوجيا العملاقة لبناء مراكز بيانات ضخمة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما أن التقدم السريع الذي أحرزته الصين في مجال الطاقة جعل من سباق تطوير الطاقة النووية قضية ترتبط بالأمن القومي الأميركي.
وفي مايو الماضي، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً دعا فيه الحكومة الفيدرالية إلى نشر مفاعلات نووية حديثة لأغراض الأمن القومي، وطالب وزير الجيش ببدء استخدام هذه المفاعلات في القواعد العسكرية بحلول سبتمبر 2028.
ولم يقدم الجيش تقديراً واضحاً لتكلفة برنامج “جانوس”، لكنه أوضح أن جزءاً من التمويل سيُقتطع من موازنة وحدة الابتكار الدفاعي.
وفي السياق ذاته، تبحث القوات الجوية الأميركية أيضاً عن مفاعلات نووية مصغرة لتوليد الطاقة في قواعدها، حيث تتنافس ثماني شركات متخصصة في الطاقة النووية لتقديم هذه التكنولوجيا.