الخطر حقيقي.. لهذا يفكر ترمب في بناء “قبة حديدية أميركية”
يبدو أن الوقت أصبح مناسباً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، لتنفيذ وعده ببناء وتجميع النسخة الأميركية من “القبة الحديدية الإسرائيلية”، التي تعهد ببنائها حول بلاده، في ظل انتشار تقارير تؤكد عدم استعداد واشنطن للتصدي لضربة صاروخية بعيدة المدى في أي حرب محتملة ضد روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية.
وذكر تقرير أعده روبرت سوفر، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع السابق لسياسة الدفاع النووي والصاروخي في إدارة ترمب السابقة، ونقلته مجلة NewsWeek، أن التهديد بضربات بعيدة المدى على الأراضي الأميركية تُشن بواسطة صواريخ باليستية عابرة للقارات مزودة برؤوس حربية نووية “حقيقي ومتزايد”.
وأوصي سوفر، في التقرير المنشور بالمجلس الأطلسي، إدارة ترمب ببناء مخزونات أميركية من أنواع محددة من الصواريخ الاعتراضية بسرعة، لتدمير أي هجوم محتمل، بدلاً من الاعتماد فقط على “التهديدات بالانتقام” لردع أي استهداف محتمل من كوريا الشمالية أو الصين أو روسيا للبر الرئيسي للولايات المتحدة.
وأضاف أنه “ينبغي للحكومة الأميركية أن تستثمر في الصواريخ الاعتراضية الفضائية فضلاً عن الأسلحة الموجهة بالطاقة والتي على وشك أن تدخل حيز الاستخدام في بلدان مختلفة”.
وأكد تقرير سوفر أن واشنطن تستطيع الرد على ضربة عسكرية ضد دولة أخرى، لكنها لا تستطيع منع الضربة الأولى من كوريا الشمالية على سبيل المثال، إلا إذا استخدمت بيونج يانج عدداً قليلاً من الرؤوس الحربية.
وتعهد ترمب “ببناء قبة حديدية” فوق الولايات المتحدة لضمان “عدم تمكن أي شيء من إيذاء شعبنا”، لكنه لم يحدد كيف يخطط لتحقيق ذلك.
عالم أكثر خطورة
وسيعود الرئيس الجمهوري إلى المكتب البيضاوي في العشرين من يناير الجاري، في وقت أصبح فيه العالم أكثر خطورة مقارنة بفترة ولايته الأولى، مع انتشار التهديدات النووية والصواريخ الباليستية التجريبية التي تجذب الانتباه من جديد إلى الكيفية التي تخطط بها واشنطن لحماية الأراضي الأميركية.
ومضت كوريا الشمالية قدماً في برامجها لتطوير الأسلحة النووية والصاروخية، كما أدت حرب موسكو في أوكرانيا إلى تدهور العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة إلى أسوأ مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في نوفمبر الماضي، إن بلاده أطلقت صاروخاً باليستياً تجريبياً متوسط المدى على أوكرانيا. وكانت السلطات في كييف قد صنفت السلاح في البداية على أنه أول استخدام لصاروخ باليستي عابر للقارات في القتال.
كما حدثت موسكو عقيدتها النووية مع احتفال أوكرانيا بمرور 1000 يوم من الحرب مع جارتها، ما أدى إلى خفض العتبة التي يحتاجها الكرملين لتبرير ضربة نووية.
وفي أواخر نوفمبر الماضي، قالت وزارة الدفاع في كوريا الشمالية إن “الاستفزازات العسكرية الأميركية ” تهدد “بدفع الوضع الإقليمي إلى كارثة لا يمكن إصلاحها”.
ويتوقع المحللون أن تواصل بيونج يانج المضي قدماً في ترسانتها المتطورة على نحو متزايد، في حين تعمل على بناء المزيد من مخزونات الرؤوس الحربية التقليدية والنووية.
وفي الوضع الحالي، لا تمتلك الولايات المتحدة نظاماً متكاملاً لاعتراض ضربات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات واسعة النطاق التي يتم إطلاقها من روسيا أو الصين، على الرغم من أنها ستكون قادرة على إسقاط العدد الصغير نسبياً من الصواريخ التي يمكن أن تطلقها كوريا الشمالية على الولايات المتحدة.
وسيكون نهج الدفاع الأميركي “ارتجالياً”، نظراً لأن لديها حالياً 44 صاروخاً اعتراضياً أرضياً منتشراً في مختلف أنحاء البلاد، 40 منها في صوامع بألاسكا، و4 أخرى في قاعدة فاندنبرج الجوية في كاليفورنيا كجزء من نظام الدفاع الأرضي في منتصف المسار.
وبحلول عام 2028 تقريباً، سيضيف البنتاجون 20 صاروخاً اعتراضياً من الجيل التالي، أو NGIs، إلى 44 صاروخاً اعتراضياً من الجيل التالي.
الاعتماد على نظام Aegis
وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على نظام Aegis في عمل الصواريخ الاعتراضية لإسقاط الصواريخ الباليستية، والذي قال سوفر عنه لمجلة NewsWeek، إنه “قادر على حماية نحو ثلث الولايات المتحدة في وقت معين”.
واختبرت وكالة الدفاع الصاروخي والبحرية الأميركية صاروخ SM-3 IIA ضد صاروخ باليستي عابر للقارات وهمي في نوفمبر 2020.
وقال الجنرال جلين فان هيرك، الرئيس السابق للقيادة الشمالية الأميركية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية للمشرعين في مارس 2023 إنه واثق من قدرة بلاده الحالية على الدفاع عن الولايات المتحدة ضد تهديد صاروخي باليستي محدود من كوريا الشمالية، لكنه قلق بشأن القدرة المستقبلية والقدرة على الاستجابة.
وأضاف أنه من الأهمية بمكان أن تنشر الولايات المتحدة أجهزة الرادار الصاروخية الجديدة.
القبة الحديدية الأميركية
وتم تصميم القبة الحديدية، التي صنعتها شركة “رافائيل” لأنظمة الدفاع المتقدمة المملوكة لإسرائيل، لصد الهجمات الصاروخية قصيرة المدى، والتي لا تشكل التهديد الرئيسي للولايات المتحدة.
ولا يرى الخبراء أي جدوى من تصميم مماثل للولايات المتحدة باعتباره “غير عملي”، فدفاعات إسرائيل مختلفة تماماً عن أميركا لعدة أسباب، بينها حجم الدولة، والجهة التي تقوم بعملية الاستهداف.
وفي تجمع حاشد في فينيكس، أواخر ديسمبر الماضي، قال الرئيس الأميركي المنتخب إنه سيوجه جيش البلاد لبدء بناء درع الدفاع الصاروخي والقبة الحديدية “العظيمة”، التي سيتم تصنيعها بالكامل في الولايات المتحدة.
وأكد سوفر أن المقترحات الواردة في تقريره يمكن أن تكون وسيلة عملية لجعل مفهوم “القبة الحديدية” مناسباً للولايات المتحدة.
وأضاف أنه “إذا كانت القبة الحديدية الأميركية مجرد تعبير ملطف عن دفاع أكثر شمولاً، فإن واشنطن تحتاج إلى طبقات أكثر”.
وأشار سوفر إلى أن هناك عدة سيناريوهات يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لها، بينها أنه يمكن لكوريا الشمالية إطلاق عدد قليل من الصواريخ عمداً أو عن طريق الخطأ، فضلاً عن احتمالية تنفيذ روسيا والصين مجتمعتين لهجوم ساحق ضد واشنطن.
ويؤكد خبراء أن الهجوم الكوري الشمالي سيكون مختلفاً جداً عن الطريقة التي ستتعامل بها روسيا أو الصين مع المعركة ضد الولايات المتحدة، إذ أنه رغم “عدوانية” بيونج يانج، إلا أنها مقيدة بمخزوناتها الحالية، ولكن الهجوم من بكين أو موسكو، أو كليهما، سيشمل مئات أو آلاف الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، فضلاً عن الأسلحة الكهرومغناطيسية والتشويش، كما يقول ويليام ألبرك، وهو زميل في مركز هنري إل ستيمسون والمدير السابق لمركز الناتو للسيطرة على الأسلحة ونزع السلاح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
شكل الهجوم المحتمل
وزعم تقرير سوفر، أن بكين وموسكو قد تختاران أيضاً مهاجمة الولايات المتحدة بضربة محدودة “لإخضاع” واشنطن. وسيكون هذا النوع من العمليات مصمماً لحمل واشنطن على الانسحاب من القتال أو رفض دعم حليف، ولكن ليس بهدف استفزازها لاستخدام أسلحتها النووية أو شن هجوم انتقامي واسع النطاق.
وفي العام الماضي، زعم معهد الخدمات الملكية المتحدة (RUSI)، وهو مؤسسة بحثية دفاعية مقرها المملكة المتحدة، أن أعداء الولايات المتحدة قد يستخدمون ضربات نووية أو تقليدية محدودة، والتي لا تمتلك الاستعداد الكافي لصدّها، بهدف “ترهيب واشنطن” وليس إغضابها.
وأضاف المركز أن “بوتين والزعيم الصيني شي جين بينج يعتقدان أن مثل هذه الضربات القسرية يمكن أن تردع الولايات المتحدة عن الدفاع عن حلفائها”.
ويعتمد جزء رئيسي من الاستراتيجية النووية والعسكرية الأوسع نطاقاً للولايات المتحدة على اعتقاد حلفاء أميركا بأن واشنطن ستهب لمساعدتهم في حال تعرضوا للهجوم.
وبحسب تقرير سوفر، فإن بكين أو موسكو قد تضربان أيضاً القوات النووية ومراكز القيادة الأميركية لوقف الانتقام النووي الساحق. وهذا يعني أن الصواريخ يجب أن تحمي القواعد والقوات الرئيسية التي قد تستخدمها الولايات المتحدة للرد.
الرد الأميركي
وينبغي للولايات المتحدة أن تدمج أنظمة الدفاع الصاروخي الأرضية، التي تحمي أراضيها بمفردها، مع صواريخ SM-3، بالإضافة إلى الصواريخ الاعتراضية التي تطلقها منظومة THAAD، وكل التكنولوجيا المرتبطة بها مثل الرادارات.
وقال سوفر إن “الولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى المزيد من صواريخ SM-3، وزيادة الإنتاج”. وتصنع الولايات المتحدة حالياً نحو 12 صاروخاً من أحدث نسخة من صواريخ SM-3 كل عام، ولكن ربما تتمكن من إنتاج ضعف هذا العدد. ويبلغ ثمن كل صاروخ حوالي 25 مليون دولار أميركي، وهو صاروخ أكثر قدرة وطويل المدى وأكثر تقدماً.
وتعمل الولايات المتحدة بالفعل على تطوير صاروخ NGI، حيث تم اختيار شركة Lockheed Martin العملاقة في مجال الدفاع لتولي تطوير الصاروخ الاعتراضي، والذي تروج له الشركة المصنعة باعتباره صاروخاً “سيحدث ثورة في الدفاع الصاروخي بالولايات المتحدة”.
وقالت شركة Lockheed Martin إن الصاروخ مصمم خصيصاً لحماية الأراضي الأميركية من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من إيران وكوريا الشمالية.
وتعترض الصواريخ العاملة ضمن نظام Aegis أو THAAD الصاروخ الباليستي العابر للقارات عندما يقترب من السقوط على الأرض، في حين يقول سوفر إن تدمير الصواريخ في المرحلة الأولى من إطلاقها والمعروف باسم الدفاع الصاروخي في مرحلة التعزيز ينبغي أن يكون خياراً مطروحاً على الطاولة.
استراتيجية سول
ويضع خبراء احتمال آخر يتلخص في إمكانية تطوير كوريا الجنوبية “الدفاع الصاروخي في مرحلة التعزيز”. وفي السنوات القليلة الماضية، وضعت سول استراتيجية تتألف من عدة أجزاء، بما في ذلك توجيه ضربات استباقية إلى المنشآت النووية والصواريخ الأوسع نطاقاً في كوريا الشمالية إذا ظهرت علامات تشير إلى أن جارتها الشمالية تنوي استخدامها، وهو ما يعرف باسم “سلسلة القتل”.
وتمتلك كوريا الجنوبية نظام الدفاع الجوي والصاروخي الكوري لاعتراض الهجمات، إلى جانب خطة العقاب والانتقام الشامل لكوريا – KMPR، والتي تعني الضربات الدقيقة أو استخدام قوات “الكوماندوز” لقتل كبار المسؤولين الكوريين الشماليين ومراكز القيادة الحيوية.
وأكد ويليام ألبرك، المدير السابق لمركز الناتو للسيطرة على الأسلحة ونزع السلاح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، أن شبكة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي الصاروخي، هي “سيف كوريا الجنوبية ودرعها”.
وأضاف ألبرك أن “كوريا الجنوبية تعمل على بناء قدرات تقليدية استباقية لهزيمة عدو مسلح نووياً”، مشدداً على أن واشنطن يستوجب عليها أن تعمل مع سيول في هذا الصدد.
تسليح الفضاء
وذكر سوفر أن هناك خياراً آخر يتمثل في إطلاق صواريخ اعتراضية من الفضاء، وهو ما سيشكل عنصراً أساسياً في القبة الحديدية الأميركية، معتبراً أن تسليح الفضاء أصبح الآن “أمراً لا مفر منه”.
ويبدو أن الرئيس الأميركي المنتخب يعتقد ذلك أيضاً، خاصة بعدما أكد أن رونالد ريجان أراد “تسليح الفضاء” منذ سنوات عديدة، ولكن لم تكن لديه التكنولوجيا اللازمة.
وكان ريجان يعتزم أن تقوم مبادرة الدفاع الاستراتيجي، التي يتمركز جزء منها في الفضاء، باعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي يطلقها الاتحاد السوفييتي آنذاك في نقاط مختلفة خلال رحلة الصاروخ.
وقال سوفر إن الصواريخ الاعتراضية من نوع SM-3 وGBI ستكون كافية لهزيمة مخزون كوريا الشمالية المحدود نسبياً من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ولكن في مواجهة روسيا أو الصين، فإن الصواريخ الاعتراضية الفضائية ستكون السبيل الوحيد للتعامل مع التهديد الذي تشكله هذه الصواريخ.
وإذا اختارت روسيا شن هجمات على الولايات المتحدة، فقد تجد واشنطن نفسها في مواجهة أكثر من ألف رأس حربي متجهة إلى أراضيها، وخاصة قواتها النووية الاستراتيجية.
واقترح سوفر أن يضع البنتاجون المزيد من التركيز على الاستثمار في القدرات المستقبلية الثورية، مثل أجهزة استشعار الفضاء، والصواريخ الاعتراضية الفضائية، والخيارات غير الحركية (مثل الطاقة الموجهة) لتتفوق على تطوير قدرات الخصم.
استراتيجية روسيا والصين
ويشير التقرير الذي أعده سوفر إلى أن روسيا والصين تعملان على بناء دفاعاتهما الخاصة ضد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.
ويوضح ألبرك أن “موسكو وبكين تعملان معاً في مجال أقمار الإنذار المبكر، وتستخدمان هيمنة روسيا في مجال الدفاع الجوي الممزوجة بخبرة الصين في مجال الفضاء”، لافتاً إلى أن نظام الدفاع الجوي الروسي، وهو الإصدار التالي من سلسلة طويلة الأمد من أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة القائمة على الأرض، لا يهدف فقط إلى اعتراض الطائرات عالية التحليق، بل يهدف أيضاً إلى الصواريخ وحماية الفضاء.
كما تعمل موسكو على تطوير نظام Nudol، أو A-235 PL-19، وهو نظام مصمم لإيقاف الصواريخ الباليستية ومكافحة الأقمار الصناعية.
وقال ألبرك إن الصين تبني قدرات هجومية جديدة ضخمة للتغلب على الدفاعات الصاروخية المحدودة للولايات المتحدة، وهي تبني قدرات خاصة أخرى لتدمير قدرات الدفاع الصاروخي الأميركية حتى لا تتمكن واشنطن من الدفاع ضد أي شيء.
وأوضح ألبرك أن موسكو وبكين تعملان على إنشاء نظام من شأنه أن يجعل من الصعب على الولايات المتحدة استهداف الأهداف الروسية والصينية والوصول إليها. وأكد: “نحن في خضم سباق تسلح، وليس في بدايته”.