قد تبدو وسيلة خطرة للتنقل، لكنها الأكثر انتشارًا في مناطق دمشق وريفها والأرياف السورية عمومًا، حيث تعد الدراجة النارية اليوم وسيلة للتنقل والعمل التجاري، تمشي لمسافات طويلة، وتتحمل وزنًا يصل إلى نصف طن في كثير من الأحيان، كما تستخدم في “التهريب” عبر الحدود اللبنانية- السورية.
وقبل سقوط نظام الأسد، اقتصرت الدراجات النارية على وجود نوعيات محددة مثل “البارت” (PART) و”جيالينغ” (Jialing) وياماها (Yamaha)، بينما كان عدد الدراجات من نوع “BMW” قليلًا جدًا ومحدودًا.
وتبدو الدراجات النارية مناسبة لقضاء الحاجات والتنقل في ظل عجز أغلبية السوريين عن شراء السيارات، حيث تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 90% من السوريين تحت خط الفقر.
لا إحصائيات والطلب مرتفع
قالت وزارة النقل ل، إنه لا توجد حاليًا إحصائية لعدد الدراجات النارية في سوريا، حيث يجري العمل على “ترتيب وضع الدراجات ووضع قانون يناسبها”، كما قالت هيئة المنافذ البرية والبحرية، ل، إنه لا إحصائية لديها في الوقت الحالي عن عدد الدراجات الداخلة إلى الأراضي السورية، منذ سقوط النظام السابق في 8 من كانون الأول 2024 حتى الآن.
في 2021، قال مدير النقل الطرقي في وزارة النقل التابعة للنظام السابق، محمود أسعد، لصحيفة “تشرين” (الحرية حاليًا)، إن عدد الدراجات النارية النظامية في سوريا يصل إلى 600 ألف دراجة، بينما أشار تقرير لقناة “العالم سوريا” (مقربة من إيران ومدعومة من نظام الأسد المخلوع)، إلى أن عدد الدراجات النارية بلغ مليون دراجة قبل الحرب، ولم تستطع التثبت من هذه المعلومة من مصدر مستقل.
وبحسب بحث وإحصاء قامت به، فإن هناك سبع شركات كبرى تستورد الدراجات النارية بشكل أساسي، وأربع شركات متوسطة، وقرابة 200 معرض موزعة على مختلف الجغرافيا السورية، تبيع دراجات نارية إضافة إلى بيع قطع تبديل.
في 18 من حزيران الماضي، نقلت وكالة “سانا” الرسمية عن مدير صناعة مدينة حسياء الصناعية، علي عطفة، أنه جرى التصديق على ما يقارب 5000 شهادة منشأ خاصة بالدراجات النارية.
وفي 26 من أيار الماضي، أصدر وزير الاقتصاد والصناعة، محمد نضال الشعار، قرارًا بإعفاء الشركات المرخصة المختصة بصناعة وتجميع الدراجات النارية والكهربائية، من رسوم تصديق شهادات المنشأ من غرف الصناعة.
ويرى أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة “حماة” الدكتور عبد الرحمن محمد، أن سوق الدراجات النارية في سوريا من الأسواق النامية، ويتمتع بشريحة مستهلكين واسعة، حيث يعتمد كثير من الأفراد على الدراجات كوسيلة نقل اقتصادية وسريعة، بالاعتماد على عدد الدراجات لعام 2021 الذي يقدّر بـ600 ألف دراجة.
ويعكس هذا العدد، بحسب ما قاله محمد ل، الطلب المتزايد على وسائل النقل الشخصية، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وفرة تريح ذوي الدخل المنخفض
كمال حسين، صاحب متجر لبيع الدراجات النارية وقطع تبديلها في الزبداني، اعتبر أن السوق شهد تحسنًا كبيرًا بعد سقوط نظام الأسد، فبينما كانت تقتصر الدراجات على نوعية “بارت” بشكل أساسي، أصبحت هناك أنواع أخرى وأكثر تطورًا يجري استيرادها من الصين وتركيا واليابان.
وقال كمال ل، “مع انفتاح السوق أصبحنا نرى بضاعة لم نكن نحلم بها، لقد بتنا نبيع ونشتري كما نشاء وبأسعار معقولة، بينما كان تجار بعينهم (لم يسمِّهم) يحتكرون البرغي فلا يبيعونه إلا بأثمان باهظة”.
وأشار إلى أن أسعار الدراجات النارية (الجديدة) بين 750 و1300 دولار، بينما يتراوح سعر المستعملة بين 250 و500 دولار، مرجعًا تفاوت السعر إلى “طبيعة الدراجة ونظافتها وقدمها”.
خالد خيطو (23 عامًا) يملك دراجة نارية، أشار إلى أن تكاليف الإصلاح الدوري للدراجة تتراوح ما بين 900 ألف ليرة سورية (78 دولارًا) ومليوني ليرة (173 دولارًا) بشكل كامل، بينما تختلف تكلفة كل إصلاح طارئ حسب العطل.
وعبّر خالد عن ارتياحه لتوفر قطع الغيار بشكل مستمر، واستقرار سعر الوقود في السوق وتوفره، مشيرًا إلى دفعه تكاليف باهظة للحصول على قطعة غيار أو بعض الوقود “الحر” في عهد النظام السابق.
على الجانب الآخر، يرى الخبير بشؤون النقل عامر ديب، أن الدراجات النارية باتت اليوم حلًا لذوي الدخل المنخفض.
واعتبر، في حديث إلى، أنه على الرغم من اختلاف أنواع وأحجام الدراجات النارية، فإن استخدامها يقتصر من وجهة نظره على أصحاب المشاريع الصغيرة، كالتوصيل وغيرها من النشاطات.
وقال إن النشاط الاقتصادي يضع الدراجات النارية في خانة تلك المشاريع، كحل للتنقل وتخفيف تكاليف التشغيل على أصحابها، مشيرًا إلى ضرورة حصولهم على موافقة من “هيئة موافقالمشاريع الصغيرة والمتوسطة” على أن يتعهدوا بحسن الاستخدام وعدم الإزعاج والخضوع لدورة سياقة.
حوادث قاتلة
رغم فائدتها في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها سوريا، انقسمت الآراء بين من يراها حلًا إيجابيًا واقتصاديًا، وبين من يراها مصدر إزعاج يجب تقنينه وضبطه.
وانتشرت في دمشق وريفها الدراجات النارية بكثرة، فهناك من اختارها لتكون وسيلته للتنقل كما حال معظم أهالي الزبداني (يعمل غالبهم في البناء والزراعة) حيث تمثل الدراجة النارية بالنسبة لهم “شريان الحياة”، كما قال “أبو محمد غانم” وهو عامل بناء في مدينة جديدة يابوس، ويذهب إلى عمله يوميًا عبر الدراجة.
وأضاف ل، “أذهب أنا والعامل الذي برفقتي على الدراجة، حيث تبلغ تكلفة الرحلة ثمن ليترين من الوقود فقط، أي ما يقدّر بـ22 ألف ليرة (دولاران)” ما يسمح له بالاستمرار في العمل وتحقيق قدر كافٍ من المعيشة الكريمة.
وعلى النقيض من “أبو محمد”، فإن هناك عشرات الدراجات التي يركبها القاصرون يوميًا في الزبداني، في واقع أقل ما يصفه الأهالي بأنه “سيئ”، مطالبين الحكومة بوضع حد للممارسات “الرعناء” التي يمارسها راكبو الدراجات.
وشهدت سوريا منذ بداية العام الحالي تزايدًا بعدد حوادث الدراجات النارية، إذ سجلت 847 حادثًا خلّفت 62 حالة وفاة، وتقدّر نسبة الوفيات إلى الحوادث بـ7.32%.
وقال مدير إدارة المرور، العميد فادي هميش، ل في وقت سابق، إن الفترة الأخيرة شهدت تزايدًا ملحوظًا في عدد حوادث السير التي كان أحد أطرافها أو كلاهما دراجات نارية، ويعود سبب ازدياد الحوادث، وفقًا لهميش، إلى الزيادة الكبيرة بعدد الدراجات النارية داخل المدن، إضافة إلى أسباب أخرى.
ووفق إحصائية إدارة المرور، سجلت محافظة دمشق 138 حادثًا و18 حالة وفاة، بينما سجل ريفها 179 حادثًا دون تسجيل أي حالة وفاة، وفقًا لإحصائية حديثة لمديرية المرور.
الخبير في شؤون النقل عامر ديب، يرى أن مشكلة الدراجة النارية، وتحديدًا في دمشق، هي عدم الضبط والعشوائية فيها إضافة إلى الإزعاجات التي يسببها الاستخدام “الأرعن والطائش”.
ولضبط هذا السوق، بحسب ديب، يجب على محافظة دمشق التعاون مع مديريات النقل لإلزام كل دراجة تستخدم البنزين بتركيب كاتم صوت.
وتابع أن المشكلة ليست الدراجات بل من يقودها، إذ إنها تستخدم في حالات خطف وسرقة، وهي خطر على الأمن والسلم الأهلي.
وطالب ديب بضبط آليات الامتلاك والترسيم والشراء، عبر وضع رقم مخصص لكل دراجة موثق في مديريات النقل والبلديات والمرور، لضمان المحاسبة في حال انتهاك مرتكبي الدراجات القوانين.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
