الخلافات بين ترامب ونتنياهو تشتعل بعد رفض أمريكي 3 طلبات إسرائيلية و”صفعة” لتل أبيب

تكشف الخلافات بين ترامب ونتنياهو عن تصدع خطير في التحالف السياسي بين اثنين من أبرز رموز اليمين العالمي، وحول الأسباب والتداعيات التي أدت لهذه المرحلة، يكشف خبير لوكالة “ستيب نيوز” كيف أحرج رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الأمريكي بملفين، وعن 3 طلبات رفضها ترامب وأثارت غضبه.
الخلافات بين ترامب ونتنياهو في ضوء التحولات السياسية
العلاقة بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو كانت توصف سابقًا بأنها صلبة ومتينة، نظراً للتقارب الإيديولوجي بين الطرفين، لكن الواقع يشير إلى أن الخلافات كانت تتراكم بصمت، حتى بدأت تظهر إلى العلن مع التغيرات الحادة في ملفات إقليمية معقدة، وتنبع أهمية هذه الخلافات من كونها لا تعكس مجرد صراع شخصي، بل تفتح النقاش حول مستقبل العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبدأ التوتر الحقيقي بين الطرفين بعد قمة بودابست، حيث استدعى ترامب نتنياهو إلى البيت الأبيض مباشرة، وأبلغه بعدم توجيه أي ضربة عسكرية ضد إيران، هذه الحادثة شكلت نقطة مفصلية في العلاقة بين الزعيمين.
وفي هذا السياق، يوضح البروفيسور حسين الديك، أستاذ العلاقات الدولية، المتخصص بالشأن الأمريكي، خلال حديث لوكالة “ستيب نيوز“، قائلاً: “العلاقة بين ترامب ونتنياهو هي علاقة متوترة وليست وليدة اللحظة، وبدأ التوتر حين استدعى ترامب نتنياهو إلى البيت الأبيض بعد قمة بودابست مباشرة وأبلغه بعدم التوجّه بأي ضربة عسكرية ضد إيران.”
وأراد نتنياهو استخدام ورقة العلاقات الشخصية لتغيير سياسة واشنطن تجاه إيران، وخاصة الاتفاق النووي، لكن ترامب، رغم انتقاداته للاتفاق، لم يكن مستعداً للدخول في صدام مباشر مع طهران دون ضمانات استراتيجية.
ويوضح البروفيسور الديك هذه النقطة قائلاً: “نتنياهو كان يريد أن يملي على الإدارة الأمريكية العديد من القضايا، أبرزها عدم الدخول باتفاق نووي مع إيران، لكن واشنطن رفضت ذلك.”
وواحدة من محاور الخلاف الرئيسية كانت حول الدور التركي في سوريا، فقد سعى نتنياهو إلى دفع ترامب لمنع تعزيز الوجود التركي في الشمال السوري.
لكن بحسب تحليل البروفيسور حسين الديك، فإن الرد كان واضحًا: “كان يريد نتنياهو من ترامب منع أردوغان من تعزيز الوجود التركي بسوريا، وهو أيضاً رفضه ترامب.”
أزمة التواصل مع مستشار الأمن القومي الأمريكي
تعززت الخلافات أكثر عندما بدأ نتنياهو في تجاوز ترامب والتواصل مباشرة مع شخصيات داخل الإدارة الأميركية مثل مستشار الأمن القومي.
البروفيسور الديك يشير إلى هذه النقطة الحساسة ويقول: “كان هناك قضية أخرى أغضبت ترامب، وهي تنسيق نتنياهو مع مستشار الأمن القومي الأمريكي بشأن إيران بدون الرجوع لترامب.”
هذا التصرف أثار حفيظة ترامب الذي رأى فيه تحديًا لسلطته المباشرة، وأحد أبرز ملامح التوتر الشخصي بين الزعيمين.
قضية غزة.. محور خلاف إضافي
لم تكن غزة بعيدة عن ساحة الخلاف، ففي لحظات حرجة، اتخذ نتنياهو قرارات من طرف واحد، مثل المماطلة بإدخال المساعدات الإنسانية وتوسيع العمليات العسكرية، دون تنسيق مسبق مع إدارة ترامب.
ويعلق البروفيسور الديك على ذلك قائلاً: “نتنياهو أحرج ترامب بقضيتين: الأولى بشأن غزة وإدخال المساعدات، والثانية توسيع العملية العسكرية بغزة من خلال عمليات عربات جدعون.”
العلاقة أعمق من الخلافات الشخصية
في ظل هذا الكم من الخلافات، يطرح البعض سؤالًا حول إمكانية أن تتجه العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الفتور أو القطيعة؟
البروفيسور حسين الديك يقول: “برأيي، يُعدّ رفع الغطاء الاستراتيجي الأميركي عن إسرائيل خيارًا مستبعدًا… لأن إسرائيل تمثّل المصالح الاستراتيجية والإمبريالية والكولونيالية الغربية في منطقة الشرق الأوسط… ولهذا، فإن الخلافات القائمة حالياً ليست بين الدولتين — الولايات المتحدة وإسرائيل — بل بين إدارتَي ترامب والحكومة الإسرائيلية.”
وحتى في ظل تغير الإدارات وتبدل المصالح، تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل قائمة على مؤسسات قوية وتحالفات لا تتبدل بسهولة.
ويؤكد البروفيسور الديك هذه النقطة بقوله: “العلاقة بين الدولتين علاقة استراتيجية عميقة، تتجاوز مؤسسات الدولة العميقة في البلدين، وتتخطى الكونغرس الأميركي ولوبيات الضغط داخل الولايات المتحدة، هي ليست علاقة بين أشخاص، بل علاقة مؤسسية واستراتيجية بين دولتين.”
ثبات الحلفاء رغم تغيّر الإدارات
تغيّر الرؤساء في واشنطن لا يعني بالضرورة تغيّر الحلفاء أو الأولويات الجيوسياسية، فقد حافظت الولايات المتحدة تاريخيًا على تحالفاتها الاستراتيجية، بما فيها إسرائيل ودول الخليج.
البروفيسور حسين الديك يشير إلى هذه الثوابت في تحليله: “الولايات المتحدة لم تُغيّر حلفاءها الاستراتيجيين، فحلفاؤها التقليديون، سواء دول الخليج العربي أو إسرائيل، لا يزالون كما هم، وما تغيّر هو إدارة توازنات المصالح الأميركية العليا، ومصالح الأمن القومي.”
ويضيف: “تتصرف واشنطن في هذا السياق بما يخدم مصلحة الشعب الأميركي.”
وفي خطوة لم تمر مرور الكرام، قرر ترامب زيارة دول الخليج العربي دون التوقف في تل أبيب، على الرغم من أن إسرائيل كانت تخوض حربًا مفتوحة آنذاك.
يوضح البروفيسور الديك خلفيات هذا التحرك: “من هذا المنطلق، يمكن تفسير زيارة ترامب إلى دول الخليج العربي، حيث يسعى للحصول على الاستثمارات والمليارات لدعم الاقتصاد الأميركي وإنعاشه، لهذا السبب زار الخليج ولم يزر إسرائيل، خاصة وأن إسرائيل ما زالت تخوض الحرب ولم تتوصل إلى هدنة.”
ويختم: “هذه كانت رسالة قوية من الإدارة الأميركية إلى إسرائيل، لكنها لا تعني على الإطلاق أن الولايات المتحدة بصدد تغيير تحالفاتها في المنطقة.”، مشيراً إلى أن الرسالة كانت سياسية واضحة، لكنها لم تكن قطيعة دبلوماسية.
ملف غزة.. ليس الخلاف الوحيد
على الرغم من أن غزة شكلت محورًا حادًا للخلافات، فإنها ليست الملف الوحيد الذي يعكس تباين المصالح بين واشنطن وتل أبيب.
يرى البروفيسور الديك أن هناك قضايا أعمق وأكثر تأثيرًا: “ملف الحرب في قطاع غزة ليس وحده من يعكس التشابك والتوتر في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، أو بين ترامب ونتنياهو، هناك عدة ملفات أخرى على رأسها الملف النووي الإيراني.”
ويختلف ترامب ونتنياهو جذريًا في رؤيتهما نحو إيران، ففي حين يرى ترامب أن تقليل التوتر يصب في مصلحة بلاده، يصرّ نتنياهو على الخيار العسكري.
ويحلل البروفيسور حسين الديك هذا التضاد في التوجهات: “ترامب يسعى إلى تصفير الأزمات وتقليل بؤر التوتر في المنطقة والعالم، ليتمكن من التفرغ لمواجهة التمدد والنفوذ الصيني، أما نتنياهو، فله وجهة نظر مختلفة، ويُفضّل المزيد من التصعيد، ويضغط لضرب المفاعل النووي الإيراني.”
ويكشف هذا التناقض عن صدام حقيقي في الأولويات، بين التركيز على آسيا لدى ترامب، والإصرار على إيران لدى نتنياهو.
كما أن الانفتاح الأميركي على أطراف كانت في السابق تُصنّف كأعداء لإسرائيل شكل صفعة غير مباشرة لنتنياهو، خصوصًا بعد بروز مؤشرات تفاهم مع الحوثيين وسوريا.
يوضح البروفيسور الديك: “التفاهمات والاتفاقات التي تجري بين واشنطن والحوثيين بوساطة عمانية تثير استياء نتنياهو، تمامًا كما يُزعجه الانفتاح الأميركي على سوريا والتوجه نحو رفع العقوبات عنها، وهو ما يرفضه نتنياهو بشدة.”
ويضيف: “هو يريد استمرار العقوبات، كما يريد مواصلة العمليات العسكرية الخاطفة داخل الأراضي السورية، ويسعى إلى تعميم الفوضى هناك.”
الملف الفلسطيني
أحد أهم أوجه الصدام بين الطرفين يتمثل في طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية، فنتنياهو يسعى إلى فرض الأمر الواقع التوسعي، بينما ترى الإدارة الأميركية أن المشروع الإسرائيلي يتعارض مع أولوياتها العالمية.
ويوضح البروفيسور الديك هذا التناقض: “العلاقة مع الفلسطينيين أيضًا تمثل نقطة خلاف، فنتنياهو يسعى إلى السيطرة الكاملة على أرض فلسطين التاريخية، انطلاقًا من مسمياتها التوراتية، مثل ‘يهودا والسامرة’ في الضفة الغربية، بينما لدى الإدارة الأميركية أولويات استراتيجية عالمية لا يمكن حصرها في مشروع نتنياهو التوسعي.”
ورغم تزايد المؤشرات على التوتر، يبقى الطابع المؤسسي للعلاقة الأميركيةالإسرائيلية هو الحاكم الفعلي لاستمراريتها.
ويشير البروفيسور حسين الديك بوضوح إلى أنه “من غير المرجح على الإطلاق أن يُرفع الغطاء الأميركي عن إسرائيل”، مؤكداً أن ما نشهده هو تباين في التكتيكات لا القطع في الاستراتيجيات.
إعداد: جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية