دير الزور – عبادة الشيخ
تعاني الثروة الحيوانية في محافظة دير الزور شرقي سوريا من أزمة تفشي مرض الحمى القلاعية، الفيروسي شديد العدوى، والذي يصيب الحيوانات ذات “الظلف المشقوق” كالأبقار والأغنام والماعز، ويهدد المنطقة بخسائر اقتصادية، ويزيد من معاناة السكان في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا.
وتعتبر دير الزور من المحافظات المعروفة بثروتها الحيوانية التي تُعد شريان حياة للكثير من الأسر.
معاناة مضاعفة في زمن الأزمات
أجرى مراسل جولة في أسواق دير الزور، وتحدث مع عدد من التجار والمربين، لمعرفة الأثر الفعلي لتفشي الحمى القلاعية على المربين واقتصاد المنطقة.
مصعب الحمد، مربي أغنام من ريف دير الزور الشرقي، أعرب عن يأسه مشيرًا إلى أن المرض ضرب قطيعه، مؤكدًا خسارته أكثر من 20 رأسًا من الحملان الصغيرة، والأمهات ضعفت إنتاجيتها من الحليب.
وقال شاكيًا، “لم يعد لدي ما أطعمه لعائلتي بسبب الخسائر”، مضيفًا أن اللقاحات إن وجدت فثمنها مرتفع، والأطباء البيطريون لا يصلون إلى أماكن تربية الماشية بسهولة بسبب الطرقات والوضع الأمني.
وذكر أن المربين بدؤوا ببيع ما تبقى من ماشيتهم بأثمان بخسة، ليتمكنوا من شراء الطعام أو تأمين دواء للماشية المصابة.
من جهته، أشار محمود الدبزي، تاجر ماشية في “ماكف الميادين” (سوق الماشية في المدينة) بدير الزور، إلى أن حركة البيع والشراء تراجعت بشكل كبير.
وقال ل، إن المربين يخافون من شراء الحيوانات المصابة، وإن الأسعار انخفضت بشكل “جنوني”، وفق تعبيره.
وتابع أن الأبقار التي كانت تباع بمبالغ جيدة، أما الآن فهناك صعوبة في بيعها.
“المربون يتخلصون من حيواناتهم المصابة بأسعار زهيدة خوفًا من نفوقها، وهذا يزيد من معاناتنا كتجار، حتى اللحامون أصبحوا حذرين جدًا في شراء الذبائح”، بحسب محمود.
أيمن الكعاب، صاحب ملحمة في بلدة الصبحة، أكد ارتفاع تكلفة شراء اللحوم الجيدة، إذ وصل سعر الكيلو الواحد إلى 100,000 ليرة سورية (نحو عشرة دولارات) بعد أن كان يباع بـ60,000 ليرة.
وذكر أن اللحامين يواجهون صعوبة في الحصول على لحوم سليمة وخالية من الأمراض، وأنهم يعتمدون على الفحص البصري لافتًا إلى أن خبرتهم لا تكفي.
وأشار إلى أن المستهلك أصبح أكثر حذرًا ويسأل عن مصدر اللحوم، وهذا الوضع أثر على حركة البيع بشكل كبير، وفق أيمن.
وطالب صاحب الملحمة بتدخل الجهات المعنية لتوفير اللقاحات، وزيادة الرقابة لضمان سلامة الثروة الحيوانية.
عوامل في تفشي المرض
مدير دائرة الصحة والإنتاج الحيواني بمديرية الزراعة في دير الزور، محمد حيدر المحمد، قال ل، إن الوضع يتطلب استجابة سريعة ومتكاملة للحد من انتشار المرض وتخفيف آثاره على الثروة الحيوانية والمجتمع المحلي.
وذكر الدكتور المحمد عدة عوامل رئيسة تسهم في تفشي الحمى القلاعية بريف دير الزور، وتعكس التحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة، ويأتي في مقدمتها ضعف الرقابة البيطرية، إذ إن الظروف الأمنية والاقتصادية في المنطقة حدّت من قدرة الجهات المعنية على فرض رقابة فعالة على حركة الحيوانات ومتابعة تطبيق الإجراءات الوقائية.
وأضاف المحمد أن نقص التطعيمات الوقائية للحيوانات يمثّل ثغرة كبيرة في جهود المكافحة، فاللقاحات التي تُعد خط الدفاع الأول ضد الفيروس، غير متوفرة بالكميات الكافية، ما يترك قطعان الماشية عرضة للإصابة.
كما أن الازدحام في حظائر الماشية، الناتج عن محدودية المساحات المتاحة للمربين أو بسبب تجمع الحيوانات في مناطق آمنة نسبيًا، يسهّل انتقال الفيروس بسرعة بين الحيوانات.
العدوى تنتقل أيضًا، وبشكل كبير، عبر التعامل مع الحيوانات الجديدة أو المشتراة من مناطق موبوءة، خاصة عندما لا يتم إخضاع هذه الحيوانات لفحص بيطري دقيق قبل إدخالها إلى القطيع.
وتُسهم حركة الحيوانات غير المنضبطة بين القرى والمناطق الرعوية في نشر الفيروس على نطاق أوسع، ما يجعل جهود الاحتواء أكثر صعوبة.
وأشار إلى دور تلوث مصادر المياه والأعلاف بالفيروس، خاصة في المناطق التي تعاني من سوء الصرف الصحي، ما يخلق بيئة مثالية لتكاثر الفيروس وانتشاره بين الحيوانات التي تشرب أو تأكل من هذه المصادر.
أعراض شائعة وإجراءات أولية
أشار الدكتور المحمد إلى أن الحمى القلاعية تتجلى في مجموعة من الأعراض الواضحة، والتي يجب على مربي الماشية الانتباه إليها جيدًا للتمكن من التشخيص المبكر والتعامل السريع.
تشمل الأعراض الشائعة ارتفاعًا ملحوظًا في درجة حرارة الحيوان (الحمى)، يليه ظهور تقرحات وبثور مؤلمة على الفم واللثّة واللسان وحتى حوافر الحيوانات.
وينتج عن هذه التقرحات سيلان اللعاب المفرط، حيث يعاني الحيوان من صعوبة بالغة في الأكل والبلع بسبب الألم الشديد.
كما أن التقرحات في الحوافر تؤدي إلى العرج وصعوبة في المشي، ما يؤثر على قدرة الحيوان على الحركة والبحث عن الغذاء.
وبالنسبة للأبقار والأغنام الحلوب، يلاحظ المربون انخفاضًا حادًا في إنتاج الحليب، وتعاني الحيوانات المصابة من فقدان الشهية والضعف العام، ما يؤدي في الحالات الشديدة، وخصوصًا في صغار الحيوانات والعجول، إلى النفوق.
وشدد الدكتور المحمد على أهمية اتخاذ إجراءات أولية سريعة من قبل مربي الماشية فور الاشتباه بالإصابة.
تبدأ هذه الإجراءات بعزل الحيوانات المصابة فورًا في مكان منفصل لمنع انتشار العدوى إلى بقية القطيع، يتبع ذلك تطهير الحظائر والأدوات التي تستخدم في التعامل مع الحيوانات بشكل دوري باستخدام المطهرات المناسبة مثل “اليود” أو “الصودا الكاوية”.
وحذر الدكتور من نقل أو بيع الحيوانات المصابة، إذ إن ذلك سيؤدي حتمًا إلى نشر المرض في مناطق.
يهدد الأمن الغذائي والاقتصاد
تُعد الحمى القلاعية “كارثة حقيقية” على الثروة الحيوانية، ليس فقط بسبب معدل الإصابة المرتفع، ولكن أيضًا بسبب تداعياتها الاقتصادية “الخطيرة”.
الدكتور المحمد أكد أن المرض يسبب خسائر اقتصادية كبيرة لمربي الماشية وللاقتصاد المحلي، إذ تتجسد الخسائر في انخفاض إنتاج الحليب واللحوم، ونفوق العجول والصغار التي تكون أكثر عرضة للفيروس.
وعلى الرغم من أن المرض لا يؤدي عادة إلى نفوق كبير في الحيوانات البالغة، فإنه يضعفها بشكل كبير ويجعلها أكثر عرضة للإصابة بأمراض أخرى، ما يزيد من تكلفة الرعاية البيطرية ويقلل من إنتاجيتها على المدى الطويل، وفق المحمد.
ولا تقتصر تداعيات المرض على المستوى المحلي، بل تمتد لتؤثر على التجارة المحلية والدولية، فالدول والمناطق التي تُعلن موبوءة بالحمى القلاعية عادة ما تُفرض عليها قيود صارمة على تصدير الحيوانات ومنتجاتها، ما يؤثر على حركة التجارة ويحرم المربين من فرص التسويق.
إجراءات للوقاية
للوقاية من هذا الوباء، أكد الدكتور المحمد ضرورة اتباع إجراءات وقائية “صارمة”، يأتي في مقدمتها التطعيم الدوري للحيوانات ضد سلالات الفيروس المنتشرة، وهو ما يتطلب توفر اللقاحات بكميات كافية وبأسعار معقولة.
كما أن تحسين النظافة في الحظائر وتطهيرها بانتظام يُعد إجراء وقائيًا حاسمًا.
ولفت إلى مراقبة الحيوانات الجديدة بشكل دقيق قبل إدخالها إلى القطيع للتأكد من خلوها من أي أمراض، وتجنب الرعي في مناطق موبوءة أو مشاركة المراعي مع قطعان أخرى غير معروفة المصدر الصحي.
هل ينتقل إلى البشر
أوضح الدكتور المحمد أن نقل العدوى إلى البشر نادر الحدوث، ويحدث في حالات استثنائية عند التعامل المباشر والمكثف مع حيوانات مصابة دون اتخاذ احتياطات وقائية.
وشدد على أن الفيروس لا ينتقل عبر تناول اللحوم أو الحليب “المبستر”، وذلك لأن الفيروس حساس للحرارة ويموت بعمليات الطهو أو “البسترة”.
ونبّه إلى أنه في حال تناول حليب “غير مبستر” من حيوان مصاب، قد يعاني الإنسان من أعراض خفيفة مثل الحمى والتهاب الحلق، مشيرًا إلى أن هذه الأعراض عادة ما تكون بسيطة ولا تشكل خطرًا صحيًا كبيرًا.
تحديات الرقابة
قال الدكتور المحمد إن الظروف المثالية تتطلب فحصًا دقيقًا للحوم للتأكد من خلوها من الأمراض.
ومع ذلك، وفي مناطق مثل دير الزور، فإن الرقابة البيطرية قد تكون ضعيفة بسبب الأوضاع الأمنية الراهنة التي تعوق عمل الفرق البيطرية وتحد من قدرتها على الوصول إلى جميع الأسواق.
ونصح المحمد المستهلكين بشراء اللحوم من مصادر موثوقة ومعروفة بمدى التزامها بالمعايير الصحية، مشددًا على طهو اللحوم جيدًا قبل تناولها، حيث تضمن درجات الحرارة العالية قتل أي فيروسات أو بكتيريا قد تكون موجودة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي