الروائية والبرلمانية ضحى عاصي: القصة القصيرة هي فن التكثيف
تمتلك الكاتبة ضحى عاصي، عضو البرلمان المصري، وعضو اتحاد كُتّاب روسيا، القدرة على التقاط التفاصيل اليوميية وتقديمها في قصص قصيرة، أو روايات ترصد اللحظات الفارقة في التاريخ، كما في روايتي “غيوم فرنسية” و”صباح 19 أغسطس”.
أخيراً عادت عاصي إلى عالم القصة القصيرة من جديد، مع مجموعتها القصصية “حلق صيني لا ترتديه ماجي”، بعد 14 عاماً من صدور مجموعتها الثانية “سعادة السوبر ماركت”.
الدكتورة ضحى عاصي تتحدث في هذا الحوار عن عوالمها القصصية المتنوّعة.
قدّمت مجموعتين قصصيتين ثم ثلاث روايات، لماذا العودة إلى المجموعات القصصية؟
لدي مخزون كبير من القصص القصيرة، والمجموعة التي وقع الاختيار عليها لنشرها في “حلق صيني لا ترتديه ماجي”، كانت مكتملة فنياً وأدبياً، وأيضا تتناول موضوعات مهمّة وجذابة، ما دفعني للعودة إلى هذا النوع من الكتابة.
أيهما أصعب في الكتابة الرواية أم القصة القصيرة؟
أكتب النوعين ولكل منهما مزاياه، لكن الفكرة وانفعالي بها هو ما يجعلني أكتبها كرواية أو قصة قصيرة. أفضّل مثلاً عدم نشر بعض النصوص كقصص قصيرة لأنها تكون نواة روايات، وبشكل عام الرواية تحتاج مجهوداً لأن عوالمها أوسع والفضاء الزمني لها أكبر، وشخصياتها يجب أن تكون مرسومة بعناية لتصبح حقيقة ويصدقها الناس.
أما القصة القصيرة فهي فن اللقطة والتكثيف، وتحتاج لموهبة أكبر، وهي مخاطرة من الكاتب الذي يجب أن يملك أدواتها من قدرة على الإمساك بالفكرة، وتقديمها في عدد كلمات قليلة، وفي الوقت نفسه التأثير على القارئ. من هنا تكمن صعوبتها، وأتصوّر أن القصص القصيرة إذا كتبت جيداً تبقى في ذهن القارئ، حتى الآن لا أنسى قصصاً قصيرة كتبها أنطون تشيخوف أو يوسف إدريس.
البعض يقول إننا في عصر الرواية وخصوصاً الرواية التاريخية، ألا يجعلك الأمر كما لو كنتي تسيرين عكس التيار؟
الأمر يتوقف على إحساسي بالقضية؛ عندما كتبت “صباح 19 أغسطس” التي تدور حول سقوط الاتحاد السوفييتي وجذور الصراع بين الجمهوريات المنفصلة، ومنهم كرواتيا، كان ذلك بسبب التجربة التي عشتها وكانت حملاً داخل عقلي وقلبي لسنوات طويلة، وكم من مصري أو عربي حضر الانهيار بنفسه ولم يسمع عنه في وسائل الإعلام أو كتب التاريخ.
لهذا كان لديّ إحساس بمسؤولية الكتابة عن هذا الحدث الضخم الذي عشته، وربما أكون تأخرت في الكتابة لأنه يحتاج للنضج والانفصال العاطفي عنه، لأنه أثّر عليّ بشكل كبير، وعندما اكتملت الفكرة كتبتها بصرف النظر أن الروايات التاريخية “تريند” أو لا.
المجموعة تضم 25 قصة ما الفكرة التي تربطهم معاً؟
هناك اتجاه يربط قصص المجموعة بخط واحد أو فكرة واحدة، فتكون شبه متتالية، وبشكل شخصي لا أحب هذا الاتجاه؛ المجموعة القصصية ميزتها الكتابة عن عوالم وقصص مختلفة، قد تكون في الريف أو في المدينة أو في دولة أجنبية، وجمال وتميّز وصعوبة أي مجموعة هو في تنوّع موضوعاتها.
في القصص تناولت الكثير من القضايا: الحرب الإسرائيلية، أوضاع الصحافة السيئة، الهجرة، فهل ينطبق ذلك على مجموعتك جملة “قصة قصيرة حزينة”؟
قصص المجموعة ترتبط برؤيتي للحياة وتفاعلي معها بطريقة فنية، هناك جملة شهيرة تقول “الفرح عقيم” بمعنى أن السعادة لا تنتج الكثير من القصص، بعكس المعاناة أو المواقف التي تجعلنا نقف عند مفترق طرق وضرورة الاختيار.
ومن الطبيعي أن نكتب عن هذه الموضوعات التي تكشف مخاوفنا وكيفية مواجهتها، مثلاً في قصة “سرقة غير ممكنة”، عندما نجحت البطلة في تحقيق طموحها، كان ذلك مقابل آثار جانبية وضغوط طالتها بسبب الآخرين، حتى أنها استيقظت وقد اختفت كل تعابير وجهها، ولم تعد إلا عندما بكت؛ البكاء والحزن جزء من الحياة.
في “وطن بديل” تناولت فكرة الحروب بالوكالة والجنود المرتزقة، لماذا لم تعطي أسماء للشخصيات والدول؟
عدم التسمية جزء من التعميم الزمني والجغرافي للأحداث؛ فهذه الصراعات قد تتكرر مع أي دولة وأي إنسان، وإذا كانت هذه الحكاية حدثت بين دولتين بينهما نزاع اليوم، قد يكون هذا الموقف حدث منذ عشر سنوات، وسيتكرر في المستقبل. وفي النهاية القصة عرضت كيفية إدارة الأزمات، وكانت بمثابة تنبيه لاختلاف شكل الحياة وعلاقة الناس بالعقيدة والوطن.
ما يحدث في فلسطين هل ترك أثراً على صياغة شخصية أبطال قصة “منظمو الحفل”؟
بالطبع انفعلت مثل كل الناس بما يحدث في غزة، خاصة عندما كتب صديقي الكاتب والشاعر يوسف قدرة على فيس بوك: “بعد القصف لا أجد جداراً أسند عليه”، والسيدة التي قالت “الولاد ماتوا وهم جوعى”، ويمكن أن نكتب مليون رواية عن الصراع العربي الإسرائيلي لأنه موضوع شائك ممتد منذ سبعين عاماً.
لكن “منظمو الحفل” لم تذكر صراحة إلى أي دول ينتمي إليها أطراف الصراع، وهو ما يطرح تساؤلات أكبر؛ فربما يكون “يوسف” في فلسطين أو سوريا أو لبنان أو السودان، وربما يكون في أرمينيا أو روسيا أو أوكرانيا؛ القصة رصدت لقطة صنعتها الظروف يتقابل فيها بشكل عابر أشخاص من خلفيات نزاع وحروب مختلفة، من هنا يطرح النص الأسئلة عن مشاعر هؤلاء البشر العاديين تجاه بعضهم، وكيف سيتصرفون.
في “مغامرة الأسئلة الخمسة” وفي “المارد” أيضاً قدّمت مونولوجاً لشخصيات تمر بـ “أزمة منتصف العمر” كيف تنظرين لهذه المرحلة؟
هذه المرحلة من العمر هي موضوع كثير من الكتب والدراسات، وأنا شخصياً لا أوافق على مصطلح “أزمة منتصف العمر” فهي ليست “أزمة”، لكنها مرحلة انتقالية يكون الإنسان امتلك فيها الخبرة والنضج، والقدرة على الوقوف لمراجعة عالمه.
خلال الكتابة، تخرج الكثير من الأشياء التي قد لا ندركها في الوعي، وقصة المارد تحديداً استوحيتها من موقف كنت فيه في الشارع، عندما شاهدت شخصاً ضئيل الجسم، نور الشمس حينها جعل ظله على الحائط شديد الضخامة، وهو ما أثار لديّ فكرة الظل، وكيف يعكس أشياء غير حقيقية داخلنا، وكيف يرى الشخص ظله الضخم.
هل يمكن أن تكون هذه القصص مشروعاً لرواية؟
“ترويكا” بالفعل تحوّلت إلى رواية “صباح 19 أغسطس”، نشرتها للمرّة الأولى في جريدة “أخبار الأدب” المصرية، ولاقت ردود أفعال جيدة، ولكن لأن شخصياتها كلها من الأجانب كان البعض يعتقد أنها قصة مترجمة، لذلك عندما كتبت “صباح 19 أغسطس” وضعت في ذهني ضرورة وجود الارتباط بمصر، سواء في الأحداث أو الشخصيات، حتى تكون مفتاحاً للحكاية، وبذلك اختلفت تماماً الرواية عن البذرة التي أخذتها منها.
هل عملك كنائبة في البرلمان ترك بصمة على الجانب الإبداعي؟
عندما لم أكن مسؤولة كنت أرى الأمور بشكل يمكن أن يخرج منه عمل إبداعي، لكن الآن عندما تكون هناك مشكلة أو موقف، عقلي ينشغل بالبحث عن حلول، وضرورة التحرك على الأرض للمساعدة، قد يظهر في مرحلة ما وعي من التعامل مع الناس والمواقف، بخلفية موضوعات معينة، ولكن ليس بالضرورة الكتابة عنها بشكل مباشر.