الدولة المصرية وازدراء الأديان –
خطيب بدلة
أتحدث، هنا، عن حكم قضائي، صدر في جمهورية مصر، على شاب “يوتيوبر”، اسمه شريف جابر، بالسجن خمس سنوات، بتهمة ازدراء الأديان.
أقول، بهذه المناسبة، إن مصر تمتلك كل الإمكانات اللازمة لتكون دولة علمانية، ديمقراطية، حديثة، ولكنها لا تريد ذلك، وبدلًا من أن تفصل الدين عن الدولة، نراها تسخّر مؤسساتها التشريعية، والقضائية، وحتى الأمنية، لخدمة رجال الدين، وبالأخص السلفيين.
تفتتح في مصر، منذ سبعينيات القرن الـ20، يوميًا، مراكز دينية، ومعاهد، وجوامع، وإذاعات، ومحطات فضائية ذات صبغة دينية، يظهر عليها العشرات من الدعاة، والوعاظ، والمبشرين، يملأ هؤلاء الفضاء المشترك العام بالصياح، والضجيج، ويتدخلون في كل شوارد المجتمع ووارداته، يوقفون المجتمع المصري على ساق واحدة، يكفرون من يخالفهم، ويهددونه، ويتدخلون حتى في الشؤون العائلية، مثلما تدخلوا مع المفكر نصر حامد أبو زيد عندما كفروه، وأصدروا حكمًا بطلاق زوجته منه، أو يجبرون من يتجرأ على قول رأي مخالف على السكوت، لمدة من الزمن، مثلما فعلوا مع المفكر سيد القمني، أو يصدرون الفتاوى بقتل مَن لا يسير في ركبهم، مثلما أفتى الشيخان عمر عبد الرحمن ومحمد الغزالي بقتل الكاتب فرج فودة، ثم قتلوه فعلًا، برصاص رجل أمي، ولا تتنغص عيشتهم، وتقوم قيامتهم، إلا عندما يخرج شخص واحد من الناس ليقدم رأيًا مختلفًا، كما هو الحال مع الشاب شريف جابر.
مارس شريف جابر حقه في انتقاد بعض أحكام الشريعة، وعرض، في فيديوهاته المشغولة بمهارة وذكاء عجيبين، التناقضات التي يقع فيها مشايخ السلفية، استهزأ، مثلًا، بتبريرات الشيخ عبد الله رشدي لوطء الطفلة الصغيرة، عندما تكون سمينة، تحتمل الوطء، واعترض على دعواته لتطبيق أحكام لم يعد لها وجود في العصر الحديث، مثل السبي، واغتصاب السبايا. وأنا، هنا، لست بصدد مناقشة شريف جابر فيما ذهب إليه، ولكنني أستغرب أمرين، أولهما: لماذا لا يقوم رجال الدين، وهم أكثر من القش والتراب، وتُصرف عليهم الملايين من ميزانية الشعب المصري الغلبان، بمناقشة أفكار هذا الرجل، وإثبات ضعفها وخطئها، بدلًا من رفع القضايا عليه، ليتولى القضاء إنزال الحد الأقصى من العقوبة المنصوص عليها في المادة “98” من قانون العقوبات، وهي السجن لمدة خمس سنوات؟ وثانيهما: لماذا لا يسارع القضاء المصري إلى اتهام الشيخ رشدي بالتعدي على الطفولة عندما يسوغ الفعل “البيدوفيلي”، وتجريمه بالدعوة إلى سبي النساء واغتصابهن، ولا سيما أن المادة القانونية نفسها تشير إلى معاقبة من يقدم أفكارًا دينية متطرفة؟ وإذا كان الجواب بأن القانون يكفل حرية التعبير للمواطنين، لماذا يُحرم شريف جابر وأمثاله من حرية التعبير نفسها؟
المادة القانونية المذكورة التي تحمل اسم “ازدراء الأديان”، وجدت في مصر، أساسًا، لدرء حالات الشغب والفتن، فقد حدث، أكثر من مرة، اعتداء بعض المسلمين على الأقباط في الأرياف، ولكنها تحولت، مع الزمن، إلى أداة بيد الجماعات السلفية، توجهها ضد كل من تسول له نفسه أن يمارس حقه في انتقاد النصوص والأحكام التي تطبق على الناس، وتؤذيهم، سواء أكانت صحيحة، أو ضعيفة السند.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي