اخر الاخبار

الروائي حجي جابر لـ”الشرق”: الهوية كائن متقلب بفعل الوقت

 الروائي الإريتري حجي جابر، مسكون بجغرافية الساحل وفكرة الرحيل، منذ ولادته في مدينة مصوّع في بلده الأم إريتريا، مروراً بمدينة جدة السعودية و”مسقط القلب” كما يصفها، التي انتقل إليها مع أسرته بسبب ظروف حرب الاستقلال الإريترية، وانتهاء بالعاصمة القطرية الدوحة، حيث يستقرّ منذ سنوات.

يمتلك حجي جابر في رصيده الأدبي خمس روايات، ترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية، والإيطالية، والفارسية وغيرها، وحصدت ثلاث جوائز مختلفة، لكنه يعتبر الجوائز بمثابة “الورطة” أحياناً.

التقت “الشرق” الروائي جابر وحاورته حول الهوية من منظوره، وأثر الجوائز على الكاتب، وما إذا كان يملك القدرة على تغيير الواقع.

هل ما زالت الهوية هي المحرض الأساس على الكتابة لديك؟

 الهوية عندي كائن متقلب، كلما اعتقدت أني أمسكت به أجده ينفلت، والهوية فيها الثابت الراسخ، وفيها المرن الذي تغيّره السنوات. بدأت باعتقاد معيّن، وانتقلت إلى اعتقاد آخر، وأنا الآن في طور اعتقاد مختلف، وقد أذهب إلى اعتقاد غيره، فكتابتي التي اتكأت على هوية معينة سابقاً، اختلفت مع الوقت، لأن هويتي أيضاً وإدراكي لها وحتى وعيي بها، لم يعد ثابتاً.

هل تعتقد أن الكاتب يجب أن يحمل مسؤولية التعريف بقضيته ويحاول تغيير الواقع بالكتابة؟

لكي أكون صادقاً، بدأت من هذه الفكرة، أردت منذ البداية أن أحمل مشعلاً وأكون دليلاً، لكن مع الوقت أدركت أن على الكاتب أن يتواضع.

الكتابة عملية تراكمية، قد تُحدث ثقوباً في الجدار، لكننا نحتاج إلى ثقوب كثيرة كي نتمكن من هدمه، ولا أظن أن تأثير الكاتب يصل إلى حد تغيير الواقع. نعم على الكاتب أن يبذل كل جهده في الكتابة، لكن يجب أن يتواضع في توقعاته، ولا يظن أنه سيحدث فتوحات من خلال كتاباته.

هناك من يرى أن الكاتب يعكس ذاته فيما يكتب، وفئة ترى أنه لابد أن يقطع مع تجربته الشخصية، فهل نجدك في شخصياتك الروائية؟

 أحاول أن أقف في المنتصف، فأنا مبثوث في كتبي، لكن من دون أن أجعلها سيرة ذاتية، فأنا أكتب ما يلمس مشاعري، وأنطلق من ذاتي، لكنها ليست كتابة عن ذاتي، كتابة من الداخل، لكنها ليست عن الداخل.

المسافة بين أن يكتب الشخص عن نفسه مباشرة، وبين أن يكتب شيئاً ينبع من أعماقه دون أن يكون مقيداً بذاتيته المطلقة، هي ما تمنح الكتابة توازناً، فهي ليست ذاتية بالكامل، لكنها في الوقت ذاته لا تنفصل عن جوهر الكاتب.

تتكىء كثيراً على اللغة الشعرية فهل تشكّل لك مصدر قوة في الكتابة؟

 اللغة الشعرية هي أرض زلقة للكُتّاب وأنا أحدهم، لكن يجب الحذر لأنها قد تذهب بالنص في اتجاهات غير محسوبة، على خلاف اللغة المنضبطة.

صحيح أن كتابي الأوّل كان بلغة شعرية خالصة، لكني مع الوقت حاولت أن أختار اللغة المناسبة. في المجمل لا أعتقد أن هناك لغة جميلة، هناك لغة مناسبة، ولذلك يجب على الكاتب أن يختار اللغة المناسبة للنص.

لديك خمس روايات ثلاث منها حصدت 3 جوائز ، ماذا تعني لك الجوائز الأدبية وكيف ترى أثرها على الكاتب والكُتّاب؟

الجوائز تضيء على العمل، وتزيد من انتشاره، تعرّف به في مساحات جديدة، لكن في المقابل تزيد من مسؤولية الكاتب، وتدفعه لمواكبة توقعات الجمهور في كل مرّة.

مع كل جائزة أنالها، أجد نفسي متورطاً في تلبية تطلعات القرّاء، وهذا الأمر يخرجني من حالتي إلى حالتهم، فأنا لا أريد أن تتحوّل كتابتي إلى ما يطلبه القرّاء، وحين أكتب أريد أن يكون قرار الكتابة هو قراري.

الجائزة نعمة كبيرة على الكتابة، وعلى الكاتب، ما لم ينحرف مسار الكاتب، أو يضع الجائزة هدفاً مباشراً لأعماله، وأستطيع القول إن الجائزة سلاح ذو حدين.

هل تنوي خوض تجربة سينمائية وتحويل أعمالك إلى أفلام أو كتابة السيناريو؟

لم يخطر لي هذا الأمر، على الرغم من أني أستخدم تقنيات سينمائية في الكتابة، وانخرطت في دورات لكتابة السيناريو، من أجل تعزيز كتابتي، والرواية الآن تداخلت معها فنون أخرى من ضمنها السينما.

الكتابة للسينما بالنسبة لي هي مسألة بَعدية، تحدث بعد أن يخرج الكتاب وليس قبله، نعم سأكون سعيداً لو اختار مخرج ما أحد كتبي بهدف تحويله إلى فيلم، لكني لن أكتب من أجل غرض استباقي، أعتقد أنه يجب على الكاتب ألا يتورط كثيراً في مطاردة (الترند) والضجيج والصخب، لأن هذا الأمر لا يجعله يقف على أرض صلبة.

أنت تدرّب على الكتابة الإبداعية في الرواية والقصّة القصيرة منذ سنوات كيف تجد هذه التجربة مثار الجدل؟

ما سأقوله يبدو غربباً، وهو أن التدريب ساعدني أكثر مما ساعد المتدرّبين، لأني حين أقدّم دورة تدريبية، أكون مضطراً للقراءة والنقاش واستحضار الأمثلة. أما فيما يخصّ المتدرّبين، فالأمر يعتمد على مستوى المتدرّب. لذلك تختلف النتائج باختلاف مستوى المتلقي.

أما الجدل الحاصل بين من يرى أن الكتابة موهبة ومن يرى أنها مهارة تُكتسب، فأعتقد أن هناك وجاهة في فكرة أن الكتابة موهبة بالأساس، لكنها موهبة ليّنة ورخوة وتحتاج إلى تدريب وصقل، لذلك أنا أقف في المنتصف، لأن التدريب وحده لا يصنع كاتباً، وقد تصنع الموهبة كتاباً، لكنها لا تصنع مسيرة أو كاتباً مكتملاً.

توجد غزارة واضحة في إنتاج الرواية هل هو أمر صحي للأدب ولفن الرواية على وجه الخصوص؟

هناك إغراء في أن يكون الشخص روائياً، هذا العنوان مغرٍجداً ويحمل لمعة، ما يؤدي إلى حالة من التهافت على وصف روائي، لهذا أصبحت هناك وفرة هائلة وطاغية في الكتابة.

هناك رأي يقول لندع الكتب تُنشر ولن يبقى إلا ما يستحق البقاء، وهناك رأي آخر يقول فلنحم الجيد من وفرة السيء. 

في الحقيقة يصعب أن نقرّر في ذلك، كما لا نستطيع أن نقف حراساً على بوابات الأدب، هذا الأمر بمثابة التزكية الذاتية للنفس وهي غير لائقة، لكن في المقابل أتمنى أن يقلّ الغثاء، لأنه مع الوقت سيردم ويطمر الأعمال الجيدة، ويحجب عنها الضوء.

في النهاية هناك محدودية لدى القارئ، محدودية في الوقت والمال والجهد، فإذا ذهب ذلك كله إلى كتب رديئة، لن يتبقى شيء للكتب الجيدة. وإن جاز لي أن أقول شيئاً، فهو يجب على الكاتب أن يكون قارئاً. يبدأ قارئاً، ويبقى قارئاً، وينتهي قارئاً، وبين هذه المراحل ستحدث الكتابة.

يجب ألا نتوقف عن القراءة لأننا أصبحنا نكتب، وباعتقادي أن الكاتب متى ترك القراءة وقع في مشكلة، فإذا كان جيداً بالأساس ستتدنى هذه الجودة، وإن لم يكن جيداً من الأصل فلن يستطيع أن يصل إلى الجودة، وأخيراً يجب أن نظل قارئين سواء كتبنا أم لم نكتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *