يرى ستة مصرفيين ومحللين تحدثت إليهم “الشرق”، أن هناك قطاعات رابحة من قرار البنك المركزي المصري لخفض سعر الفائدة للمرة الثانية على التوالي، وأخرى خاسرة بعد التحول إلى سياسة نقدية مرنة.

وأشاروا إلى أن أبرز الرابحين من خفض سعر الفائدة هم الحكومة، والاستثمار الأجنبي المباشر المحلي والأجنبي، والبورصة، والعقارات. أمّا الخاسرون فهم أصحاب الودائع بالبنوك، والذهب، وأرباح المصارف، واستبعدوا تضرر المستثمرين في أدوات الدين رغم خفض الفائدة.

قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها الأخير خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 100 نقطة أساس، بعد أن قلصتها في اجتماعها السابق 2.25% لأول مرة منذ 4 سنوات ونصف، ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى 24% و25% و24.5%، على الترتيب، كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 24.5%.

5 قطاعات رابحة

يرى هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث بشركة “الأهلي فاروس”، أن أبرز الرابحين من خفض الفائدة هم قطاعات الاستثمار وكافة الأصول الإنتاجية بشكل عام، طالما أن معدل التضخم دون سعر الفائدة، لذا “يُعد الخفض صحي جداً لكافة الشركات حيث يُقلل من تكلفة رأس المال، وسيسهم في دوران عجلة الاستثمار مرة أخرى”.

كان المستثمرون المصريون هاجموا أسعار الفائدة المرتفعة خلال اجتماعهم مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري في ديسمبر الماضي، على رأسهم هشام طلعت مصطفى الرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت مصطفى الذي انتقد تكلفة سعر الفائدة التي وصلت إلى 32% وتداعياتها السلبية على الأعمال.

المقترضون والحكومة

قال محمد عبد العال عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي لـ”الشرق” إن الحكومة من أكثر الرابحين بشكل أساسي من خفض سعر الفائدة في ظل تراجع تكلفة عبء الدين على عجز الموازنة.

أظهرت تقديرات موازنة مصر للعام المالي 2024-2025 أن زيادة الفائدة بنسبة 1% تضيف ما بين 75 إلى 80 مليار جنيه سنوياً بتكلفة الدين في الموازنة، ما يعني أن خفض الفائدة الذي أقره البنك المركزي المصري خلال آخر اجتماعين بواقع 325 نقطة أساس سيقلص تكلفة الدين بما يصل إلى 255 مليار جنيه سنوياً.

أوضح عبد العال أن المقترضين يُعدون أيضاً من أهم الرابحين من خفض سعر الفائدة الذي يصب في صالحهم، كما أنه سيحفز القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي على الاقتراض بتكلفة منخفضة بسعر فائدة يبلغ 25% بدلاً من 28% في السابق، ولكن في حاجة إلى خفض أكبر.

وصل إجمالي محفظة القروض للشركات والأفراد إلى نحو 8.4 تريليون جنيه ببنوك مصر بنهاية ديسمبر الماضي، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

بريق البورصة والعقارات

أوضحت سارة سعادة، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي بشركة “سي آي كابيتال”، خلال حديثها مع “الشرق”، أن أكبر الرابحين من خفض سعر الفائدة، هي الشركات التي تعتمد على التمويل والاقتراض في دعم توسعاتها، لذا سيُعد هذا الخفض مُحفز جيد للاستثمار ودفع عجلة النمو، كما أشارت إلى أن بعض الاستثمارات البديلة لأدوات الدين، مثل البورصة المصرية ستستفيد من هذه الخطوة، إذ يُعزز خفض الفائدة دائماً من جاذبيتها.

تتفق سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر سابقاً، مع الآراء السابقة وترى أن المطورين العقاريين سيكونون من الرابحين من خفض الفائدة، إذ ستعزز هذه الخطوة من قدرتهم على تقديم عروض لتنشيط المبيعات واستقرار الأسعار.

وتوقعت زيادة الطلب على الاقتراض بين المستثمرين والأفراد وإعادة ضخ المبالغ في قطاع العقارات، خاصة التجارية والإدارية، متوقعة سداد أقساط القروض من القيمة الإيجارية في ظل زيادة الإقبال على هذا النوع من الاستثمار.

تسارع النمو

في سياق مواز، ترى إدارة البحوث بشركة “برايم”، أن سوق الأسهم ستكون ضمن أبرز الفائزين خاصة أنها ستشهد أثراً مزدوجاً، إذ سترتفع تقييمات الشركات المدرجة، ومن جانب آخر، فإن انخفاض تكلفة الاقتراض للشركات سينعكس على نتائج أعمالها وتقييماتها وبالتالي أسعار أسهمها، ما سيدعم أيضاً مؤشرات السوق.

توقعت إدارة بحوث “برايم” أن يشهد القطاع الخاص غير النفطي نمواً على خلفية تراجع أسعار الفائدة، خاصة بعد تراجعه خلال الفترة الماضية.

تستهدف الحكومة المصرية تسارع معدل نمو الاقتصاد إلى 4% خلال العام المالي الحالي، مقابل 2.4% العام السابق، على أن يتسع إلى 4.5% العام المالي المقبل الذي ينتهي في يونيو 2026، وفق ما قالته رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في وقت سابق.

4 قطاعات متضررة

من ناحية أخرى، توقع جنينة، أن تتراجع إيرادات بعض الشركات على خلفية خفض الفائدة، كالبنوك وشركات التأمين وشركات المدفوعات النقدية، مثل “فوري” و”إنستا باي” و”بساطة” والشركات التي تستغل السيولة لديها في الاستثمار بأدوات الدخل الثابت. ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن الزيادة والتوسع المتوقع في حجم الاستهلاك على خلفية خفض الفائدة سيعوّض هذا التراجع لاحقاً، مرجحاً أن يكون تأثير الضرر مؤقتاً لحين زيادة الطلب.

كما توقع جنينة أن يشهد الذهب تراجعاً قليلاً في معدلات الطلب لصالح التوجه بشكل أكبر إلى البورصة.

سعر الذهب في مصر كان وصل إلى مستويات قياسية في أبريل الماضي ليقترب سعر جرام الذهب الـ21 الأوسع انتشاراً بين المصريين إلى قرابة 5 آلاف جنيه قبل أن يتراجع.

أرباح البنوك

من ناحية أخرى، اتفقت إدارة البحوث بشركة “برايم” مع الرأي السابق في أن خفض الفائدة قد يكون له أثر سلبي على نتائج أعمال القطاع المصرفي، لكنها رجحت أن يكون هذا الأثر على المدى المتوسط وليس القريب.

المودعون

يرى محمد عبد العال أن القطاع العائلي من الأفراد الذين يستثمرون في الشهادات والودائع لن يتأثر كثيراً بتراجع سعر الفائدة على المدخرات في ظل اتساع العائد الحقيقي على الجنيه.

وبعد قرار البنك المركزي، يبلغ سعر الفائدة الحقيقي -أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم- نحو (10.1%).

ترى سهر الدماطي أن العملاء من الأفراد الذين يستثمرون في الودائع والشهادات سيتضررون من خفض أسعار الفائدة، خاصة الذين ليس لهم خبرة في الاستثمار بمجالات أخرى، لكن بشكل طفيف في ظل استمرار تراجع معدل التضخم.

استثمارات الدخل الثابت

من ناحية أخرى، تُشير سارة سعادة إلى أن استثمارات الدخل الثابت هي أبرز المتضررين من خفض الفائدة، إذ إن تراجع العائد عليها يُقلل من جاذبيتها الاستثمارية، ومع بدء دورة التيسير النقدي واستكمال مسار خفض الفائدة المتوقع حتى نهاية هذا العام، “قد نشهد مزيداً من التحول في دفة الاستثمارات من الشهادات وأدوات الدين لصالح البورصة”.

أذون وسندات الخزانة

أما فيما يخص التخوفات بشأن انخفاض الإقبال على أدوات الدين الحكومية كالأذون والسندات، استبعدت “برايم” تراجع جاذبيتها، حيث يتناسب تراجع العائد مع انخفاض المخاطرة عليها أيضاً، بدعم من تراجع تكلفة التأمين على الديون السيادية المصرية إلى مستوى 581 نقطة حتى الآن، مقارنة بمستوى 688 نقطة بنهاية أبريل 2025.

اتفق محمد عبد العال وسهر الدماطي مع الرأي السابق، في أن العائد على أذون وسندات الخزانة لا يزال مغرياً للأجانب مقارنة بالدولار، مشيرين إلى أن استثماراتهم في الأدوات المقوّمة بالجنيه لم تتأثر سلباً بالخفض السابق للفائدة.

هذا المحتوى من “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”

شاركها.