كشف الجيش البريطاني عن عقيدة قتالية جديدة تُنهي الاعتماد على الدروع الثقيلة، وتتبنى استراتيجية “20-40-40” المستندة إلى مرونة القوة والطائرات المسيرة، استلهاماً من دروس الحرب الأوكرانية.
وفي عصر تميزه السرعة والاستقلالية والدقة، لا يشير هذا التحول إلى نموذج عملياتي جديد فحسب، بل إلى إعادة تعريف لمعنى شن الحرب البرية، بحسب موقع Army Recognition.
وتتجلى أهمية هذا التحول في استعداد المملكة المتحدة مفهوم “حروب الغد” من خلال إعادة التفكير في أدوات وأساليب اليوم.
ويمثل مبدأ “20-40-40” تحولاً جذرياً عن اعتماد الجيش البريطاني السابق على التشكيلات المدرعة الكثيفة والمشاة الآلية التي ميزت وضعه خلال الحرب الباردة وما بعدها.
في ظل الاستراتيجيات القديمة، شكّلت الأصول التقليدية كالدبابات ومركبات المشاة والمدفعية العمود الفقري للقوات البرية البريطانية، إذ صُممت لحرب الاستنزاف والاشتباكات المستمرة، لكن حرب أوكرانيا وظهور المنصات ذاتية التشغيل كشفا هشاشة هذه الهياكل، وضعف قدرتها على التكيف، فضلاً عن عبئها اللوجستي.
وفي المقابل، يقترح مبدأ “20-40-40” الجديد تركيبة قوة أكثر مرونة وقدرة على البقاء، تتلخص في 20% منصات ثقيلة تقليدية مثل دبابة Challenger 3، وأنظمة مدفعية ذاتية الدفع؛ و40% ذخائر متسكعة للاستخدام مرة واحدة وطائرات انتحارية مسيرة لضربات سريعة ومحددة الهدف؛ و40% طائرات مسيرة متطورة قابلة لإعادة الاستخدام لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة، ما يخلق بنية عسكرية ذاتية القيادة بنسبة 80%، تُعطي الأولوية للبقاء والانتشار السريع والهيمنة الرقمية.
وبإعادة نشر المعدات الثقيلة بعيداً عن خطوط المواجهة والاعتماد بشكل أكبر على الأنظمة المسيرة، يُقر الجيش البريطاني بالهيمنة التكتيكية للطائرات المسيرة التي لوحظت في أوكرانيا.
وباستخدام أنظمة قابلة لإعادة الاستخدام مثل MQ-9 Reaper وأنظمة قابلة للاستهلاك مثل طائرات الهجوم المسيرة أحادية الاتجاه، تهدف المملكة المتحدة إلى توجيه ضربات عميقة ومتواصلة مع تقليل المخاطر على الأفراد.
وبالمقارنة مع مبادئ حلفاء الناتو الآخرين، يُعد هذا التحول “جريئاً”، فبينما تُجري بعض الدول تجارب على الطائرات المسيرة والذخائر المتسكعة، لم تُرسخ سوى قلة منها نسبة 80 % من القتال غير المأهول.
من جانبها تسعى الولايات المتحدة لمسارات مماثلة عبر مبادرة Replicator وبرامج القيادة المستقبلية، لكنها تفضل الأنظمة التقليدية على المدى القريب، في حين تستمر فرنسا وألمانيا في إعطاء الأولوية للمنصات الثقيلة، مما يعكس تباطؤاً في التكيف.
الحرب المستقلة
من الناحية الاستراتيجية، تتعدد التداعيات، فعلى الصعيد الجيوسياسي، تُرسخ المملكة المتحدة مكانتها كقائدة في “الحرب المستقلة” داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أما عسكرياً، فتُعزز هذه العقيدة القدرة على توزيع الفتك وشفافية ساحة المعركة، مع تقليص البصمة اللوجستية، وهي تتماشى مع الاتجاهات الحالية لفصل الفعالية العسكرية عن الكتلة العسكرية، وتُركز على الدقة والمرونة والسرعة.
وبالنسبة لصناعة الدفاع، ستكون العواقب فورية، حيث سينخفض الطلب على الدروع الثقيلة وأنظمة ساحات المعارك التقليدية، أو على الأقل سيصبح أكثر انتقائية ويقتصر على العمليات المتقدمة.
كما ستشهد شركات الدفاع البريطانية، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والملاحة الذاتية ودمج أجهزة الاستشعار وتصنيع الطائرات المسيرة، فرصاً أوسع.
يشير هذا التحول إلى تغيير جذري في التدريب والعقيدة والخدمات اللوجستية، مع ظهور تشكيلات جديدة تضم مشغلي مسيّرات ومحللي ذكاء اصطناعي ووحدات حرب إلكترونية على مستوى السرية والفصيلة.
وستتطور هياكل القيادة لاستيعاب البيانات من مئات المنصات المسيرة، ما يتطلب إصلاحاً شاملاً لأنظمة الاتصالات واتخاذ القرارات في ساحة المعركة.
ولا يعتبر مبدأ “20-40-40” مجرد إعادة تنظيم استراتيجي، بل هو إعلان نية لشن حرب من نوع مختلف، حرب تشكلها الاستقلالية والدقة والقدرة على البقاء.