الرابحون والخاسرون من رسوم ترمب على واردات السيارات

أثارت الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على واردات السيارات حالة من الصدمة في الأسواق العالمية، فيما وصفها حلفاء الولايات المتحدة بأنها قرارات “خاطئة”.
وقال ترمب في المكتب البيضاوي، مساء الأربعاء: “سنفرض رسوماً جمركية تصل إلى 25% على جميع السيارات غير المصنعة في الولايات المتحدة. سنبدأ بحد أدنى 2.5%، وهو الأساس الحالي، ونصل إلى 25%”.
وبهذا الإجراء، يكون ترمب قد وسع نطاق “الحرب التجارية” التي يشنها منذ عودته إلى البيت الأبيض هذا العام، لتشمل حتى حلفاء واشنطن التقليديين، على رأسهم اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، وهي كلها من أكبر مصدري السيارات في العالم.
وذكرت “وول ستريت جورنال” بأن نصف سيارات الركاب الجديدة المباعة في الولايات المتحدة عام 2024 جُمعت خارج الولايات المتحدة. ويأتي معظمها من خمس دول، وهي المكسيك، واليابان، وكوريا الجنوبية، وكندا، وألمانيا.
“تسلا” أبرز الرابحين
وذكرت “بلومبرغ” في تقرير أن الرسوم التي أعلنها ترمب ستُلحق الضرر بصانعي السيارات حول العالم، إلا أنها ترى شركة “تسلا” التي يمتلكها إيلون ماسك “أبرز الرابحين” من هذه الرسوم.
وتمتلك شركة السيارات الكهربائية “تسلا” مصانع ضخمة في ولايتي كاليفورنيا وتكساس، تنتج جميع السيارات التي تبيعها داخل الولايات المتحدة، ما يجعلها محصنة بدرجة أكبر من الرسوم الجمركية الجديدة. أما المنافسون الرئيسيون، فسيواجهون قريباً ارتفاعاً حاداً في التكاليف.
وتفاخرت “تسلا” بجذورها الأميركية، وقالت في منشور على منصة “إكس” خلال هذا الأسبوع، إن طرازاتها “هي السيارات الأكثر تصنيعاً داخل أميركا”.
كما أن شركة “فورد” فقد تكون أقل تضرراً من بعض المنافسين، إذ أن نحو 80% من السيارات التي تبيعها في السوق الأميركية يتم تصنيعها محلياً.
الدول الخمس الأكثر تصديراً لأميركا
تُشكّل صناعة السيارات محركاً لاقتصادات هذه الدول الخمسة، وعادةً ما تُمثّل نسبة كبيرة من الصادرات.
وقال تاكاهيدي كيوتشي، الخبير الاقتصادي التنفيذي في “معهد نومورا للأبحاث”، لـ”وول ستريت جورنال”، إن الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات قد تُخفّض النمو الاقتصادي في اليابان بنسبة 0.2 نقطة مئوية. وأضاف أنه إذا نقلت شركات صناعة السيارات اليابانية إنتاجها إلى الولايات المتحدة، فإنها ستحافظ على المبيعات، لكن “هذا سيُشكّل عائقاً أمام الاقتصاد الياباني”.
كما تُعدّ صناعة السيارات ركيزة أساسية في الاقتصاد الأوروبي، حيث تُمثّل 7% من الناتج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. وبالنسبة لألمانيا، تُمثّل صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة ما يقرب من 0.5% من القيمة المضافة في الاقتصاد، وفقاً لمؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”.
وتُظهر “تويوتا”، أكبر شركة مُصنّعة للسيارات في العالم، مدى اعتمادها على الصادرات إلى الولايات المتحدة. وتضمّ صالات عرض “تويوتا” الأميركية سيارات “بريوس” الهجينة المصنوعة في اليابان، وسيارات “RAV4” الرياضية متعددة الاستخدامات المصنوعة في كندا، وشاحنات “بيك أب تاكوما” من المكسيك.
وفي العام الماضي، باعت “تويوتا” 2.3 مليون سيارة في الولايات المتحدة. وجاء حوالي ربع هذه السيارات من اليابان، وشُحن ربع إضافي تقريباً من كندا والمكسيك. أما النصف المتبقي، فقد صُنع في الولايات المتحدة، وفقاً لمتحدث باسم الشركة اليابانية.
وتحصل العديد من شركات صناعة السيارات غير الأميركية، على ربع مبيعاتها أو أكثر في الولايات المتحدة.
أعرب ترمب عن رغبته في أن تنقل شركات صناعة السيارات إنتاجها إلى الولايات المتحدة. وأعلنت “هيونداي” في البيت الأبيض، الاثنين، أنها ستستثمر 21 مليار دولار إضافية في تصنيع السيارات وسلاسل توريد المواد الأساسية في الولايات المتحدة، بما في ذلك مصنع للصلب بقيمة 5.8 مليار دولار سيتم بناؤه في لويزيانا.
وطورت العلامتان التجاريتان الألمانيتان “مرسيدس بنز” و”بي إم دبليو” قواعد تصنيع للسيارات الرياضية متعددة الاستخدامات في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، ولكنها تستمر في شحن سياراتها عبر المحيط، بالإضافة إلى المحركات وقطع الغيار.
وجميع السيارات التي تبيعها “أودي” و”بورشه”، المملوكتان لـ”فولكس فاجن”، في الولايات المتحدة مستوردة. وتشمل صادرات “هوندا” إلى الولايات المتحدة سيارتي CR-V وCivic المصنوعتين في كندا، وHR-V المصنوعة في المكسيك.
ألمانيا: الجميع سيخسر
واعتبر المستشار الألماني أولاف شولتز، الخميس، أن قرار ترمب فرض رسوم جمركية على السيارات “خاطئ”، وأنه “اختار مساراً لن يسفر إلا عن خاسرين”.
وقال شولتز في بيان أن “قرار الرئيس الأميركي ترمب خاطئ. اختارت الولايات المتحدة مساراً لا يوجد في نهايته إلا الخاسرون، لأن الرسوم الجمركية والعزلة يضران برخاء الجميع”.
وذكر مسؤولون حكوميون أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي سيدافعان عن التجارة الحرة باعتبارها أساساً لازدهارهما، مع تكليف المفوضية الأوروبية بإدارة هذه العملية.
وانتقد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك ورابطة صناعة السيارات في ألمانيا الرسوم الأميركية، قائلين إنها تضر بالاقتصادات الأوروبية والأميركية، وأطلقا دعوة إلى إجراء مفاوضات عاجلة لدرء حرب تجارية متصاعدة.
وقال هابيك: “يجب على الاتحاد الأوروبي الآن الرد بحزم على الرسوم الجمركية، يجب أن يكون واضحا أننا لن نتراجع في مواجهة الولايات المتحدة”.
ووصفت رابطة صناعة السيارات في ألمانيا الرسوم الجديدة بأنها “إشارة قاتلة” للتجارة الحرة القائمة على القواعد، محذرة من أنها ستضر بالشركات وكذلك بسلاسل التوريد العالمية.
ومع ذلك فقد ذكرت صحيفة “فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج” أن بحثاً أجراه معهد إيفو الاقتصادي خلص إلى أن ألمانيا لن تكون أكثر الاقتصادات تضرراً من الرسوم الأميركية.
وأشارت تقديرات المعهد إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الألماني سيتراجع 0.18% في العام الأول بعد تطبيق الرسوم الجمركية بناء على القيمة الحقيقية، مقارنة مع انخفاض 1.81% في المكسيك و0.6% في كندا.
بريطانيا تبحث عن إعفاء
وقالت وزيرة المالية البريطانية ريتشل ريفز، الخميس، إن بلادها لا ترغب في تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وتعمل بشكل مكثف مع واشنطن للحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية.
وأضافت ريفز لشبكة “سكاي نيوز” عند سؤالها عما إذا كانت بريطانيا ستفرض رسوماً مضادة على الولايات المتحدة: “في الوقت الحالي لسنا في وضع نريد فيه القيام بأي شيء لتصعيد هذه الحروب التجارية… الحروب التجارية ليست في صالح أحد”.
وذكرت ريفز في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن تصعيد الرسوم الجمركية سيعود بالضرر على بريطانيا “وكذلك على الولايات المتحدة، ولهذا السبب سنعمل بشكل مكثف في الأيام القليلة المقبلة للتوصل لاتفاق جيد لبريطانيا”.
وتضاف هذه الرسوم إلى أخرى فرضتها واشنطن بالفعل على واردات الصلب والألمنيوم، وعلى السلع القادمة من المكسيك وكندا والصين.
الصين تعتبر الرسوم “أنباء سيئة للغاية”
وقالت وزارة الخارجية الصينية إن الرسوم الجمركية الأميركية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، ولن تساعد واشنطن في حل مشاكلها الخاصة.
وذكر متحدث باسم الوزارة في مؤتمر صحافي دوري إنه لا يمكن لأي دولة تحقيق الرخاء من خلال فرض رسوم جمركية إضافية.
وكان ترمب قد لمح إلى أنه قد يمنح الصين خفضاً طفيفاً للرسوم الجمركية مقابل إتمام صفقة شراء منصة “تيك توك” المملوك لشركة “بايت دانس” الصينية
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض: “فيما يتعلق بتيك توك، سيتعين على الصين أن تلعب دوراً في ذلك، ربما من خلال إعطاء موافقة، وأعتقد أنهم سيفعلون ذلك. ربما أمنحهم تخفيضاً طفيفاً للرسوم الجمركية أو ما شابه لإتمام الأمر”.
ومن جهته، وزير المالية الفرنسي وصف إيريك لومبار خطة ترمب بأنها “أنباء سيئة للغاية”، مضيفاً أن الحل الوحيد حالياً هو أن يرفع الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية.
وأضاف لومبار، الذي كان يتحدث لإذاعة “فرانس أنتير”، أنه يأمل أن يتمكن من مناقشة خفض تلك الرسوم قريباً مع الجانب الأميركي، مضيفاً أن الحرب التجارية لن تؤدي إلى شيء.
“جميع الخيارات على الطاولة”
وقال رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا إن طوكيو ستضع “جميع الخيارات على الطاولة” في التعامل مع إعلان واشنطن، مشيراً إلى أن “اليابان تستثمر مبالغ كبيرة في الولايات المتحدة. كما أنها تخلق وظائف هناك”.
وتابع: “اليابان هي الدولة التي تقوم بأكبر حجم من الاستثمارات في الولايات المتحدة، لذا نتساءل عما إذا كان من المنطقي أن تطبق (واشنطن) تعريفات موحدة على جميع الدول.. هذا هو الموقف الذي كنا نطرحه، وسنواصل القيام بذلك”.
ورجّح بنك “جولدمان ساكس” أن تؤدي التعريفات إلى خفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لليابان بأكثر من 0.1% فقط، فيما قدّر كينيتشي كاواساكي، الأستاذ في المعهد الوطني للدراسات السياسية العليا، أن تؤدي التعريفات إلى خفض إنتاج السيارات في اليابان بنسبة 5.8%.
ومع ذلك، يتوقع كاواساكي، الذي كان يشغل سابقاً منصب مدير مكتب مجلس الوزراء للتوقعات الاقتصادية، أن ينخفض إنتاج السيارات في كندا والمكسيك بنسبة 26.6% و20.3% على التوالي، مما يزيد من معاناة الشركات اليابانية التي تصنّع السيارات في هذين البلدين.
وبدوره توقع وزير الصناعة الكوري الجنوبي أن يواجه قطاع السيارات في البلاد “صعوبات كبيرة” عندما تدخل الرسوم الأميركية حيز التنفيذ.
وأضاف أن الحكومة تعتزم اتخاذ إجراءات طارئة رداً على ذلك بحلول أبريل.
“سيئة للشركات وأسوأ للمستهلكين”
ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الخطوة الأميركية بأنها “سيئة للشركات، وأسوأ بالنسبة للمستهلكين على حد سواء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
وقالت: “بصفتنا قوة تجارية كبرى ومجموعة قوية تضم 27 دولة عضواً، سنعمل معاً على حماية عمالنا وشركاتنا ومستهلكينا في جميع أنحاء اتحادنا الأوروبي”.
وأضافت أن الاتحاد سيواصل السعي إلى حلول تفاوضية، مع الحفاظ على مصالحه الاقتصادية.
واستوردت الولايات المتحدة مركبات نقل بقيمة 474 مليار دولار في عام 2024، بما في ذلك سيارات ركاب بقيمة 220 مليار دولار. وكانت المكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وألمانيا، وجميعها حلفاء مقربون للولايات المتحدة، أكبر الموردين.
الأسهم تهوي
وتسببت رسوم ترمب الجمركية في حالة من الضبابية لدى الشركات، وأثارت اضطراباً في الأسواق العالمية.
وانخفضت أسهم “جنرال موتورز” 8% في التعاملات بعد إغلاق السوق. وتراجعت أسهم “فورد” و”ستلانتس” المدرجة في السوق الأميركية بنحو 4.5% لكل منهما.
وفي آسيا، انخفضت أسهم “تويوتا موتور” و”هوندا موتور” و”هيونداي موتور” بما يتراوح من 3% إلى 4%.
وانخفض المؤشر نيكي الياباني 0.7%، وذلك بعد أن كان قد نزل بأكثر من 1% في وقت سابق من الجلسة. ونزل المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.45%.
ونزل مؤشر الأسهم الأوروبي الرئيسي إلى أدنى مستوى في أسبوعين، الخميس، نتيجة تراجع أسهم شركات صناعة السيارات بفعل إعلان ترمب.
وبحلول الساعة 08:06 بتوقيت جرينتش انخفض المؤشر “ستوكس 600” الأوروبي 1% مسجلاً أدنى مستوى له منذ 14 مارس. وانخفض المؤشر الرئيسي في ألمانيا التي تعد من أكبر موردي السيارات، وقطع غيارها إلى الولايات المتحدة 1.4%.
وانخفض سهم “فولكس فاجن”، الشركة الألمانية الأكثر تأثراً بالرسوم الجمركية، نظراً لقاعدة التوريد الكبيرة لديها في المكسيك وعدم إنتاج علامتيها “أودي” و”بورشه” في الولايات المتحدة، 3.6%.
وتراجع سهم “ستيلانتيس” 6.4% و”بي.إم.دابليو” 3.9% و”بورشه” 4.2% و”فولفو” 2.5% و”كونتيننتال” لقطع غيار السيارات 2.5%.
وهبط المؤشر الفرعي لقطاع السيارات في أوروبا بأكثر من 3.3% ويتجه لمحو جميع مكاسبه التي حققها منذ بداية العام الجاري.