الحرب تحرق مراحل من حياة جيل التسعينيات السوري
– جنى العيسى
غادر منزله في سوريا بعمر 17 سنة، وعاش بعدها تجربة النزوح الداخلي ضمن عدة بلدات في ريف دمشق، على مدار سنوات.
يصف أحمد العيسى ل كيف مرت عليه سنوات شبابه الأولى، وبينها ست سنوات في تركيا التي انتقل إليها، وهو الآن ابن 28 عامًا.
لم يستطع تحقيق أي حلم من أحلام شبابه، في ظل الحرب بسوريا وظروف اللجوء في تركيا، وفق ما قاله الشاب.
حال أحمد كحال معظم الشباب من جيل التسعينيات الذين تصادفت فترة سنوات شبابهم الأولى مع اندلاع الثورة السورية، فمنهم من كان في سنته الجامعية الأولى ولم يستطع إكمالها، ومنهم من اضطر لترك حياته الشخصية، وهناك من حاول المساهمة في التغيير بالانضمام إلى فصائل محلية، فتغير مسار حياته كليًا، أو انتهى ضحية للحرب.
أبناء التسعينيات متأثرون
تأثر جيل التسعينيات بالحرب التي امتدت لأكثر من 13 عامًا في سوريا، وتركت آثارها على مختلف المستويات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية أو حتى الثقافية.
مَن جيل التسعينيات؟
جيل التسعينيات مصطلح يشير إلى الأشخاص الذين ولدوا في فترة التسعينيات من القرن الـ20 من عام 1990 وحتى عام 1999.
عندما بدأت الثورة السورية في عام 2011 كانت أعمارهم تتراوح بين 12 عامًا و21 عامًا.
وفي عام 2024 تتراوح أعمار هذا الجيل بين 25 عامًا و34 عامًا.
ظروف الحرب وما خلفته من آثار، دفعت بعضهم للهجرة خارج سوريا، وبينهم من لا يعد وضعهم على مختلف الصعد أفضل بكثير من أولئك الذين لم يحظوا بفرصة الهجرة، في ظل ما تعانيه الفئتان من فقد في تحقيق طموحهم على الصعيد المهني أو التعليمي، فضلًا عن غياب الاستقرار الأسري لدى العديد منهم.
مصير جيل التسعينيات من السوريين اليوم، يعتمد بشكل كبير على الظروف الفردية والجغرافية، بشكل عام، إذ تركت الحرب آثارًا عميقة على حياة هذا الجيل، وشكّلت طريقة تفكيرهم وتطلعاتهم للمستقبل.
نتيجة الحرب، توزع أبناء هذا الجيل في بقاع الأرض، فمنهم من بقي داخل سوريا في ظل ظروف صعبة لا تغطي جزءًا بسيطًا من احتياجاتهم، فيما يعيش الكثير منهم في مخيمات الشمال السوري، فضلًا عن أولئك الذين وجدوا أن اللجوء خارج البلاد قد يساعدهم في بناء مستقبل أفضل.
آثار الحرب امتدت لتشمل الصحة النفسية أيضًا لدى هذا الجيل كما معظم السوريين، إذ يعاني الكثيرون منهم من صدمات نفسية تحتاج إلى دعم ومعالجة.
كما لم تسلم الحياة الاجتماعية والعاطفية أيضًا من حصد الآثار المتمثلة بتفكك الأسر والمجتمعات بسبب النزوح والتهجير، فضلًا عن أن الكثير من الشباب يواجهون صعوبة في بناء علاقات عاطفية مستقرة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بعضهم قد يؤجل الزواج، بينما يسعى آخرون لتشكيل علاقات في ظل الظروف الصعبة.
ونتيجة لتفكك المجتمعات والهجرة يشعر العديد من الشباب بالوحدة والعزلة، ما يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية ويزيد من ضغوط الحياة.
28 عامًا من عدم الاستقرار
أحمد العيسى (تولد شباط 1996)، يرى أن جيل التسعينيات تأثر بالحرب أكثر من أي جيل آخر، لأسباب كثيرة لا يمكنه شرحها، بحسب تعبيره، أحد هذه الأسباب أن الفترة التي يجب على الشباب التأسيس لحياتهم وعملهم، كانت فترة نزوح في الداخل وسفر إلى الخارج، فلم يحظَ هذا الجيل بالاستقرار للعمل من أجل مستقبله.
أحمد، بحسب ما قاله ل، حاول الاستقرار عبر العديد من الأعمال في تركيا، جميعها كان يعمل بها لأول مرة، بحكم صغر سنه وعدم تمكنه من إتقان مهنة معيّنة، بعد أن غادر سوريا قبل شهر من امتحانات الشهادة الثانوية الحرة التي كان ينوي أن يلتحق بها، بعد أن درس في منزله طوال العام.
في تركيا، لم تكن الظروف المعيشية والاقتصادية مواتية لإكمال دراسته، ما أجبره على العمل لمدة تتجاوز أحيانًا 12 ساعة في اليوم الواحد، وعلى مدار ستة أيام في الأسبوع.
ست سنوات عاشها الشاب في تركيا لم يستطع من خلالها الحصول على التعليم أو جمع أموال كافية لتأسيس عمل خاص به، أو حتى التعرف إلى فتاة بهدف الزواج بها وتأسيس عائلة.
الظروف المعيشية والوضع الاقتصادي، فضلًا عن الجوانب القانونية، دفعت أحمد إلى التفكير بالهجرة نحو دول الاتحاد الأوروبي، بحثًا عن استقرار مجهول يسمع به من خلال رفاقه ممن سبقوه إلى هناك.
وفي طريقه نحو رحلة الهجرة من تركيا إلى ألمانيا عبر أكثر من سبع دول، قال أحمد، “رأيت التعب والجوع والسجن والضرب والبرد والألم والعنصرية وحيوانات لم أرَها إلا في التلفاز”، بحكم عبوره البلاد عبر الغابات وطرقات مخصصة للمرور تهريبًا.
منذ وصوله إلى ألمانيا في عام 2021، يحاول أحمد التخطيط لمستقبله من جديد، ثلاث سنوات مرت يحاول فيها تعلم اللغة وتعلم مهنة يمكن أن تؤسس لعمل خاص به، دون أن يجد الوقت بعد للتفكير بحياته العاطفية أو الاجتماعية، بحسب قوله.
يبدي أحمد، بحسب قوله، أسفه على أنه وصل لعمر 28 عامًا ولم يتسنَّ له بعد التعرف إلى فتاة مناسبة لتكون زوجة له، عازيًا ذلك في نفس الوقت لعدم شعوره بالاستقرار الكامل لاتخاذ هذه الخطوة بشكل جدي من جهة، وانشغاله بتأمين لقمة عيشه والالتزام بمسؤولياته تجاه عائلته التي لا تزال موجودة بريف دمشق حتى الآن.
“حرق مراحل”
ترى ديمة (تولد 1994) التي تقيم في مدينة حمص وسط سوريا، أن جيل التسعينيات تأثر سلبًا بشكل كبير بالحرب، وأن لكل شخص تجربته الخاصة به التي أثرت في جميع جوانب الحياة، بحسب ما قالته ل.
“أثرت الحرب فينا كثيرًا، جعلتنا نحرق مراحل عمرنا”، بحسب وصف ديمة التي كان يجب أن تكمل دراستها في الجامعة بعد الثانوية مباشرة، إلا أن الحرب أخّرت هذه الخطوة، وكان الزواج عاملًا جديدًا له متطلباته.
لم يتسنَّ لديمة متابعة دراستها الجامعية في كلية التربية- معلم صف، إلا بعد أن أصبح لديها طفلتان، وبسبب وضعها الاجتماعي عاشت الشابة حياتها الجامعية على أنها هم تريد التخرج والخلاص منه، بدلًا من التعامل معه كحلم تريد تحقيقه.
يشعر جيل التسعينيات بأنهم “أكبر من عمرهم”، وفق ما ترى ديمة، لعدة أسباب، منها المسؤولية التي يحملونها تجاه أنفسهم وعائلاتهم من جهة، وغياب الاستقرار والأمان في مختلف النواحي من جهة أخرى.
عدنان الإمام من مواليد 1993، اضطر هو الآخر لترك دراسته في معهد إدارة الأعمال بالسنة الأولى بسبب التحاقه بالثورة، وعدم تمكنه من زيارة مدينة حلب حيث كان موقع إقامته ودراسته.
وأكد عدنان الذي يقيم الآن في مدينة الدانا بريف إدلب، تأثر جيل التسعينيات بالحرب كثيرًا خاصة فيما يتعلق بطموحهم الدراسي والعملي من جهة، وخسارتهم لممتلكاتهم العقارية بسبب حالة النزوح والتهجير، ما اضطرهم للبدء من الصفر في مناطق جغرافية لم يسبق أن زاروها بالأساس.
لم يستطع عدد من أصدقاء عدنان الإمام إكمال دراستهم بسبب الحرب، فيما لا يزال قسم منهم حتى الآن يعملون أعمالًا مؤقتة دون أن يستطيعوا الحصول على مهنة متخصصة.
وفيات وهجرة
لا تتوفر الإحصائيات أو الدراسات الأكاديمية التي تشير إلى مدى تأثر جيل التسعينيات بالحرب من نواحٍ مختلفة، إلا أن الدراسات حول انعكاس الحرب على السكان تؤكد الأثر السلبي على جميع السكان بمختلف أعمارهم من ناحية التعليم والصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية والوضع الاقتصادي وغيرها.
بحسب دراسة صادرة عن موقع “المكتبة الوطنية للطب” الأمريكية عام 2020، حول تأثير الصراع في سوريا على رفاهية السكان، يعاني السكان في سوريا من انحدار حاد في مستوى الرفاهية خلال الصراع لا مثيل له في العالم، حتى عند مقارنته بالدول التي تعاني من الحرب والاحتجاجات والكوارث على نحو مماثل.
ووثق تقرير صادر عن حكومة النظام السوري، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، عام 2020، انخفاض نسبة الشباب (في الفئة العمرية من 15 حتى 49 عامًا) نتيجة الوفيات والهجرة الخارجية.
وحول نسبة العزوبة ما بين الشباب (ذكور وإناث) فقد ارتفعت نتيجة الحرب وتفاوتت بين المحافظات، فقد كانت أعلى نسبة للعزوبة في محافظات طرطوس ودرعا وحماة وحلب بحوالي %46، وأقلها في محافظة السويداء %40.4 في عام 2018، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والزواج وأجور المساكن وصعوبة تأمين فرصة عمل.
كما حصل انخفاض مؤقت في كل من معدلي الخصوبة الكلية والزواجية، نتيجة التأخر أو تأجيل الزواج أو الحمل إلى فترة لاحقة بسبب عدم الاستقرار للسكان والنزوح نتيجة الهجرة بين الشباب، حيث تراجع معدل الخصوبة الكلية ليصل إلى حوالي ثلاثة مواليد والزواجية إلى حوالي خمسة مواليد في عام 2020، وهو ما سيؤثر بدوره على معدلات النمو وحجم السكان.
كما تجاوز معدل بطالة الشباب في سن 15-24 نسبة %60 في المتوسط من قوة العمل في هذه الفئة العمرية خلال الفترة من 2011 حتى 2019، وهي بذلك تبلغ ثلاثة أمثال ما كانت عليه خلال الفترة من 2002 وحتى 2010.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي