اتهمت الحكومة السودانية ومنظمات إنسانية قوات الدعم السريع بارتكاب “مجزرة مروّعة” داخل مستشفيات مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، راح ضحيتها مئات المدنيين والمرضى خلال الأيام الماضية، فيما أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) تشكيل لجنة تحقيق فيما حدث من تجاوزات من جانب قواته بالمدينة.
وأعلن وزير الإعلام السوداني خالد الإعيسر خلال مؤتمر صحافي للحكومة، الأربعاء، أن عدد ضحايا الهجمات الأخيرة في مدينتي الفاشر وبارا بلغ “عدة آلاف خلال الأيام الثلاثة الماضية”، داعياً إلى محاسبة قادة الدعم السريع.
وأضاف أن “الفظائع التي ارتكبتها المليشيا خلال الأيام الأخيرة في الفاشر كفيلة بتصنيفها تنظيماً إرهابياً؛ لأن جرائمها تجاوزت كل المقاييس المعروفة للإرهاب”.
وانتقد الأعيسر ما سماه “صمت المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي”، متهماً المجتمع الدولي بأنه “يتبع سياسة الكيل بمكيالين في تعاطيه مع الأزمة السودانية”.
واعتبر وكيل وزارة الخارجية السودانية حسين الأمين أن ما تقوم به قوات الدعم السريع “يمثل نموذجاً واضحاً للإفلات من العقاب”، واتهمها بممارسة “إبادة بحق مواطني غرب دارفور” والاستعانة “بمرتزقة من الخارج عبر وكلاء إقليميين”، بحسب ما نقلته وكالة السودان للأنباء (سونا).
وطالب الأمين المجتمع الدولي بـ”اتخاذ تدابير عاجلة لردع المليشيا وتصنيفها منظمة إرهابية”، مشيراً إلى أن مجلس الأمن لم ينجح بعد في تنفيذ قراره رقم 2736 الداعي إلى فك الحصار عن الفاشر.
حميدتي: سنحاسب المتجاوزين
في المقابل، أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) “تشكيل لجنة تحقيق في تجاوزات حصلت في الفاشر”، بحسب تعبيره، متعهداً بمحاسبة “أي جندي أو ضابط ارتكب أي جرم أو تجاوز حدوده في الفاشر”.
ودعا حميدتي “المنظمات الإنسانية كافة لإغاثة الفاشر بشكل عاجل”، وقال: “نعلن السماح الفوري بحرية حركة المدنيين دون عوائق في الفاشر”.
وأضاف أن “معركة الفاشر فرضت علينا، ولم يكن أمامنا خيار سوى القتال”، وتابع: “نحن مع السلام، لكن دفاعنا عن نفسنا أمر واجب”.
ضحايا ومصابون
من جانبها، وصفت نائبة مفوضية العون الإنساني بالسودان منى نور الدائم الأحداث التي شهدتها مدينة الفاشر خلال اليومين الماضيين بـ”المأساة الكبرى”، وقال إنه “تمت تصفية المرضى والجرحى في المستشفيات بوحشية وبدم بارد”.
وقدرت نور الدائم أن أكثر من 2000 مدني لقوا حتفهم على يد قوات “الدعم السريع” منذ الأحد.
وقالت إن “أرواح المدنيين العزل انتزعت من دون رحمة، وتمت ملاحقتهم خلال رحلة النزوح ولا مساحة للنجاة الفارين، الذين تعرضوا للملاحقة والقتل والاغتصاب”.
وانتقدت ما سمته بـ”الصمت الدولي تجاه ما يحدث في الفاشر وبارا”، وقالت إن “الجثث ملقاة في الشوارع والميادين العامة، وإن المجتمع الدولي اكتفى بالصمت وعدم التحرك واتخاذ خطوات جادة لوقف الكارثة”.
واعتبرت أن ما يحدث بالفاشر يفوق التصور، ووصفته بأنه “كارثة كبيرة”، ويستحق الإدانة والشجب، وقالت إن ما حدث “إبادة جماعية للمواطنين العزل في مخالفة صريحة للأعراف والقانون الدولي الإنساني”.
شبكة أطباء السودان
وقالت شبكة أطباء السودان إن نحو 14 ألف مدني لقوا حتفهم في الفاشر خلال عام ونصف، منهم 1500 في آخر 3 أيام.
وأضافت المتحدثة باسم الشبكة تسنيم الأمين، في بيان، أن “المجازر التي يشاهدها العالم اليوم هي امتداد لما تم بالفاشر منذ أكثر من عام ونصف، إذ لقي أكثر من 14 ألف مدني بالقصف والتجويع والتصفيات”.
واعتبرت أن “ما يحدث بالفاشر يمثل إبادة حقيقية على أساس إثني في ظل تجاهل دولي وإقليمي ودون ردة فعل بحجم المجازر التي تتم بحق المدنيين في الفاشر”.
وفي بيان منفصل، اتهمت شبكة أطباء السودان قوات من الدعم السريع بالإقدام على “تصفية المرضى والمصابين داخل مستشفيات الفاشر”، وقالت إن القوات “قتلت بدم بارد كل من وجدته داخل العنابر من مرضى ومرافقين وأطباء”.
واعتبرت الشبكة أن ما جرى حلقة في ما وصفته بأنه “مسلسل الإبادة الجماعية الممنهجة” ضد المدنيين في دارفور، مطالبةً الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بالتدخل العاجل لحماية الكوادر الطبية والمدنيين العزّل.
واستيقظ السودانيون في فجر 26 أكتوبر على مقاطع فيديو نشرتها حسابات تابعة لقوات “الدعم السريع” تؤكد توغل هذه القوات داخل مقر الفرقة السادسة مشاة للجيش السوداني في الفاشر، بشمال دارفور، سرعان ما ألحقتها ببيان رسمي، أكدت فيه سيطرتها على المدينة الاستراتيجية التي صمدت في وجه حصار استمر أكثر من 500 يوم.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قال، الاثنين، إن القوات المسلحة السودانية تستطيع أن تقلب الطاولة، وذلك بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر قيادة الجيش في مدينة الفاشر التي كانت آخر موقع للجيش في إقليم دارفور غرب البلاد.
واندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 بعد خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة خلال عملية سياسية للانتقال إلى حكم مدني بعد الإطاحة بالحكومة السابقة في 2021.
