اكتشف علماء مجموعة من الأحافير النباتية محفوظة داخل أحشاء ديناصور “سوروبودي” عاش قبل 94-101 مليون سنة، مما يؤكد بشكل قاطع أن هذه الديناصورات العملاقة كانت آكلة أعشاب تعتمد على التخمير المعوي لهضم الطعام.

“سوروبود” مجموعة من الديناصورات آكلة النباتات التي عاشت خلال العصور الجوراسي والطباشيري؛ منذ حوالي 200 إلى 66 مليون سنة، وتُعد من أكبر الكائنات البرية على الإطلاق.

وتميزت تلك الديناصورات بأجسامها الضخمة التي وصل طول بعض أنواعها مثل “الأرجنتينوصوروس”، و”باتاجوتيتان” إلى 40 متراً ووزنها إلى 100 طن، وأعناقها الطويلة المكونة من 19 فقرة التي ساعدتها في الوصول إلى النباتات العالية، وذيولها الطويلة، وأرجلها القوية الشبيهة بالأعمدة.

وتمتلك تلك الديناصورات جماجم صغيرة نسبياً، وأسناناً بسيطة، وكانت تبتلع النباتات كاملة دون مضغها، وتعتمد على الميكروبات المعوية للهضم.

ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة، ستيفن بوروبات، الباحث في جامعة كيرتن الأسترالية، إن هذا الاكتشاف يعد الأول من نوعه، إذ لم يُعثر سابقاً على أي محتويات معوية حقيقية لديناصورات “السوروبود”، رغم انتشار أحافيرها في جميع القارات وامتداد وجودها لأكثر من 130 مليون سنة.

وأكد أن هذه النتائج تدعم العديد من الفرضيات المتعلقة بنظامها الغذائي، والتي بُنيت على دراسات تشريحية ومقارنات مع حيوانات العصر الحديث.

وبحسب الدراسة المنشورة في دورية “كارنت بيولوجي” (Current Biology) فإن فهم النظام الغذائي للديناصورات أمراً بالغ الأهمية لفهم بيولوجيتها ودورها في النظم البيئية القديمة؛ لكن المشكلة أن عدداً قليلاً جداً من أحافير الديناصورات احتوت على “محتويات معوية محفوظة”.

وظلت محتويات أحشاء “السوروبود” غامضة بشكل خاص، رغم أنها ربما كانت أكثر الحيوانات العاشبة تأثيراً في النظم البيئية البرية خلال فترتي الجوراسي والطباشيري نظراً لحجمها الهائل.

وبسبب هذا النقص في الأدلة المباشرة، تم استنتاج تفاصيل نظامها الغذائي -بما في ذلك أنواع النباتات التي تناولتها- بناءً على سمات تشريحية مثل تآكل الأسنان، وبنية الفك، وطول الرقبة.

في صيف عام 2017، لاحظ فريق من المتطوعين والعاملين في متحف العصر الجوراسي الأسترالي للتاريخ الطبيعي وجود طبقة صخرية غير عادية تحتوي على محتويات معوية محفوظة جيداً أثناء قيامهم بحفر هيكل عظمي شبه كامل لديناصور “سوروبود” من نوع “ديامانتيناسوروس ماتيلداي”، الذي عاش في منتصف العصر الطباشيري، وعُثر عليه في تكوين “وينتون” في منطقة كوينزلاند الأسترالية؛ وقد احتوت هذه المجموعة المعوية على مجموعة من الأحافير النباتية.

وكشف تحليل العينات النباتية داخل العينة أن ديناصورات “السوروبود” كانت تعتمد على التخمير والميكروبات المعوية في عملية الهضم، مع حدوث معالجة فموية قليلة للغاية للطعام.

وتضمنت المحتويات مجموعة متنوعة من النباتات، مثل أوراق الصنوبريات، وأجسام مثمرة من السراخس البذرية، وأوراق كاسيات البذور (النباتات المزهرة)، مما يشير إلى أن ذلك الديناصور كان يتغذى بشكل عشوائي وبكميات كبيرة.

وأوضح “بوروبات” أن النباتات الموجودة في الأحشاء تظهر علامات قطع، ربما بسبب العض، لكنها لم تمضغ، مما يدعم فرضية التغذية بكميات كبيرة لدى “السوروبود”.

كما عثر الباحثون على مؤشرات كيميائية لكل من كاسيات البذور، وعاريات البذور وهي مجموعة من النباتات الخشبية المنتجة للبذور مثل الصنوبريات، مما يشير إلى أن بعض “السوروبود” لم تكن انتقائية في تغذيتها، بل كانت تأكل أي نباتات تستطيع الوصول إليها وهضمها بأمان.

على الرغم من أن دعم بقايا الأحشاء لفرضية كون “السوروبود” آكلة أعشاب لم يكن مفاجئاً، إلا أن “بوروبات” أبدى دهشته لاكتشاف كاسيات البذور في أحشاء الديناصور.

 وقال: “أصبحت كاسيات البذور متنوعة تقريباً مثل الصنوبريات في أستراليا منذ حوالي 100 إلى 95 مليون سنة، عندما كان هذا السوروبود على قيد الحياة.. وهذا يشير إلى أن الديناصورات تكيفت بنجاح لتتغذى على النباتات المزهرة في غضون 40 مليون سنة فقط من أول ظهور مسجل لهذه النباتات في السجل الأحفوري”.

عالم الديناصورات العاشبة العملاقة

استناداً إلى هذه النتائج، يقترح الفريق أن ديناصور “ديامانتيناسوروس” كان يتغذى على نباتات منخفضة ومرتفعة النمو، على الأقل قبل بلوغه، فبينما كانت صغار “السوروبود” تقتصر على النباتات القريبة من الأرض، إلا أن خياراتها الغذائية توسعت مع نموها.

كما أن وجود براعم صغيرة وأوراق غلافية وأقراص بذرية في بقايا الأحشاء، يشير إلى أن الديناصورات اليافعة كانت تستهدف الأجزاء الجديدة النمو من الصنوبريات، والسراخس البذرية، لأنها أسهل في الهضم.

ووفقاً للباحثين، فإن استراتيجية التغذية العشوائية بكميات كبيرة ساعدت ديناصورات “السوروبود” على النجاح والاستمرار لمدة 130 مليون سنة، وربما كانت عاملاً رئيسياً في بقائها لفترة طويلة كمجموعة.

وأشار “بوروبات” إلى بعض التحفظات، موضحاً أن القيود الرئيسية لهذه الدراسة تكمن في أن محتويات أحشاء “السوروبود” التي وصفناها تمثل نقطة بيانات واحدة فقط، فهذه المحتويات تخبرنا فقط عن الوجبة الأخيرة أو الوجبات القليلة الأخيرة لفرد واحد في مرحلة ما قبل البلوغ.

وأضاف: “ونحن لا نعرف ما إذا كانت النباتات المحفوظة في أحشاء الديناصور تمثل نظامه الغذائي المعتاد أو نظام حيوان متعرض للإجهاد.. كما أننا لا نعرف إلى أي مدى تعكس هذه النباتات النظام الغذائي للصغار أو البالغين، لأن العينة التي درسناها كانت في مرحلة ما قبل البلوغ، ولا نعرف كيف أثرت التغيرات الموسمية على نظامه الغذائي”.

يُعتبر هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو فهم أفضل لعالم الديناصورات العاشبة العملاقة، لكنه يفتح أيضاً الباب أمام المزيد من الأسئلة حول تنوع أنظمتها الغذائية، وتأثيرها على النظم البيئية القديمة.

شاركها.