اخر الاخبار

“الدَّين” وسيلة لتأمينها.. أسعار الأدوية ترهق السوريين

“بسبب وضعي الصحي لا تقوى قدماي على حملي، لا أستطيع إنجاز أي عمل قاسٍ، يلزمني شهريًا مبلغ 200 ألف ليرة فقط للدواء، أصحاب الأيادي البيضاء يؤمّنون ثمنه لي”، بهذه الكلمات استهل أكرم صالح، وهو رجل ثمانيني يعمل على “بسطة جوارب” في منطقة البرامكة بدمشق، حديثه ل.

أكرم صالح، الذي قال إنه خسر منزله خلال عام 2013 في منطقة مخيم “اليرموك” بدمشق، مصاب بمرض السكري، وبسبب حاجته إلى المال وتأمين سعر الدواء، يلجأ للعمل على “بسطة” حاله كحال معظم السوريين الذين يحاولون التأقلم مع الظروف المعيشية الصعبة.

وتستمر أسعار الأدوية في سوريا بالارتفاع، وخصوصًا أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والأمراض العصبية وغيرها.

سبعة عوامل ترفع أسعار الدواء في سوريا

سعر الدواء “معضلة”

قال عمران غالي، إن راتبه التقاعدي من مديرية كهرباء حماة يبلغ 300 ألف ليرة، وهو لا يكفي لتغطية مصاريف أدويته التي يأخذها بشكل مستمر.

يعاني عمران من انسداد بأحد الشرايين، ويبلغ سعر أدويته الشهرية ما يقارب 200 ألف ليرة شهريًا ما عدا معاينات الطبيب، إذ يبلغ سعر دواء “إسبرين” 12000 ليرة سورية، بينما سعر دواء “ترونترال” 14500 ليرة سورية.

ويضطر لتناول فيتامين من نوع “كاسيدال” يبلغ سعره 15000 ليرة سورية، كما أن زوجته المصابة بالضغط تتناول دواء “تري بلاند” الذي يبلغ سعره 32000 ليرة سورية.

وتعيش فتون عيسى وضعًا مشابهًا، إذ تعاني من مرض السكري وتواجه صعوبة في تأمين ثمن الدواء.

فتون سيدة أربعينية تعمل في قسم النظافة بمركز طبي بمنطقة المزة، قالت ل إنها تتناول دواء “ميتا غلبتين” الذي يبلغ سعره 21500 ليرة، إضافة إلى فيتامين من نوع “دام فيتا” للعناية بمرضى السكري يبلغ سعره 26000 ليرة سورية.

وأضافت أنها تعمل بشكل متواصل مع بناتها اللاتي فقدن والدهن في حادث سير، موضحة أن الحياة أصبحت مرهقة، إذ لم تعد هناك طبقة متوسطة في سوريا، وتعتبر نفسها من “أصحاب الدخل المعدوم”.

دواء “بالدَّين”

الوضع المعيشي دفع بالسوريين إلى الاقتراض لتأمين تكلفة المعيشة وتوفير الدواء “الذي يجلب سعره مرضًا من نوع آخر للمواطن المتعب من كل الأزمات”، بحسب فتون عيسى.

يروي عمران غالي معاناته في تغطية مصاريف أدويته مع احتياجات عائلته المكونة من 6 أشخاص، إذ يضطر للاقتراض من أقاربه، ما يزيد حالته المعيشة سوءًا.

لانا خلف، صيدلانية في منطقة المزة بدمشق قالت ل، إن هناك حالات تراجعها لمرضى لا يستطيعون دفع ثمن الدواء ويطلبونه “بالدَّين”.

وأضافت أنها تضطر إلى تقديم الدواء في أوقات عدة مجانًا إلى المرضى بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها الكثير من السوريين.

وطالبت الصيدلانية بضرورة تفعيل الدواء المحلي وتصديره، ومراقبة المعامل بشكل أكبر والتأكد من جودة الدواء الذي يطرح في الصيدليات.

وبحسب الصيدلانية، فإن هامش ريح الصيدلاني لا يتجاوز 20%، والصيادلة ليسوا مسؤولين عن تحديد أسعار الأدوية، إذ إن ذلك مرتبط بنشرة رسمية تصدر عن وزارة الصحة.

تحديات تواجه تسعير الأدوية

فيما يتعلق بأسعار الأدودية، شدد مدير الرقابة الدوائية والشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة، إبراهيم الحساني، على أن الوزارة تسعى بالتعاون مع نقابة الصيادلة إلى توحيد أسعار الأدوية بالليرة السورية لجميع الأصناف، والعمل على تصنيف المعامل الدوائية.

وقال الحساني في حديث إلى، إن هامش الربح للصيدلاني أمر مهم، إذ ستعمل الوزارة على توحيد هذا الهامش في جميع المحافظات.

وبالنسبة لجودة الأدوية، تركز الوزارة حاليًا على تهيئة الظروف المناسبة لإنشاء مختبرات متطورة لمراقبة الأدوية المحلية والمستوردة بشكل شامل، بحسب الحساني.

وأضاف أن وزارة الصحة تواجه تحديات كبيرة في مجال تسعير الأدوية، خصوصًا بعد قرار تسعيرها بناء على سعر الدولار المقطوع الذي بلغ 9000 ليرة.

وتبذل الوزارة جهودًا متواصلة لتحسين البنية التحتية للمعامل الدوائية وتعزيز الرقابة على المواد الأولية والأدوية بعد الإنتاج، إذ تحتاج المعامل إلى تحديث وتجهيز مختبرات متطورة تشمل التكافؤ الحيوي والدراسات السريرية، في حين تواجه إشكاليات متعلقة بالرقابة الصارمة على الأدوية والمواد الأولية لضمان الجودة، بحسب الحساني.

ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا)، في 2 من شباط الماضي، عن الحساني قوله، إن آلية عمل مديرية الرقابة الدوائية في وزارة الصحة تتضمن إجراء جولات رقابية على معامل ‏الأدوية، ‏وتحضير تقارير حول هذه الزيارات، ومن ثم استدعاء أصحاب ‏المعامل ‏لمناقشة هذه التقارير، مبينًا أنه في حال عدم تحقيق المعايير المناسبة ‏يتم ‏تسجيل مخالفة وتحديد مدة زمنية معينة للإصلاح.

وأشار الحساني إلى أنه تم إبلاغ المعامل بالإجراءات الجديدة، فيما ‏يخص ‏تجديد التراخيص الدوائية ورفع شروط الاعتمادية والمتابعة الدورية ‏للمعامل.

الأدوية المحلية متوفرة والمواد الأولية موجودة ولا يوجد أي انقطاع، وتشكل الأدوية المحلية حوالي 85% من المتداولة في السوق، ما يضمن استقرارية وفاعلية النظام الصحي في سوريا، بحسب الحساني.

وأوضح أن وزارة الصحة تعمل على تحسين قطاع الأدوية في سوريا من خلال تطوير البنية التحتية وتعزيز الرقابة، ما يساهم في توفير أدوية ذات جودة عالية تلبي احتياجات المواطنين.

“الأجنبي” أرخص من “المحلي”

غزت الأدوية التركية التي تحتوي على نسبة قليلة من التركيبة الفعالة صيدليات سوريا، إذ أصبح المواطن يلجأ إلى الأدوية رخيصة الثمن لتأمين علاجه بتكاليف أقل لأن الدواء السوري المصنع محليًا سعره أعلى من التركي.

وأصبحت العديد من الأدوية الأجنبية أرخص من المصنعة محليًا، بسبب غياب “الإتاوات” على المستوردين، والتي كانت تسبب ارتفاعًا في أسعار الدواء.

الدكتور إبراهيم الحساني، أكد ل أنه تم اتخاذ قرار بإيقاف دخول الأدوية التركية حتى يتم تسجيل الأصناف وفق وكالات رسمية، وهذا لن يؤثر على المنتج المحلي الذي يحظى بشعبية في السوق.

الجودة ستتحسن بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة المقبلة، إذ سيتم العمل على تجهيز المصانع لتكون رائدة في عملية التصدير، بحسب الحساني.

وفي تصريح سابق مطلع عام 2024 لنقيب صيادلة سوريا، وفاء كيشي، لـ“أثر برس“، أوضحت أن الأدوية الأجنبية المسموحة في الصيدليات هي الأدوية المستوردة بشكل نظامي من قبل وزارة الصحة أو الوزارات المختصة، أما الدواء الأجنبي غير المستورد بشكل رسمي فلا يسمح بوجوده.

وأردفت كيشي أن الطلب ليس كبيرًا على الأدوية الأجنبية قائلة، “لدينا أدوية وطنية آمنة وفعالة ومراقبة وتغطي تقريبًا 95% من الحاجة الصحية في سوريا، سيما وأن الدواء الأجنبي سعره مرتفع”.

الأدوية التركية تغزو صيدليات سوريا

وقبل اندلاع الثورة في آذار 2011، كانت سورية تنتج محليًا 90% من احتياجاتها من الأدوية غير أن العقوبات الاقتصادية، وانهيار قيمة العملة المحلية، وصعوبة الحصول على القطع الأجنبي، وزيادة تكاليف عمليات التشغيل الميدانية أثرت سلبًا على إنتاج الأدوية وسائر المنتجات الصيدلانية.

وأثرت الاضطرابات الأمنية على مصانع الإنتاج الصيدلاني في أرياف حلب وحمص وأرياف دمشق، حيث يتركز 90% من المصانع في سوريا، وقد أغلق الكثير منها أبوابه، وارتفعت تكلفة الوقود، ما أدى إلى نقص حاد في الأدوية وغيرها من المنتجات الصيدلانية المنقذة للأرواح.

وقالت منظمة “أطباء بلا حدود”، في كانون الثاني الماضي، إن أكثر من 70% من سكان سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية “عاجلة”، وأكدت سعيها لتوسيع أنشطتها في مناطق كان الوصول إليها “مستحيلًا” في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وتعرض الواقع الطبي في سوريا لتحديات كثيرة، أبرزها الدمار الذي لحق بالمستشفيات والنقاط الطبية، إضافة إلى هجرة الأطباء وإغلاق الكثير من معامل الأدوية.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *